الكتابُ الثَّالث عشر: المَسائِلُ الفِقهيَّةُ الوارِدةُ في كُتُبِ العَقيدةِ
تَمهيدٌ:أورَدتْ بعضُ كُتُبِ العَقيدةِ عَدَدًا مِنَ المَسائِلِ الفِقهيَّةِ الَّتي خالَفَت فيها بعضُ الفِرَقِ البِدعيَّةِ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وعَدُّوا هذه المَسائِلَ من خِصالِ أهلِ السُّنَّةِ الَّتي تُمَيِّزُهم عن أهلِ البِدَعِ والأهواءِ.
قال
ابنُ تَيميَّةَ: (مِن شَأنِ المُصَنِّفينَ في العَقائِدِ المُختَصَرةِ عَلى مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ أن يَذكُروا ما يَتَمَيَّزُ به أهلُ السُّنَّةِ عن الكُفَّارِ والمُبتَدِعينَ)
.
ومِن هذه المَسائِلِ:المَسألةُ الأُولى: المَسْحُ عَلى الخُفَّينِخالف في ذلك طائِفةٌ مِنَ
الخَوارِجِ والرَّافِضةِ وغَيرِهم؛ فصارَت هذه المَسألةُ عِلمًا يُفَرَّقُ بهِ ما بينَ السُّنِّيِّ وما بينَ الرَّافِضيِّ والخارِجيِّ وغَيرِهِما.
وأهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ المُتَّبِعونَ للآثارِ لا يُعارِضونَ ما ثَبتَ عن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعن صَحابَتِهِ الكِرامِ بالأقيِسَةِ أو بالدَّلالاتِ العَقليَّةِ، وإنَّما يَجعَلونَها مُقَدِّمةً عَلى ما هوَ دونَها مِنَ القياسِ والدَّلالةِ العَقليَّةِ ونَحوِ ذلك؛ لأنَّ مَنهَجَ الِاستِدلالِ عندهمُ الأخذُ بما جاءَ في الكِتابِ والحَديثِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما جاءَ في القُرآنِ حَقٌّ، وما جاءَت بهِ السُّنَّةُ حَقٌّ، والحَقُّ يُعضِّدُ الحَقَّ ولا يُعارِضُه أو يُناقِضُه، بل هذا يَدُلُّ عَلى هذا، كما أنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلى القُرآنِ وتُبَيِّنُه
.
ومِمَّا استَدَلَّ بهِ أهلُ السُّنَّةِ به على المَسحِ عَلى الخُفَّينِ مِنَ القُرآنِ قَولُ اللَّهِ تعالى في آيةِ الوُضوءِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (قَولُه:
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قُرِئَ:
وَأَرْجُلَكُمْ بالنَّصْبِ عَطفًا عَلى
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ... وهذه قِراءةٌ ظاهِرةٌ في وُجوبِ الغُسلِ، كما قاله السَّلَفُ... وأمَّا القِراءةُ الأخرى، وهيَ قِراءةُ من قَرَأ:
وَأَرْجُلِكُمْ بالخَفضِ. فقَدِ احتَجَّ بها الشِّيعةُ في قَولِهِم بوُجوبِ مَسحِ الرِّجْلَينِ؛ لأنَّها عندهم مَعطوفةٌ عَلى مَسحِ الرَّأسِ... وإنَّما جاءَت هذه القِراءةُ بالخَفضِ إمَّا عَلى المُجاوَرةِ وتَناسُبِ الكَلامِ، كما في قَولِ العَربِ: "جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ"، وكَقَولِهِ تُعالى:
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٍ وَإِسْتَبْرَقٌ [الإنسانُ: 21] وهَذا سائِغٌ ذائِعٌ في لُغةِ العَرَبِ شائِعٌ. ومِنهم من قال: هيَ مَحمولةٌ عَلى مَسحِ القَدَمَينِ إذا كانَ عَلَيهِما الخُفَّانِ، قاله
أبو عَبدِ اللهِ الشَّافِعيُّ، رَحِمَه اللَّهُ. ومِنهم من قال: هيَ دالَّةٌ عَلى مَسحِ الرِّجْلَينِ، ولَكِنَّ المُرادَ بذلك الغَسلُ الخَفيفُ، كما ورَدَت بهِ السُّنَّةُ)
.
وقال
السَّعديُّ في فوائِدِ الآيةِ الكَريمةِ: (الرَّابِعَ عَشَرَ: فيها الرَّدُّ عَلى الرَّافِضةِ عَلى قِراءةِ الجُمهورِ بالنَّصْبِ، وأنَّه لا يَجوزُ مَسحُهما ما دامَتا مَكشوفَتَينِ.
الخامِسَ عَشَرَ: فيهِ الإشارةُ إلى مَسحِ الخُفَّينِ، عَلى قِراءةِ الجَرِّ في
وَأَرْجُلِكُمْ.
وتَكونُ كُلٌّ مِنَ القِراءَتَينِ مَحمولةً عَلى مَعنًى؛ فعَلى قِراءةِ النَّصبِ فيها غَسلُهما إن كانَتا مَكشوفَتَينِ، وعَلى قِراءةِ الجَرِّ فيها مَسحُهما إذا كانَتا مُستورَتَينِ بالخُفِّ)
.
وقال
ابنُ عُثَيمين: (المَسحُ عَلى الخُفَّينِ يَتَعَلَّقُ بالطَّهارةِ بعُضوٍ من أعضائِها، وهما: القَدَمانِ، وجَوازُه ثابِتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ السَّلَفِ، ولَم يُخالِف في هذا إلَّا الرَّافِضةُ، لكِنَّ قَولَهم غَيرُ مُعتَبَرٍ في الإجماعِ والخِلافِ.
أمَّا دَلالَتُه مِنَ القُرآنِ: ففي قَولِهِ تَبارك وتعالى:
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6] عَلى قِراءةِ الجَرِّ، لأنَّها -أي: الآيةَ- عَلى قِراءةِ الجَرِّ تَجعَلُ قَولَه:
وَأَرْجُلَكُم مِنَ المَمسوحاتِ، برُءوسِكُم يَعني: وبِأرجُلِكُم، وعَلى قِراءةِ النَّصْبِ: تَجعَلُها مِنَ المَغسولاتِ... أمَّا السُّنَّةُ فهيَ مُتَواتِرةٌ في هذا...وأمَّا إجماعُ السَّلَفِ فهوَ مَعلومٌ، حَتّى إنَّ بعضَ العُلَماءِ جَعلَ هذا مِنَ العَقائِدِ، ووَضعَه في العَقيدةِ)
.
وقَرَّرَ ذلك كثيرٌ من عُلَماءِ السُّنَّةِ: 1- جاءَ عن الشَّعبيِّ أنَّه قال: (اليَهودُ لا يَرَونَ المَسحَ عَلى الخُفَّينِ، وكَذلك الرَّافِضةُ)
.
2- قال
سُفْيانُ الثَّوريُّ مُخاطِبًا من سَأله عن مُعتَقَدِه: (يا شُعَيبُ بْنَ حَربٍ، لا يَنفَعُكَ ما كتَبتُ لكَ حَتَّى تَرى المَسحَ عَلى الخُفَّينِ دونَ خَلعِهِما أعدَلَ عندكَ من غَسلِ قَدَمَيكَ)
.
وقال أيضًا: (مَن لم يَمسَحْ عَلى الخُفَّينِ فاتَّهِموه عَلى دينِكُم)
.
3- قال أبو القاسِمِ عَبدُ الجَبَّارِ بن شيراز بن يَزيدَ العَبديُّ صاحِبُ سَهلِ بن عَبدِ اللَّهِ: سَمِعتُ سَهلَ بنَ عَبدِ اللَّهِ يَقولُ، وقيلَ له: مَتى يُعلَمُ الرَّجُلُ أنَّه عَلى السُّنَّةِ والجَماعةِ؟ قال: (إذا عُرِفَ من نَفسِهِ عَشْرُ خِصالٍ: لا يَترُكُ الجَمَاعةَ، ولا يَسَبُّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يَخرُجُ عَلى هذه الأمَّةِ بالسَّيفِ، ولا يُكذِّبُ بالقَدَرِ، ولا يَشُكُّ في الإيمانِ، ولا يُماري في الدِّينِ، ولا يَترُكُ الصَّلاةَ عَلى مَن يَموتُ من أهلِ القِبلةِ بالذَّنْبِ، ولا يَترُكُ المَسحَ عَلى الخُفَّينِ، ولا يَترُكُ الجَماعةَ خَلفَ كُلِّ والٍ جارَ أو عَدَلَ)
.
4- قال
الطَّحاويُّ في عَقيدَتِه: (نَرى المَسحَ عَلى الخُفَّينِ في السَّفَرِ والحَضَرِ كما جاءَ في الأثَرِ)
.
5- قال
أبو الحَسَنِ الأشعريُّ مُبيِّنًا الِاعتِقادَ الصَّحيحَ: (وأنَّ المَسحَ عَلى الخُفَّينِ سُنَّةٌ في الحَضَرِ والسَّفَرِ، خِلافًا لقَولِ من أنكَرَ ذلك)
.
6- قال
البَربَهاريُّ في عَقيدَتِه: (المَسحُ عَلى الخُفَّينِ سُنَّةٌ)
.
7- قال مُحَمَّدُ بنُ خَفيف: (نَعتَقِدُ المَسحَ عَلى الخُفَّينِ، ثَلاثًا للمُسافِرِ، ويَومًا ولَيلةً للمُقيمِ)
.
8- قال الملطي مُبَيِّنًا عَقائِدَ الرَّافِضةِ وغَيرِهِم: (تَرَكوا المَسحَ عَلى الخُفَّينِ خِلافًا للأثَرِ والسُّنَّةِ)
.
9- قال ابنُ شاهِين في ذِكرِ مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ: (مَذهَبي المَسحُ عَلى الخُفَّينِ، للمُقيمِ يَومًا ولَيلةً، ولِلمُسافِرِ ثَلاثًا)
.
10- قال
النَّوَويُّ: (أجمَعَ مَن يُعتَدُّ بهِ في الإجماعِ عَلى جَوازِ المَسحِ عَلى الخُفَّينِ في السَّفَرِ والحَضَرِ، سَواءٌ كانَ لحاجةٍ أو لغَيرِها... وإنَّما أنكَرَته الشِّيعةُ و
الخَوارِجُ ولا يُعتَدُّ بخِلافِهِم... وقَد رَوى المَسحَ عَلى الخُفَّينِ خَلائِقُ لا يُحْصَونَ مِنَ الصَّحابةِ)
.
11- قال
ابنُ تَيميَّةَ: (قَد تَواتَرَتِ السُّنَّةُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمَسحِ عَلى الخُفَّينِ، وبِغَسلِ الرِّجْلَينِ، والرَّافِضةُ تُخالِفُ هذه السُّنَّةَ المُتَواتِرةَ، كما تُخالِفُ
الخَوارِجُ نَحوَ ذلك)
.
وقال أيضًا: (يوجَدُ في كلامِ أئِمةِ السُّنَّةِ مِنَ الكوفيِّينَ ك
سُفيانَ الثَّوريِّ أنَّهم يَذكُرونَ مِنَ السُّنَّةِ المَسحَ عَلى الخُفَّينِ... لأنَّ هذا كانَ من شِعارِ الرَّافِضةِ)
.
12- قال مُحَمَّدُ بنُ إبراهيمَ الوَزير عن حَديثِ المَسحِ عَلى الخُفَّينِ: (هوَ حَديثٌ مُجْمَعٌ عَلى صِحَّتِه، لكِنِ ادَّعى بعضُ الشِّيعةِ أنَّه مَنسوخٌ؛ لنُزولِ المائِدةِ بعدَه وفيها الأمرُ بالغَسْلِ، وقال الفُقَهاءُ: إنَّ المَسحَ كانَ قَبلَ المائِدةِ وبَعدَها كما ثَبَتَ ذلك في حَديثِ جَريرٍ المُتَّفَقِ عَلى صِحَّتِهِ، وهَذا الحُكْمُ مَعَ صِحَّتِه مَرويٌّ من طُرُقٍ كثيرةٍ)
.
المَسألةُ الثَّانيةُ: الصَّلاةُ في السَّراويلِأورد أهلُ السُّنَّةِ مَسألةَ جَوازِ الصَّلاةِ في السَّراويلِ إذا كانت ساتِرةً للعَورةِ في كُتُبِ العَقيدةِ خِلافًا للخَوارِجِ.قال
البَربَهاريُّ في شَرحِ السُّنَّةِ: (لا بأسَ بالصَّلاةِ في السَّراويلِ)
.
وقال الملطيُّ العَسقَلانيُّ: (
الحَرُوريَّةُ يَقولونَ بتَكفيرِ الأمَّةِ، ويَتَبَرَّؤونَ مِنَ الخَتَنَينِ، ويَتَولَّونَ الشَّيخَينِ، ويَسُبُّونَ ويَستَحِلُّونَ الأموالَ والفُروجَ، ويَأخُذونَ بالقُرآنِ، ولا يَقولونَ بالسُّنَّةِ أصلًا، وإذا تَطَهَّرَ مِنهمُ الرَّجُلُ أوِ المَرأةُ للصَّلاةِ لا يَبرَحُ ولا يَمشي أصلًا حَتَّى يُصَلِّيَ في المَكانِ الَّذي تَطهَّر فيه، وزَعموا أنَّه إذا مَشى الرَّجُلُ تَحَرَّكَ شَرجُه وانتَقَضَت طَهارَتُه، ويَستَنجونَ بالماءِ، وإذا خَرَجَتْ مِنهمُ الرِّيحُ لم يَتَطَهَّروا للصَّلاةِ خِلافًا لجَميعِ الأمَّةِ، ولا يُصَلُّونَ في السَّراويلِ)
.
المَسألةُ الثَّالِثةُ: مَسحُ الرِّجْلَينِ لا غَسلُهما في الوُضوءِ.أوجَبَ الرَّافِضةُ مَسحَ الرِّجْلَينِ لا غَسلَهما في الوُضوءِ بخِلافِ إجماعِ أهْلِ السُّنَّةِ
قال
النَّوَويُّ: (أجمَع العُلَماءُ عَلى وُجوبِ غَسلِ الوَجهِ واليَدَينِ والرِّجْلَينِ، واستيعابِ جَميعِهِما بالغَسلِ، وانفَرَدَتِ الرَّافِضةُ عن العُلَماءِ فقالوا: الواجِبُ في الرِّجْلَينِ المَسحُ، وهَذا خَطَأٌ مِنهم؛ فقَد تَظاهَرَتِ النُّصوصُ بإيجابِ غَسلِهِما)
.
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (مَن مَسحَ عَلى الرِّجْلَينِ فهوَ مُبتَدِعٌ مُخالِفٌ للسُّنَّةِ المُتَواتِرةِ ولِلقُرآنِ، ولا يَجوزُ لأحَدٍ أن يَعمَلَ بذلك مَعَ إمكانِ الغَسلِ)
.
وقال أيضًا: (القَدَمُ كثيرًا ما يُفرِّطُ المُتَوَضِّئُ بتَركِ استيعابِها، حَتَّى قَدِ اعتَقَدَ كثيرٌ من أهلِ الضَّلالِ أنَّها لا تُغسَلُ، بل فرضُها مَسحُ ظاهِرِها عند طائِفةٍ مِنَ الشِّيعةِ، والتَّخييرُ بينَه وبَينَ الغَسلِ عند طائِفةٍ مِنَ
المُعتَزِلةِ!)
.
المَسألةُ الرَّابِعةُ: الفَصلُ بينَ الفَرضِ والنَّفلِ في صَلاةِ الجُمُعةِ عن
مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (.. إذا صَلَّيتَ الجُمُعةَ فلا تُصَلِّها بصَلاةٍ حَتَّى تَكلَّمَ أو تَخرُجَ؛ فإنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَنا بذلك؛ أنَّ لا تُوصَلَ صَلاةٌ بصَلاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أو نَخرُجَ)
.
قال
ابنُ تَيميَّةَ: (إنَّ كثيرًا من أهلِ البِدَعِ كالرَّافِضةِ وغَيرِهِم لا يَنوُونَ الجُمُعةَ بل يَنوونَ الظُّهرَ، ويُظهِرونَ أنَّهم سَلَّموا، وما سَلَّموا، فيُصَلُّونَ ظُهرًا، ويَظُنُّ الظَّانُّ أنَّهم يُصَلُّونَ السُّنَّةَ، فإذا حَصَلَ التَّمييزُ بينَ الفَرضِ والنَّفلِ كانَ في هذا مَنعٌ لهذه
البِدعةِ)
.
وقال العِراقيُّ: (كُلُّ نافلةٍ كذلك في استحبابِ فِعْلِها في البيتِ إلَّا ما استُثنِيَ، وبتقديرِ فِعْلِها في المسجِدِ فيُستحَبُّ الفَصْلُ بينها وبَيْنَ الفَرْضِ، ولعَلَّ ذلك يتأكَّدُ في الجُمُعةِ؛ لئلَّا يحصُلَ التشَبُّهُ بأهلِ البِدَعِ الذين يُصَلُّونَ يومَ الجُمُعةِ وراءَ الإمامِ تَقِيَّةً، يُوهِمون أنَّهم يَفعَلونَ الجُمُعةَ، وإنَّما يُصَلُّونَ الظُّهرَ ويقومون إلى ركعتَينِ بَعْدَها ليُتِمُّوا ظُهْرَهم، فإذا سُئِلوا عن ذلك مَوَّهُوا بأنَّها سُنَّةُ الجُمُعةِ)
.
المَسألةُ الخامِسةُ: إقامةُ صَلاةِ التَّراويحِ يَقولُ أهلُ السُّنَّةِ بمَشروعيَّةِ صَلاةِ التراويحِ خِلافًا للرَّوافِضِ القائِلينَ بأنَّها
بدعةٌ حَدَثَت في عَهدِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه
.
قال أبو عَبدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ خَفيفٍ: (التَّراويحُ سُنَّةٌ)
.
وقال
أبو القاسِمِ الأصبَهانيُّ: (مِنَ السُّنَّةِ... صَلاةُ التَّراويحِ في شَهرِ رَمضانَ في الجَمَاعةِ)
.
ولَمَّا سُئِلَ
ابنُ تَيميَّةَ عَمَّن يُصَلِّي التَّراويحَ قَبلَ العِشاءِ الآخِرةِ كانَ من جَوابِه: (الرَّافِضةُ تَكره صَلاةَ التَّراويحِ، فإذا صَلَّوا قَبلَ العِشاءِ الآخِرةِ لا تَكونُ هيَ صَلاةَ التَّراويحِ... فمَن صَلَّاها قَبلَ العِشاءِ فقَدَ سَلَكَ سَبيلَ المُبتَدِعةِ المُخالِفينَ للسُّنَّةِ)
.
المَسألةُ السَّادِسةُ: قَصْرُ الصَّلاةِ في السَّفَرِ أورد بعضُ مَن كَتَب من أهلِ السُّنَّةِ في العَقيدةِ هذه المَسألةَ خِلافًا لبَعضِ
الخَوارِجِ الَّذينَ لا يُجيزونَ قَصْرَ الصَّلاةِ إلَّا في حالِ الخَوفِ
.
وقال
المُزنيُّ في عَقيدَتِه: (... وإقصارُ الصَّلاةِ في الأسفارِ)
.
وقال
البَربَهاريُّ في شَرحِ السُّنَّةِ: (اعلَمْ أنَّ الصَّلاةَ الفَريضةَ خَمسٌ، لا يُزادُ فيهِنَّ ولا يُنقَصُ في مَواقيتِها، وفي السَّفَرِ رَكعَتانِ إلَّا المَغرِبُ)
.
وقال
الأصبَهانيُّ: (فصلٌ يَتَعَلَّقُ باعتِقادِ أهلِ السُّنَّةِ ومَذهَبِهم؛ فمِن مَذهَبِهِم تَقصيرُ الصَّلاةِ في السَّفَرِ المُباحِ)
.
المَسألةُ السَّابِعةُ: ألَّا يُفرَدَ بالصَّلاةِ عَلى أحَدٍ إلَّا رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعَلى آلِهوذلك خِلافًا للرَّوافِضِ الَّذينَ يُفرِدونَ الصَّلاةَ عَلى أئِمَّتِهِم من آلِ البَيتِ دونَ غَيرِهِم، ويَجعَلونَ ذلك شِعارًا لهم مُضاهاةً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
قال
ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (ما أعلَمُ الصَّلاةَ تَنبَغي من أحَدٍ عَلى أحَدٍ إلَّا عَلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
.
قال
ابنُ تَيميَّةَ: (أمَّا قَولُ
ابنِ عَبَّاسٍ فهَذا ذَكرَه لَمَّا صارَ أهلُ البِدَعِ يَخُصُّونَ بالصَّلاةِ عَلِيًّا أو غَيرَه، ولا يُصَلُّونَ عَلى غَيرِهِم؛ فهَذا
بِدعةٌ بالِاتِّفاقِ)
.
قال
البَربَهاريُّ: (لا تُفرَدُ بالصَّلاةِ عَلى أحَدٍ إلَّا لرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعَلى آلِهِ فقَط)
.
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (أمَّا الصَّلاةُ عَلَيهِ مُنفَرِدًا فهَذا يَنبِني عَلى أنَّه هَل يُصلَّى عَلى غَيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُنفَرِدًا؟ مِثلُ أن يَقولَ: اللَّهمُ صَلِّ عَلى عُمَرَ أو عَليٍّ. وقَد تَنازَعَ العُلَماءُ في ذلك؛ فذَهَبَ
مالِكٌ و
الشَّافِعيُّ وطائِفةٌ مِنَ الحَنابِلةِ: إلى أنَّه لا يُصلَّى عَلى غَيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُنفَرِدًا، كما رُوِيَ عن
ابنِ عَبَّاسٍ أنَّه قال: لا أعلَمُ الصَّلاةَ تَنبَغي عَلى أحَدٍ إلَّا عَلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وذَهَبَ
الإمامُ أحمَدُ وأكثَرُ أصحابِه إلى أنَّه لا بأسَ بذلك؛ لأنَّ عَلَيَّ بْنَ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال لعُمرَ بنِ الخَطَّابِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيكَ
، وهَذا القَولُ أصَحُّ وأَولى، ولَكِنَّ إفرادَ واحِدٍ مِنَ الصَّحابةِ والقَرابةِ كعليٍّ أو غَيرِهِ بالصَّلاةِ عَلَيهِ دونَ غَيرِه مُضاهاةً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحَيثُ يُجعَلُ ذلك شِعارًا مَعروفًا باسمِه: هذا هوَ
البِدعةُ)
.
وقال
ابنُ القيِّمِ في مَسألةِ الصَّلاةِ عَلى غَيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآلِه وأزواجِه: (إن كانَ شَخصًا مُعَيَّنًا أو طائِفةً مُعَيَّنةً كُرِهَ أن يَتَّخِذَ الصَّلاةَ عَلَيهِ شِعارًا لا يُخِلُّ بهِ، ولَو قيلَ بتَحريمِه لكانَ له وجهٌ، ولا سيَّما إذا جَعَلَها شِعارًا له، ومَنعَ مِنها نَظيرَه أو من هوَ خَيرٌ مِنه، وهَذا كما تَفعَلُ الرَّافِضةُ بعليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه؛ فإنَّهم حَيثُ ذَكروه قالوا: عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولا يَقولونَ ذلك فيمَن هوَ خَيرٌ مِنه؛ فهَذا مَمنوعٌ لا سيَّما إذا اتُّخِذَ شِعارًا لا يُخلُّ بهِ، فتَركُه حينَئِذٍ مُتَعَيِّنٌ، وأمَّا إن صَلَّى عَلَيهِ أحيانًا بحَيثُ لا يَجعَلُ ذلك شِعارًا كما صَلى عَلى دافِعِ الزَّكاةِ، وكَما قال
ابنُ عُمرَ للمَيِّتِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ
، وكَما صَلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلى المَرأةِ وزَوجِها
، وكَما رُويَ عن عَليٍّ من صَلاتِه عَلى عُمَرَ
؛ فهَذا لا بأسَ بهِ. وبِهَذا التَّفصيلِ تَتَّفِقُ الأدِلَّةُ ويَنكَشِفُ وجهُ الصَّوابِ، واللَّهُ الموَفِّقُ)
.
وقال
ابنُ عُثَيمين: (مَعروفٌ أنَّ الصَّلاةَ عَلى غَيرِ الأنبياءِ لا تَجوزُ إلَّا تَبَعًا أو لسَبَبٍ؛ فالصَّلاةُ تَبَعًا كما في قَولِه: اللَّهمُ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ، والصَّلاةُ لسَبَبٍ كما في قَولِهِ تَعالى:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة: 103] ، وأمَّا أن تُتَّخَذَ شِعارًا لشَخصٍ مُعَيَّنٍ سِوى الأنبياءِ فإنَّ ذلك لا يَجوزُ)
.
المَسألةُ الثَّامِنةُ: الصَّلاةُ عَلى من مات من أهلِ القِبلةِ.ذكَرَ أهلُ العِلْمِ المُصَنِّفون في السُّنَّةِ والاعتِقادِ الصَّحيحِ أنَّه تُشرَعُ الصَّلاةُ عَلى كُلِّ من مات مِن أهلِ القِبلةِ، وذلك رَدٌّ عَلى
الخَوارِجِ ومَن تَبِعَهم، الَّذينَ يُكفِّرونَ مُرتَكِبَ الكَبيرةِ، فلا يُصَلُّونَ عَلَيهِ.
قال
الطَّحاويُّ في عَقيدَتِه: (نَرى الصَّلاةَ خَلفَ كُلِّ بَرٍّ وفاجِرٍ من أهلِ القِبلةِ، وعَلى من مات مِنهم)
.
وقال
البَربَهاريُّ في شَرحِ السُّنَّةِ: (الصَّلاةُ عَلى مَن مات من أهلِ القِبلةِ سُنَّةٌ)
.
وقال
أبو القاسِمِ الأصبَهانيُّ: (فمِن مَذهَبِهِم... الصَّلاةُ عَلى من مات من أهلِ القِبلةِ)
.
المَسألةُ التَّاسِعةُ: انتِفاعُ الأمواتِ مِنَ المُسْلِمينَ بدُعاءِ الأحياءِ.قال
الأشعَريُّ في عَقيدَتِه: (نَرى الصَّدَقةَ عن موتى المُسْلِمينَ، والدُّعاءَ لهم، ونَؤمِنُ بأنَّ اللَّه يَنفَعُهم بذلك)
.
وقال ابنُ أبي العِزِّ الحَنفيُّ: (ذَهَبَ بعضُ أهلِ البِدَعِ من أهلِ الكَلامِ إلى عَدَمِ وُصولِ شَيءٍ البتةَ؛ لا الدُّعاءِ ولا غَيرِهِ، وقَولُهم مَردودٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ)
، وصَرَّح
الشَّوكانيُّ بأنَّهمُ
المُعتَزِلةُ
.
المَسألةُ العاشِرةُ: المُتْعةُ في الحَجِّقَرَّرَ أئِمَّةُ أهلِ السُّنَّةِ أنَّ مُتعةَ الحَجِّ سُنَّةً ثابِتةٌ، وهيَ الجَمعُ بينَ أفعالِ الحَجِّ والعُمرةِ في أشهُرِ الحَجِّ في سَنةٍ واحِدةٍ في إحرامَينِ، بتَقديمِ أفعالِ العُمرةِ
.
فتوَسَّطَ أهلُ السُّنَّةِ بينَ مَن أوجَبَها وحَرَّم ما عَداها كالشِّيعةِ، وبَينَ من حَرَّمَ المُتعةَ كالنَّاصِبةِ.
قال
أبو القاسِمِ الأصبَهانيُّ: (مُتعةُ الحَجِّ سُنَّةٌ ثابِتةٌ)
.
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (بعضُ الخارِجينَ عن الجَماعةِ يوجِبُ أو يَمنَعُ ذلك؛ فمِنَ الشِّيعةِ من يوجِبُ المُتعةَ ويُحرِّمُ ما عَداها، ومِنَ النَّاصِبةِ من يُحرِّمُ المُتعةَ ولا يُبيحُها بحالٍ)
.
والأصلُ أنَّ ما كانَ مَشروعًا لم يُترَكْ لمُجَرَّدِ فِعلِ أهلِ البِدَعِ، لكِن إن كانَ في فِعلِ المُستَحَبِّ مَفسَدةٌ راجِحةٌ مِثلُ مُشابَهةِ المُبتَدِعةِ فيما صارَ شِعارًا لهم، فإنَّ مَصلَحةَ التَّمَيُّزِ عنهم آكَدُ من مَصلَحةِ هذا المُستَحَبِّ. واللَّهُ أعلَمُ
.
المَسألةُ الحاديةَ عَشَرةَ: الحُدودُقَرَّرَ أهلُ السُّنَّةِ حَدَّ الرَّجمِ في حَقِّ الزَّاني المُحْصَنِ في عَقائِدِهِم كما جاءَت بذلك الأدِلَّةُ الثَّابِتةُ، خِلافًا للخَوارِجِ وبَعضِ
المُعتَزِلةِ وغَيرِهِم مِنَ المُنكِرينَ للرَّجمِ.
عن
عَبدِ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ اليُهودَ جاؤوا إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذَكَروا له أنَّ رَجُلًا مِنهم وامرَأةً زَنيا، فقال لهم رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ما تَجِدونَ في التَّوراةِ في شَأنِ الرَّجمِ؟ )) فقالوا: نَفْضَحُهم ويَجلَدونَ، فقال عَبدُ اللَّهِ بنُ سَلامٍ: كذَبتُم، إنَّ فيها الرَّجمَ، فأتَوا بالتَّوراةِ فنَشَروها، فوَضعُ أحَدُهم يَدَه عَلى آيةِ الرَّجْمِ، فقَرَأ ما قَبلَها وما بعدَها، فقال له عَبدُ اللَّهِ بنُ سَلامٍ: ارفَعْ يَدَكَ! فرَفعَ يَدَهُ فإذا فيها آيةُ الرَّجمِ، فقالوا: صَدَق يا مُحَمَّدُ، فيها آيةُ الرَّجمِ، فأمرَ بهِما رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرُجِما
.
وعن
عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما يقولُ: (قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وهو جالِسٌ على مِنبَرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللهَ قد بعث محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحَقِّ، وأنزل عليه الكِتابَ، فكان ممَّا أنزَلَ عليه آيةُ الرَّجْمِ. قرَأْناها ووَعَيناها وعَقَلْناها. فرَجَم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَجْمَنا بَعْدَه. فأخشى إن طال بالنَّاسِ زَمانٌ أن يقولَ قائِلٌ: ما نجِدُ الرَّجْمَ في كِتابِ اللهِ. فيَضِلُّوا بتَركِ فَريضةٍ أنزَلَها اللهُ. وإنَّ الرَّجْمَ في كتابِ اللهِ حَقٌّ على من زنى إذا أُحصِنَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ إذا قامت البَيِّنةُ، أو كان الحَبَلُ أو الاعتِرافُ)
.
وعن عَلَيِّ بْنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال حين رَجَم المرأةَ يوم الجمعة: (قد رجمتُها بسنةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
.
فحَدُّ الرَّجمِ للزَّاني المُحْصَنِ ثابِتٌ
، وعَلى هذا جَميعُ عُلَماءِ الأمَّةِ إلَّا من شَذَّ كالخوارِجِ ونَحوِهِم.
قال ابنُ بطَّالٍ: (دَفَعَ
الخَوارِجُ الرَّجْمَ و
المُعتَزِلةُ، واعتَلُّوا بأنَّ الرَّجمَ ليسَ في كِتابِ اللَّهِ تَعالى، وما يَلزَمُهم مِنِ اتِّباعِ كِتابٍ اللَّهِ مِثلُه يَلزَمُهم مِنَ اتِّباعِ سُنَّةِ رَسول اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لقَولِهِ تَعالى:
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] فلا مَعنى لقَولِ من خالَفَ السُّنَّةَ وإجماعَ الصَّحابةِ واتِّفاقَ أئِمَّةِ الفَتَوى، ولا يُعَدُّونَ خِلافًا)
.
وقال
ابنُ العَرَبيِّ: (لا خِلافَ فيهِ بينَ الأئِمَّةِ إلَّا أنَّ طائِفةً مِنَ البَربَرِ نَزَلَت عَلى جَبَلِ طَرابلس، ليسَ لهم إلَّا مطلعٌ ضَيِّقٌ، كفَروا باللَّهِ ورَسولهِ، وتَستَّروا بكَلِمةِ الإسلامِ والتَّعَصُّبِ لعُثمانَ، ويَرَونَ أنَّ الوُضوءَ
بِدعةٌ، وأنَّ
التَّيمُّمَ هوَ الأصلُ، والزَّاهِدُ مِنهم هوَ الَّذي يَموتُ ولا يَمَسُّ ماءً قَطُّ في عُمُرِه! ويَرَونَ سُقوطَ الرَّجمِ ويَضرِبونَ الزَّانيَ بالسَّوطِ حَتَّى يَموتَ، في مُحالاتٍ لا نِهايةَ لها)
.
وقال
ابنُ قُدامةَ: (وُجوبُ الرَّجمِ عَلى الزَّاني المُحْصَنِ رَجُلًا كانَ أوِ امرَأةً، وهَذا قَولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ ومَن بَعْدَهم من عُلَماءِ الأمصارِ في جَميعِ الأعصارِ، ولا نَعلَمُ فيهِ مُخالِفًا إلَّا
الخَوارِجَ ... ولَنا أنَّه قَد ثَبَتَ الرَّجمُ عن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولِهِ وفِعلِهِ، في أخبارٍ تُشبِه المُتَواتِرَ، وأجمَعَ عَلَيهِ أصحابُ رَسوِل اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
.
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (السُّنَّةُ المُتَواتِرةُ الَّتي لا تُفَسِّرُ ظاهِرَ القُرآنِ، أو يُقالُ: تُخالِفُ ظاهِرَه، كالسُّنَّةِ في تَقديرِ نِصابِ السَّرِقةِ ورَجمِ الزَّاني وغَيرِ ذلك؛ فمَذهَبُ جَميعِ السَّلَفِ العَمَلُ بها أيضًا إلَّا
الخَوارِجُ؛ فإنَّ من قَولِهِم -أو قَولِ بعضِهِم- مُخالَفةَ السُّنَّةِ؛ حَيثُ قال أوَّلُهم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وَجهِه: إنَّ هذه القِسمةَ ما أُريدَ بها وجهُ اللَّهِ!
. ويُحكى عنهم أنَّهم لا يَتَّبِعونَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا فيما بلَّغَه عن اللَّهِ مِنَ القُرآنِ والسُّنَّةِ المُفَسِّرةِ له، وأمَّا ظاهِرُ القُرآنِ إذا خالَفَه الرَّسولُ فلا يَعمَلونَ إلَّا بظاهِرِه؛ ولِهَذا كانوا مارِقةً مَرَقوا مِنَ الإسلامِ كما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)
.