الموسوعة العقدية

الفَرعُ الرَّابعُ: مِن مَراتِبِ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ: الأمرُ والإلزامُ

الشَّهادةُ تتضمَّنُ الأمرَ والإلزامَ؛ فاللهُ سُبحانَه قد شَهِدَ بوَحدانيَّتِه شَهادةَ مَن حَكَم بذلك، وقضى وأمَرَ وألزَمَ به عِبادَه.
قال اللهُ تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَقال اللهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ [النحل:51] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5] .
فإذا شَهِدَ اللهُ أنَّه لا إلهَ إلَّا هو فقد أخبَرَ وبَيَّن وأعَلَم وحَكَم وقضى أنَّ ما سِواه ليس بإلهٍ، وأنَّ إلَهيَّةَ ما سِواه أبطَلُ الباطِلِ، وإثباتَها أظلَمُ الظُّلْمِ، فلا يستَحِقُّ العِبادةَ سِواه، وذلك يَستلزِمُ الأمرَ باتخاذِه وَحْدَه إلهًا، والنَّهيَ عن اتخاذِ غَيرِه معه إلهًا [669] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/422). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (الأدِلَّةُ قد دَلَّت على أنَّه سُبحانَه وَحْدَه المستَحِقُّ للعِبادةِ، فإذا أخبَرَ أنَّه هو وَحْدَه المستَحِقُّ للعِبادةِ، تضَمَّنَ هذا الإخبارُ: أمْرَ العبادِ وإلزامَهم بأداءِ ما يَستَحِقُّه الرَّبُّ تعالى عليهم، وأنَّ القيامَ بذلك هو خالِصُ حَقِّه عليهم، فإذا شَهِدَ سُبحانَه أنَّه لا إلهَ إلَّا هو، تضَمَّنَت شهادتُه الأمرَ والإلزامَ بتوحيدِه.
وأيضًا فلَفظُ الحُكمِ والقَضاءِ يُستعمَلُ في الجُمَل ِالخَبَريَّةِ، فيُقالُ للجُملةِ الخَبَريَّةِ قَضيةٌ وحُكمٌ، وقد حَكَم فيها بكَيتَ وكَيتَ؛ قال تعالى: أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات: 151 - 154] ، فجَعَل هذا الإخبارَ المجَرَّدَ منهم حُكمًا، وقال في موضِعٍ آخَرَ: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم: 35، 36]، لكِنَّ هذا حُكمٌ لا إلزامَ معه، والحُكمُ والقَضاءُ بأنَّه لا إلهَ إلَّا هو: مُتضَمِّنٌ للإلزامِ، واللهُ سُبحانَه أعلَمُ) [670] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (3/ 423). .
فمِنْ كَمالِ شَهادةِ المُسلمِ للهِ بالأُلوهيَّةِ أنْ يَدعُوَ النَّاسَ إلى تَوحِيدِ اللهِ سُبْحَانَه، ويَأْمُرَهُم بِعِبادةِ اللهِ وَحْدَه، وأنْ يَنهاهُم عن الشِّركِ باللهِ.
قال اللهُ سُبْحَانَه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108].

انظر أيضا: