السَّلامُ
يُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه السَّلامُ، وهو اسمٌ له ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ: قولُه تَعالَى:
الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [الحشر: 23] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ: حديثُ ثوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((اللَّهُمَّ أنت السَّلامُ، ومنك السَّلامُ، تباركتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ... ))
.
قال
ابنُ قُتَيْبَةَ: (مِن صِفاتِه السَّلامُ؛ قال:
السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ، ومنه سُمِّيَ الرَّجلُ: عبدَ السَّلامِ، كما يُقال: عبدُ اللهِ، ويَرى أهلُ النَّظرِ من أصحابِ اللُّغةِ أنَّ السَّلامَ بمعنى السَّلامةِ، كما يُقال: الرَّضاعُ والرَّضاعةُ، واللَّذاذُ واللَّذاذةُ؛ قال الشَّاعِرُ:
تُحَيِّي بالسَّلامةِ أُمُّ بَكْرٍ وَهل لَكِ بعد قَومِكِ مِن سَلامِ
فَسَمَّى نَفسَه جلَّ ثناؤه سلامًا؛ لسلامتِه ممَّا يَلحَقُ الخَلْقَ من العَيبِ والنَّقصِ والفَناءِ والموتِ)
.
وقال
الخطَّابي: (السَّلامُ في صفةِ اللهِ سُبحانَه هو الذي سَلِمَ من كُلِّ عَيبٍ، وبَرِئَ من كُلِّ آفةٍ ونَقْصٍ يَلحقُ المخلوقينَ. وقيل: الذي سَلِمَ الخَلقُ مِن ظُلمِهـ)
.
وقال
البَيهقيُّ: (السَّلامُ: هو الذي سَلِمَ من كُلِّ عيبٍ، وبَرِئَ من كُلِّ آفةٍ، وهذه صِفةٌ يستحقُّها بذاتِهـ)
.
وقال
ابنُ سِيْدَهْ: (السَّلامُ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تعالى. وقيل: السَّلامُ الذي سَلِمَ الخَلْقُ مِن ظُلْمِهـ)
.
وقال
ابنُ الأثيرِ: (السَّلامُ: ذو السَّلامِ، أي: الذي سَلِمَ من كُلِّ عيبٍ، وبَرِئَ مِنْ كُلِّ آفةٍ)
.
وقال
ابنُ كثيرٍ: (
السَّلامُ أي: مِن جميعِ العيوبِ والنَّقائصِ؛ لكَمالِه في ذاتِه وصِفاتِه وأفعالِهـ)
.
وقال المباركفوريُّ: (
((اللَّهُمَّ أنت السَّلامُ)) هو مِن أسماءِ اللهِ تعالى، أي: أنت السَّليمُ مِن المعائِبِ والآفاتِ، ومِن كُلِّ نقصٍ،
((وَمِنْكَ السَّلامُ)) هذا بمعنى السَّلامةِ، أي: أنت الذي تُعْطي السَّلامةَ وتمنَعُها)
.
وقال
السَّعْديُّ: (القُدُّوسُ السَّلامُ، أي: المعظَّمُ المنَزَّهُ عن صِفاتِ النَّقصِ كلِّها، وأنْ يُماثِلَه أحَدٌ من الخَلقِ؛ فهو المتنَزِّهُ عن جميعِ العُيوبِ، والمتنَزِّهُ عن أنْ يقاربَه أو يماثلَه أحدٌ في شيءٍ من الكَمالِ)
.
ومِن معاني السَّلامِ أنَّه الذي يُشِيعُ السَّلامَ -الذي هو ضِدُّ الحَربِ- بيْن عبادِه، كما قال تعالى:
كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ [المائدة: 64] ، وأنَّه الذي يُسلِّمُ عِبادَه من الآفاتِ والنَّقائِصِ، مثلُ الدُّعاءِ الوارِدِ بَعْدَ الصَّلاةِ:
((اللَّهُمَّ أنت السَّلامُ، ومنك السَّلامُ))
.
قال
الخطَّابيُّ: (فالسَّلامُ في صِفةِ اللهِ سُبحانَه هو الذي سَلِمَ مِن كُلِّ عَيبٍ، وبَرئَ مِن كُلِّ آفةٍ ونَقصٍ يَلحَقُ المخلوقينَ. وقيل: هو الذي سَلِمَ الخَلْقُ من ظُلْمِه، وذهب بعضُ أهلِ اللُّغةِ إلى أنَّ السَّلامَ الذي هو التحيَّةُ معناه: السَّلامةُ، يقالُ: سَلِمَ الرَّجُلُ سَلامًا وسلامةً... قال: ومِن هذا قَولُ اللهِ سُبحانَه:
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ [يونس: 25] أي: إلى الجَنَّةِ؛ لأنَّ الصَّائِرَ إليها يَسلَمُ من المَوتِ والأوصابِ والأحزانِ... وإلى نحوٍ مِن هذا أشار
سُفْيانُ بنُ عُيَينةَ في قَولِه عَزَّ وجَلَّ:
وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [مريم: 15] ... كأنَّه أشار إلى أنَّ اللهَ جَلَّ وعَزَّ سَلَّم يحيى من شَرِّ هذه المواطِنِ الثَّلاثةِ، وأمَّنَه مِن خَوفِها؛ فعلى هذا إذا سَلَّمَ المسلِمُ على المسلِمِ، فقال: السَّلامُ عليكم. فكأنَّه يُعْلِمُه بالسَّلامةِ مِن ناحيتِه، ويُؤَمِّنُه مِن شَرِّه وغائِلَتِه، كأنَّه يَقولُ له: أنا سِلْمٌ لك غيرُ حَربٍ، ووَلِيٌّ غيرُ عَدُوٍّ، والعَرَبُ تقولُ في التحيَّةِ: سِلْمٌ، بمعنى: السَّلامِ... وذَهَب آخَرونَ إلى أنَّ السَّلامَ الذي هو التحيَّةُ إنَّما هو اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ جَلَّ وعَزَّ، فإذا قال المؤمِنُ لأخيه: السَّلامُ عليكم، فإنَّما يُعَوِّذُه باللهِ، ويُبَرِّكُ عليه باسمِه. ودَليلُ صِحَّةِ هذا التَّأويلِ: عن أبي هُرَيرةَ قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ السَّلامَ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ؛ فأفْشُوه بينكم )))
. وقال
ابنُ العربيِّ: (السَّلامُ: الذي لا يتطَرَّقُ إليه عَيبٌ، وسَلِمَ الخَلقُ من ظُلمِه وغَبْنِهـ)
.
وقال
الرازي: (السَّلامُ فيه وَجهانِ...
الثَّاني: أنَّه سلامٌ، بمعنى كَونِه مُوجِبًا للسَّلامةِ)
.
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ: (قَولُه: اللهُمَّ أنت السَّلامُ ومنك السَّلامُ. السَّلامُ الأوَّلُ: اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تعالى، كما قال تعالى:
السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [الحشر: 23] ، والسَّلامُ
الثَّاني: السَّلامةُ، كما قال تعالى:
فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة: 91] ، ومعنى ذلك: أنَّ السَّلامةَ مِن المعاطِبِ والمهالكِ إنَّما تحصُلُ لِمن سَلَّمَه اللهُ تعالى، كما قال:
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس: 107] )
.
وقال القُرْطبيُّ: (السَّلامُ أي: ذو السَّلامةِ مِنَ النَّقائِصِ. وقال
ابنُ العربيِّ: اتَّفَق العُلَماءُ رحمةُ اللهِ عليهم على أنَّ معنى قَولِنا في اللهِ: السَّلامُ: النِّسبةُ، تقديرُه: ذو السَّلامةِ. ثمَّ اختَلَفوا في ترجمةِ النِّسبةِ على ثلاثةِ أقوالٍ: الأوَّلُ: معناه: الذي سَلِمَ مِن كُلِّ عيبٍ، وبَرِئَ مِن كُلِّ نَقصٍ.
الثَّاني: معناه: ذو السَّلامُ، أي المُسَلِّمُ على عبادِه في الجنَّةِ، كما قال:
سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: 58] .
الثَّالثُ: أنَّ معناه: الذي سَلِمَ الخَلْقُ مِن ظُلْمِه. قلتُ: وهذا قَولُ
الخَطَّابيِّ، وعليه والذي قَبْلَه يكونُ صِفةَ فِعلٍ، وعلى أنَّه البَرِيءُ مِن العيوبِ والنَّقائِصِ يكونُ صِفةَ ذاتٍ. وقيلَ: السَّلامُ معناه: المُسَلِّمُ لعبادِهـ)
.
وقال
ابنُ عُثَيمين: (إنَّما يَستَغفِرُ الإنسانُ إذا فَرَغ من صلاتِه؛ مِن أجْلِ ما يكونُ فيها من خَلَلٍ ونَقصٍ، ويَقولُ: اللَّهمَّ أنت السَّلامُ، يعني: اللهُمَّ إنِّي أتوسَّلُ إليك بهذا الاسمِ الكريمِ مِن أسمائِك أن تُسَلِّمَ لي صلاتي حتى تكونَ تَكفِرةً للسَّيِّئاتِ، ورِفعةً للدَّرَجاتِ)
.