الموسوعة العقدية

الفرعُ الأولُ: الشَّفاعةُ العُظمى يَومَ القيامةِ، هي الشَّفاعةُ الأولى لنَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهيَ أعظَمُ الشَّفاعاتِ، وهيَ المَقامُ المَحمودُ الذي ذَكَرَ اللهُ عزَّ وجَلَّ له ووَعَدَه إيَّاه

عن جابِرِ بنِ عَبدِ الله رَضِيَ الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُعطِيتُ خَمسًا لَم يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبلي: نُصِرْتُ بالرُّعبِ مَسيرةَ شَهرٍ، وجُعِلَت لي الأرضُ مَسجِدًا وطَهورًا، فأيُّما رَجُلٍ من أمَّتي أدرَكَته الصَّلاةُ فليُصَلِّ، وأحِلَّتْ لي المَغانِمُ ولَم تَحِلَّ لأحَدٍ قَبلي، وأُعطِيتُ الشَّفاعةَ، وكان النَّبيُّ يُبعَثُ إلى قَومِه خاصَّةً وبُعِثتُ إلى النَّاسِ عامَّةً )) [3355] أخرجه البخاري (335) واللَّفظُ له، ومسلم (521). .
قال الخَطابيُّ: (قَولُه: ((أُعطِيتُ الشَّفاعةَ))، فإنَّها هيَ الفَضيلةُ العُظمى التي لَم يُشارِكْه فيها أحَدٌ من الأنبياءِ، وبِها سادَ الخَلقَ كُلَّهم حَتَّى يَقولَ: أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَم، وذلك في القيامةِ حَتَّى يَشفَعَ للخَلقِ في الحِسابِ، ولا يَشفَعُ غَيرُه) [3356] يُنظر: ((أعلام الحديث)) (1/ 335). .
وقال النَّوَويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وأُعطيتُ الشَّفاعةَ)) هيَ الشَّفاعةُ العامَّةُ التي تَكونُ في المَحشَرِ بفَزَعِ الخَلائِقِ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ الشَّفاعةَ في الخاصَّةِ جُعِلَت لغَيرِه أيضًا) [3357] يُنظر: ((شرح مسلم)) (5/ 4). .
وقال السَّعديُّ: (قَولُه: ((وأُعطيتُ الشَّفاعةَ)) وهيَ الشَّفاعةُ العُظمى التي يَعتَذِرُ عنها كِبارُ الرُّسُلِ، ويَنتَدِبُ لها خاتَمُهم مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيُشَفِّعُه الله في الخَلقِ، ويَحصُلُ له المَقامُ المَحمودُ الذي يَحمَدُه فيه الأولونَ والآخِرونَ، وأهلُ السَّمَواتِ والأرضِ، وتَنالُ أمَّتُه من هذه الشَّفاعةِ الحَظَّ الأوفَرَ، والنَّصيبَ الأكمَلَ، ويَشفَعُ لهم شفاعةً خاصَّةً، فيُشَفِّعُه اللهُ تعالى) [3358] يُنظر: ((بهجة قلوب الأبرار)) (ص: 65). .
وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما قال: ((إنَّ النَّاسَ يَصيرونَ يَومَ القيامةِ جُثًا، كُلُّ أمَّةٍ تَتبَعُ نَبيَّها، يَقولونَ: يا فُلانُ اشفَعْ، حَتَّى تَنتَهيَ الشَّفاعةُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذلك يَومُ يَبعَثُه اللهُ المَقامَ المَحمودَ )) [3359] أخرجه البخاري (4718). .
قال الطبري: (قال أكثَرُ أهلِ التَّأويلِ: المَقامُ المَحمودُ هو الذي يَقومُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُريحَهم من كربِ المَوقِفِ؛ لحَديثِ ابنِ عَباسٍ: المَقامُ المَحمودُ الشَّفاعةُ، وحَديثِ أبي هُريرةَ في قَولِه تعالى: عَسَى أَنْ يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء: 79] قال: سُئِلَ عنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: هيَ الشَّفاعةُ) [3360] يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (9/ 328). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَسليمًا تَشريفاتٌ يَومَ القيامةِ لا يَشرَكُه فيها أحَدٌ، وتَشريفاتٌ لا يُساويه فيها أحَدٌ... وله الشَّفاعةُ العُظمى عِندَ الله ليَأتيَ لفَصلِ القَضاءِ بينَ الخَلائِقِ، وذلك بَعدَما يَسألُ النَّاسُ آدَمَ ثُمَّ نوحًا ثُمَّ إبراهيمَ ثُمَّ موسى ثُمَّ عيسى، فكُلٌّ يَقولُ: (لَستُ لها) حَتَّى يَأتُوا إلى مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيَقولُ: ((أنا لها، أنا لها)) [3361] أخرجه البخاري (7510)، ومسلم (193) من حديث أنس رضي الله عنه. ولفظ البخاري: ((إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك. فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن. فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله. فيأتون موسى، فيقول لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته. فيأتون عيسى، فيقول لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم. فيأتوني، فأقول: أنا لها..)) [3362] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 104). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (المَقامُ المَحمودُ هو الشَّفاعةُ العُظمى التي اختَصَّ بها، وهيَ إراحةُ أهلِ المَوقِفِ من أهوالِ القَضاءِ بينَهم والفَراغِ من حِسابِهم) [3363] يُنظر: ((فتح الباري)) (3/ 339). .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه قال: أُتِيَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومًا بلَحمٍ، فرُفِعَ إليه الذِّراعُ وكانت تُعجِبُه، فنَهسَ منها نَهسةً، فقال: ((أنا سَيِّدُ النَّاسِ يَومَ القيامةِ، وهَل تَدرونَ بمَ ذاك؟ يجَمَعُ اللهُ يَومَ القيامةِ الأوَّلينَ والآخِرينَ في صَعيدٍ واحِدٍ، فيُسمِعُهمُ الدَّاعي، ويَنفُذُهمُ البَصَرُ [3364] قال أبو العباس القرطبي: ((قوله: فيُسمِعُهم الداعي ويَنفُذُهم البصرُ) معناه: أنهم مجتَمِعون مهتمون بما هم فيه، لا يخفى منهم أحدٌ، بحيث إن دعاهم داعٍ سمعوه، وإن نظر إليهم ناظِرٌ أدركهم). ((المفهم)) (1/ 427). ، وتَدنو الشَّمسُ فيَبلُغُ النَّاسَ من الغَمِّ والكَربِ ما لا يُطيقونَ وما لا يَحتَمِلونَ، فيَقولُ بَعضُ النَّاسِ لبَعضٍ: ألا تَرَونَ ما أنتم فيه، ألا تَرَونَ ما قد بَلَغَكم، ألَا تَنظُرونَ مَن يَشفَعُ لَكم إلى رَبِّكم؟ فيَقولُ بَعضُ النَّاسِ لبَعضٍ: ائتُوا آدَمَ، فيَأتون آدَمَ فيَقولونَ: يا آدَمُ أنتَ أبو البَشَرِ، خَلقَك اللهُ بيدِه ونَفخَ فيك من رُوحِه وأمرَ المَلائِكةَ فسَجَدوا لَك، اشفَعْ لَنا إلى رَبِّك، ألا تَرى ما نَحنُ فيه، ألا تَرى ما قد بَلَغَنا؟ فيَقولُ آدَمُ: إنَّ رَبي غَضِبَ اليَومَ غَضبًا لم يَغضَبْ قَبْلَه مِثلَه ولَن يَغضَبَ بَعدَه مِثلَه، وإنَّه نَهاني عن الشَّجَرةِ فعَصَيتُه. نَفسي نَفسي، اذهَبوا إلى غَيري، اذهَبوا إلى نوحٍ. فيَأتون نوحًا عليه السَّلامُ فيَقولونَ: يا نوحُ، أنتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إلى الأرضِ وسَمَّاك اللهُ عَبدًا شَكُورًا، اشفَعْ لَنا إلى رَبِّكَ، ألَا تَرى ما نَحنُ فيه، ألا تَرى ما قد بَلَغَنا؟ فيَقولُ لهم: إنَّ رَبي قد غَضِبَ اليَومَ غَضبًا لَم يَغضَبْ قَبلَه مِثلَه ولَن يَغضَبَ بَعدَه مِثلَه، وإنَّه قد كانت دَعوةٌ دَعَوتُ بها على قَومي. نَفسي نَفسي، اذهَبوا إلى إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَأتون إبراهيمَ فيَقولونَ: أنتَ نَبيُّ اللهِ وخَليلُه من أهلِ الأرضِ، اشفَعْ لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى ما نَحنُ فيه، ألا تَرى إلى ما قد بَلَغَنا؟ فيَقولُ لهم إبراهيمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ رَبي قد غَضِبَ اليَومَ غَضبًا لَم يَغضَب قَبلَه مِثلَه ولَن يَغضَبَ بَعدَه مِثلَه، وذَكَرَ كَذَباتِه، نَفسي نَفسي، اذهَبوا إلى غَيري، اذهَبوا إلى موسى. فيَأتون موسى عليه السَّلامُ فيَقولونَ: يا موسى، أنتَ رَسولُ اللهِ فضَّلَك اللهُ برِسالاتِه وبِتَكليمِه على النَّاسِ، اشفَعْ لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى ما نَحنُ فيه، ألا تَرى ما قد بَلَغَنا؟ فيَقولُ لهم موسى عليه السَّلامُ: إنَّ رَبي قد غَضِبَ اليَومَ غَضبًا لَم يَغضَب قَبلَه مِثلَه ولَن يَغضَبَ بَعدَه مِثلَه، وإنِّي قَتَلتُ نَفَسًا لَم أؤمَرْ بقَتلِها، نَفسي نَفسي، اذهَبوا إلى عيسى عليه السَّلامُ. فيَأتون عيسى فيَقولونَ: يا عيسى، أنتَ رَسولُ اللهِ وكَلَّمْتَ النَّاسَ في المَهدِ، وكَلِمةٌ منه ألقاها إلى مَريَمَ وُروحٌ منه، فاشفَع لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى ما نَحنُ فيه، ألا تَرى ما قد بَلَغنا؟ فيَقولُ لهم عيسى عليه السَّلامُ: إنَّ رَبي قد غَضِبَ اليَومَ غَضبًا لَم يَغضَبْ قَبلَه مِثلَه ولَن يَغضَبَ بَعدَه مِثلَه، ولَم يَذكُرْ له ذَنبًا، نَفسي نَفسي، اذهَبوا إلى غَيري، اذهَبوا إلى مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فيَأتوني فيَقولونَ: يا مُحَمَّدُ، أنتَ رَسولُ اللهِ وخاتَمُ الأنبياءِ، وغَفرَ اللهُ لَك ما تَقَدَّمَ من ذَنبِك وما تَأخَّرَ، اشفَعْ لَنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى ما نَحنُ فيه، ألا تَرى إلى ما قد بَلَغَنا؟ فأنطَلِقُ فآتي تَحتَ العَرْش فأقَعُ ساجِدًا لرَبي، ثُمَّ يَفتَحُ اللهُ عليَّ ويُلهِمُني من مَحامِدِه وحُسنِ الثُّناءِ عليه شَيئًا لَم يَفتَحْه لأحَدٍ قَبلي. ثُمَّ قال: يا مُحَمَّدُ، ارفَعْ رَأسَك، سَلْ تُعطَه، اشفَعْ تُشَفَّعْ، فأرفَعُ رَأسي فأقولُ: يا رَبِّ أُمَّتي أُمَّتي، فيُقالُ: يا مُحَمَّدُ، أدخَلِ الجَنَّةَ من أمَّتِك من لا حِسابَ عليه من البابِ الأيمَنِ من أبوابِ الجَنَّةِ، وهم شُركاءُ النَّاسِ فيما سِوى ذلك من الأبوابِ، والذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بيدِه إنَّ ما بينَ المِصراعينِ من مَصاريعِ الجَنَّةِ لَكَمَا بينَ مَكَّةَ وهَجَرٍ، أو كما بينَ مَكَّةَ وبُصْرى )) [3365] أخرجه البخاري (3340) مختصرًا، ومسلم (194) واللَّفظُ له. .
وفي رِوايةٍ: ((وُضِعَت بينَ يَديْ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَصعةٌ من ثَريدٍ ولَحمٍ، فتَناوَلَ الذِّراعَ وكانت أحَبَّ الشَّاةِ إليه، فنَهسَ نَهسةً، فقال: أنا سَيِّدُ النَّاسِ يَومَ القيامةِ، ثُمَّ نَهسَ أُخرى، فقال: أنا سَيِّدُ النَّاسِ يَومَ القيامةِ، فلَمَّا رَأى أصحابَه لا يَسألونَه قال: ألَّا تَقولونَ: كيفَ؟ قالوا: كيفَ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: يَقومُ النَّاسُ لرَبِّ العالَمينَ...)) وزادَ في قِصَّةِ إبراهيمَ فقال: وذَكرَ قَولَه في الكَوكَبِ: هَذَا رَبِّي، وقَولُه لآلِهَتِهم: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، وقَولُه: إِنِّي سَقِيمٌ [3366] أخرجه مسلم (194). .
قال ابنُ عُثَيمين: (حَدَّثهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا الحَديثَ العَجيبَ الطَّويلَ، فقال: أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القيامةِ، ولا شَكَّ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ وأشرَفُ بني الإنسانِ عِندَ اللهِ تَبارك وتعالى، أتَدرونَ مِمَّ ذاك؟ قالوا: لا يا رَسولَ اللهِ، فساقَ لهم بَيانَ شَرفِه وفَضلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على جَميعِ بَني آدَمَ، ذَكرَ أنَّ النَّاسَ يُحشَرونَ يَومَ القيامةِ في صَعيدٍ واحِدٍ أوَّلُهم وآخِرُهم، كما قال عزَّ وجَلَّ: قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ يُجمَعونَ في صَعيدٍ واحِدٍ... في ذلك اليَومِ تَدنو الشَّمسُ من الخَلائِقِ على قَدْرِ مِيلٍ، ويَلحَقُهم من الغَمِّ والكَربِ ما لا يُطيقونَ ولا يَحتَمِلونَ، فتَضيقُ بهمُ الأرضُ، ويَطلُبونَ الشَّفاعةَ لَعَلَّ أحَدًا يَشفَعُ فيهم عِندَ اللهِ جَلَّ وعَلا، يُنقِذُهم من هذا المَوقِفِ العَظيمِ على الأقَلِّ... ثُمَّ شَرحَ اعتِذارَ الأنبياءِ آدَمَ ونوحٍ وإبراهيمَ وموسى عليهمُ السَّلامُ عن الشَّفاعةِ إلى أنْ قال: فيَأتون إلى عيسى ويَذكُرونَ منه مِنَّةَ الله عليه أنَّه نَفخَ فيه من روحِه وأنَّه كلِمَتُه ألقاها إلى مَريَمَ وُروحٌ منه؛ لأنَّ عيسى خُلقَ بلا أبٍ، فلا يَذكُرُ ذَنبًا ولَكِنَّه يُحيلُهم إلى مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا شَرفٌ عَظيمٌ لرَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَيثُ كان أربَعةٌ من الأنبياءِ يَعتَذِرونَ بذِكرِ ما فعَلوه، وواحِدٌ لا يَعتَذِرُ بشَيءٍ، ولَكِنْ يَرى أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَولى منه، فيَأتون إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَقبَلُ ذلك ويَجلِسُ تَحتَ العَرْشِ، ويَفتَحُ اللهُ عليه من المَحامِدِ والثَّناءِ على اللهِ ما لَم يَفتَحْه على أحَدٍ غَيرِه، ثُمَّ يُقالُ له: ارفَعْ رَأسَك، وقُلْ يُسمَعْ، وسَلْ تُعْطِه، واشفَعْ تُشفَّعْ، فيَشفَعُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: يا رَبِّ أمَّتي أمَّتي، فيَتَقَبَّلُ اللهُ شَفاعتَه، ويُقالُ له: أدخِلْ أُمَّتَك مِنَ البابِ الأيمَنِ من الجَنَّةِ، وهم شُرَكاءُ مَعَ النَّاسِ في بَقيَّةِ الأبوابِ. وهذه فيها دَلالةٌ ظاهِرةٌ على أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشرَفُ الرُّسُلِ، والرُّسُلُ هم أفضَلُ الخَلقِ، كما قال عزَّ وجَلَّ: ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فأولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ هؤلاء همُ الأصنافُ الأربَعةُ الذينَ هم أفضَلُ الخَلقِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أفضَلُهم) [3367] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 699-704). .
وعن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يا أُبَيُّ أُرسِلَ إليَّ أنْ اقرَأِ القُرآنَ على حَرفٍ، فرَدَدتُ إليه أنْ هَوِّنْ على أمَّتي، فرَدَّ إليَّ الثَّانيةَ اقرَأْه على حَرفينِ، فرَدَدْتُ إليه أنْ هوِّنْ على أمَّتي، فردَّ إليَّ الثَّالِثةَ اقرَأْه على سَبعةِ أحرُفٍ، فلَك بكُلِّ ردَّةٍ رَدَدْتُكَها مَسألةٌ تَسألُنيها، فقُلتُ: اللهُمَّ اغفِرْ لأمَّتي، اللهُمَّ اغفِرْ لأمَّتي، وأخَّرْتُ الثَّالِثةَ ليَومٍ يَرغَبُ إليَّ الخَلقُ كُلُّهم، حَتَّى إبراهيمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) [3368] أخرجه مسلم (820) مطولًا. .
قال المظهَريُّ: (أمَرَه اللهُ تعالى أن يَسألَه بكُلِّ مَرَّةٍ مَسألةً، فقال: ((اللهمَّ اغفِرْ لأمَّتي)) مَرَّتينِ، وأخَّرَ الثَّالِثةَ إلى يَومِ القيامةِ، وهيَ الشَّفاعةُ في يَومٍ يَحتاجُ إلى شفاعتِه جَميعُ الخَلقِ) [3369] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (3/ 111). .

انظر أيضا: