الفَصْلُ الرَّابِعَ عشَرَ: حَرْفُ الفاءِ
الفِرْدَوْسُ:قالَ اللهُ تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف: 107] .
مَعْناها واللُّغةُ الَّتي نُقِلَتْ مِنها:الفِرْدَوسُ: الوادي الخَصيبُ عنْدَ العَربِ، وهو البُسْتانُ مُطلَقًا، والبُسْتانُ الَّذي يَجمَعُ كلَّ ما يكونُ في البَساتينِ، والمَوضِعُ الَّذي تكونُ فيه الكُرومُ؛ فإنَّ أهْلَ الشَّامِ يُطلِقونَ على البَساتينِ والكُرومِ لَفْظَ الفَراديسِ، وهو مُذكَّرٌ، وإنَّما أُنِّثَ في قَوْلِه تعالى:
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 11] ؛ لأنَّ المَقْصودَ به هنا الجَنَّةُ،
وفي اللُّغةِ المَنْقولةِ مِنها الكَلِمةُ أقْوالٌ:أنَّها مُعرَّبةٌ مِن اليونانيَّةِ (الروميَّةِ)، وأصْلُه فيها: (paradeisos)
، وهو فيها مَأخوذٌ مِن الكَلِمةِ الفارِسيَّةِ القَديمةِ (pairidaeza)، الَّتي تَعْني: أحاطَ بالشَّيءِ، واشْتَقُّوا مِنها (فِرجين)، وهو الحائِطُ مِن الشَّوْكِ الَّذي يُحيطُ بالكَرْمِ
.
أنَّها مُعرَّبةٌ مِن النَّبَطيَّةِ، وقدْ ذَكَرَ ذلك القَوْلَ السُّدِّيُّ، وأصْلُه فيها: (فرداسا)، وهو الكَرْمُ.
أنَّها مُعرَّبةٌ مِن السُّرْيانيَّةِ، وتَعْني: جَنَّاتِ الأعْنابِ
.
والقَوْلُ الأوَّلُ هو الرَّاجِحُ
، وإن وافَقَ ذلك السُّرْيانيَّةَ أو غيْرَها مِن اللُّغاتِ
.
هذا، وثَمَّةَ مَن رأى أنَّ الكَلِمةَ عَربيَّةٌ أصيلةٌ، مُشتَقَّةٌ مِن الفَرْدسةِ، بمَعْنى: السَّعةِ، واسْتَدلُّوا عليه بقَوْلِ حسَّانَ بنِ ثابِتٍ:
وإنَّ ثَوابَ اللهِ كلَّ مُوحِّدٍ
جِنانٌ مِن الفِرْدَوسِ فيها يُخلَّدُ
وعلَّقَ على ذلك
أحْمَد شاكِر بقَوْلِه: (وهذا عَجَبٌ؛ أن يكونَ ذِكْرُه في شِعْرِ حسَّانَ دَليلَ عُروبتِه، والقُرآنُ أقْوى دَلالةً على عُروبتِه!)
.
فِرْعَوْنُ:قالَ تعالى:
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [البقرة: 49] .
مَعْناها واللُّغةُ الَّتي نُقِلَتْ مِنها:فِرْعَوْنُ: هو لَقَبٌ لمُلوكِ مِصْرَ، كلَقَبِ (قَيْصَرَ) عنْدَ الرُّومِ، و(كِسْرى) عنْدَ الفُرْسِ، و(تُبَّعٍ) للمَلِكِ مِن مُلوكِ اليَمَنِ
، وكلُّ عاتٍ غاشِمٍ يَقولونَ له: فِرْعَوْنُ
، واشْتَقُّوا مِنه مَصدَرًا: (الفَرْعَنةُ)، وتَعْني: الكِبْرَ والتَّجَبُّرَ، والفِعلَ: (تَفَرْعَنَ)
.
وهو مُعرَّبٌ مِن اللُّغةِ المِصْريَّةِ القَديمةِ (برعا)، ويَعْني فيها: البَيْتَ العَظيمَ
، وقدْ يكونُ مَنْقولًا مِن السُّرْيانيَّةِ (فِرْعَوْنُ)
، أو قد يكونُ مِن الآراميَّةِ (بَررُعيا)، أي: مِن المُلوكِ الرُّعاةِ
.
فُومٌ:قالَ تعالى:
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا [البقرة: 61] .
مَعْناها واللُّغةُ الَّتي نُقِلَتْ مِنها:فيها أقْوالٌ شَتَّى؛ مِنها أنَّ الفُومَ:
الثُّومُ، وهو قَوْلُ
الكِسائيِّ والفَرَّاءِ
والنَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وبه قَرَأَ
ابنُ مَسْعودٍ:
وَثُومِهَا؛ لأنَّ العَربَ تُبدِلُ الفاءَ ثاءً، ويُضعِفُ ذلك القَوْلَ أنَّ ذلك الإبْدالَ غيْرُ قِياسيٍّ، وليس بكَثيرٍ في كَلامِ العَربِ.
الحِنْطةُ، وهو قَوْلُ
ابنِ عبَّاسٍ وأكْثَرِ المُفَسِّرينَ، ورَجَّحَه
القُرْطُبيُّ، واحْتَجُّوا ببَيْتِ أُحَيْحةَ بنِ الجُلاحِ:
قد كُنْتُ أغْنى النَّاسِ شَخْصًا واجِدًا
وَرَدَ المَدينةَ عنْ زِراعةِ فومِ
السُّنْبلةُ في لُغةِ أزْدِ السَّراةِ؛ قالَ الشَّاعِرُ:
وقالَ رَبيئُهم لمَّا أتانا
بِكَفِّه فُومةٌ أو فُومَتانِ
الحِمَّصُ في لُغةِ أهْلِ الشَّامِ.
الخُبْزُ.
كلُّ نَوْعٍ مِن الحُبوبِ الَّتي تُخْتَبزُ، وهو قَوْلُ عَطاءٍ وقَتادةَ
.
والصَّوابُ أنَّ الفُومَ الحِنْطةُ، وكلُّ نَوْعٍ مِن الحُبوبِ مِمَّا يُخبَزُ، فهم يَقولونَ: فَوِّموا لنا، أي: اخْبِزوا لنا
.
وقدْ نَقَلَ
السُّيوطيُّ أنَّها مَنْقولةٌ مِن العِبْريَّةِ، ومَعْناها: الحِنْطةُ
، والأقْرَبُ إلى الصَّوابِ أنَّها مَنْقولةٌ مِن الفارِسيَّةِ: (فوم)، بمَعْنى: الحِنْطةِ والحِمَّصِ والخُبْزِ وسائِرِ الحُبوبِ الَّتي تُخبَزُ
.
الفِيلُ:قالَ اللهُ تعالى:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل: 1] .
مَعْناها واللُّغةُ الَّتي نُقِلَتْ مِنها:الفِيلُ: حَيَوانٌ مَعْروفٌ، والجَمْعُ أفْيالٌ وفُيولٌ وفِيَلةٌ، والأنْثى فِيلةٌ، وصاحِبُها فَيَّالٌ
.
واللَّفْظُ مَنْقولٌ مِن الفارِسيَّةِ: (پيل)، أو أصْلُه آراميٌّ (pila)
، أو هو ذو أصْلٍ هِنْديٍّ
.