الموسوعة الحديثية


- أُتيَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بلحمٍ فدفعَ إليهِ الذِّراعُ وَكانَ يعجبُه فنَهشَ منها نَهشةً ثم قال أنا سيِّدُ النَّاسِ يومَ القيامةِ وَهل تدرونَ لم ذلك يجمعُ اللَّهُ يومَ القيامةِ الأوَّلينَ والآخرينَ في صعيدٍ واحدٍ فيسمعُهمُ الدَّاعي وينفذُهمُ البصرُ وتدنو الشَّمسُ فيبلغُ النَّاسَ منَ الكربِ والغمِّ ما لا يطيقونَ ولا يحتملونَ فيقولُ بعضُ النَّاسِ لبعضٍ ألا ترونَ ما أنتُم فيهِ ألا ترونَ ما قد بلغَكم ألا تَنظرونَ إلى من يشفعُ إلى ربِّكم فيقولُ بعضُ النَّاسِ لبعضٍ أبوكم آدمُ عليه السَّلامُ فيأتونَ آدمَ فيقولونَ يا آدمُ أنتَ أبو البشرِ خلقَك اللَّهُ بيدِه ونفخَ فيكَ من روحِه وأمرَ الملائِكةَ فسجدوا لَك اشفع لنا إلى ربِّكَ ألا ترى ما نحنُ فيهِ ألا ترى ما قد بلغنا فيقولُ لهم إنَّ ربِّي قد غضبَ اليومَ غضبًا لم يغضب قبلَه مثلَه ولن يغضبَ بعدَه مثلَه وإنَّهُ نَهاني عنِ الشَّجرةِ فعصيتُه نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوحٍ فيأتونَ نوحًا فيقولونَ يا نوحُ أنتَ أوَّلُ الرُّسلِ إلى أهل الأرضِ وسمَّاكَ اللَّهُ عبدًا شَكورًا اشفع لنا إلى ربِّكَ ألا ترى إلى ما نحنُ فيهِ ألا ترى إلى ما قد بلغْنا فيقولُ لَهم إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضبًا لم يغضب قبلَه مثلَه ولن يغضبَ بعدَه مثلَه وإنَّهُ كانت لي دعوةٌ دعوتُ بِها على قومي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيمَ فيأتونَ إبراهيمَ فيقولونَ يا إبراهيمُ أنتَ نبيُّ اللَّهِ وخليلُه من أَهلِ الأرضِ اشفع لنا إلى ربِّكَ ألا ترى ما نحنُ فيهِ ألا ترى ما قد بلغْنا فيقولُ لَهم إبراهيمُ إنَّ ربِّي قد غضبَ اليومَ غضبًا لم يغضب قبلَه مثلَه ولن يغضبُ بعدَه مثلَه وذَكرَ كذباتِه نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتونَ موسى صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فيقولونَ يا موسى أنتَ رسولُ اللَّهِ فضَّلَك اللَّهُ برسالاتِه وبتَكليمِه على النَّاسِ فاشفع لنا إلى ربِّكَ ألا ترى ما نحنُ فيهِ ألا ترى ما قد بلغنا فيقولُ لَهم موسى إنَّ ربِّي قد غضبَ اليومَ غضبًا لم يغضبْ قبلَه مثلَه ولن يغضبَ بعدَه مثلَه وإنِّي قتلتُ نفسًا لم أومَر بقتلِها نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى ابنِ مريمَ فيأتونَ عيسى ابنَ مريمَ فيقولونَ يا عيسى أنتَ رسولُ اللَّهِ وَكلَّمتَ النَّاسَ في المَهدِ وَكلمةٌ منهُ ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منهُ اشفع لنا إلى ربِّكَ ألا ترى ما نحنُ فيهِ ألا ترى ما قد بلغنا فيقولُ لَهم عيسى إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضبًا لم يغضب قبلَه مثلَه ولن يغضبَ بعدَه مثلَه ولم يذكر لهُ ذنبًا نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فيأتونِّي فيقولونَ يا محمَّدُ أنتَ رسولُ اللَّهِ وخاتمُ النبيين وقد غفرَ اللَّهُ لَك ما تقدَّمَ من ذنبِك وما تأخَّرَ اشفع لنا إلى ربِّكَ ألا ترى ما نحنُ فيهِ ألا ترى ما قد بلغنا فأنطلقُ فآتي تحتَ العرشِ فأقعُ ساجدًا لربِّي ثمَّ يفتحُ اللَّهُ عليَّ ويلهمني من محامدِه وحسنِ الثَّناءِ عليهِ شيئًا لم يفتحهُ لأحدٍ قبلي ثمَّ قال يا محمَّدُ ارفع رأسَك وسل تعطَ واشفع تشفَّع فأرفعُ رأسي فأقولُ ربِّ أمَّتي أمَّتي أمَّتي ثلاثَ مرَّاتٍ فيقالُ يا محمَّدُ أدخِل الجنَّةَ من أمَّتِك من لا حسابَ عليهِ منَ البابِ الأيمنِ من أبوابِ الجنَّةِ وَهم شرَكاءُ النَّاسِ فيما سوى ذلِك منَ الأبوابِ قال والَّذي نفسي بيدِه أنَّ ما بينَ المصراعينِ من مصاريعِ الجنَّةِ كما بينَ مَكةَ وَهجرٍ أو كما بينَ مَكةَ وبُصرَى
الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن خزيمة | المصدر : التوحيد لابن خزيمة | الصفحة أو الرقم : 593/2 | خلاصة حكم المحدث : [أشار في المقدمة أنه صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح] | التخريج : أخرجه ابن خزيمة في ((التوحيد)) (ص358)
أخبَرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببعضِ أحداثِ يومِ القيامةِ، ووصَفَ ما فيه؛ لِيَتَّعِظَ النَّاسُ، ويَعْمَلوا لهذا اليومِ، وهذا الحديثُ يُبيِّنُ بعضًا مِن ذلك؛ حيثُ يقولُ الصَّحابيُّ الجليلُ أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "أُتِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بلَحمٍ، فدُفِعَ إليه الذِّراعُ" وهو الرِّجلُ الأماميَّةُ مِن الذَّبيحةِ مع الكَتِفِ، "وكان يُعجِبُه"، أي: لِنُضْجِها وسُرعةِ استِمرائِها، مع زِيادةِ لذَّتِها وحَلاوةِ مَذاقِها، وبُعدِها عن مَواضعِ الأذَى، "فنَهَشَ منها نَهشةً"، أي: قطَعَ منها بأسنانِه، ثمَّ قال: "أنا سيِّدُ النَّاسِ يومَ القِيامةِ"، أي: سيِّدُ ولدِ آدمَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، "وهلْ تَدْرون لِمَ ذلك؟" فأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه بمَشهدِ جَمْعِ النَّاسِ يومَ القيامةِ، فقال: "يَجمَعُ اللهُ يومَ القيامةِ الأوَّلينَ والآخِرينَ في صَعيدٍ واحدٍ"، أي: في أرضٍ واحدةٍ، "فيُسمِعُهم الدَّاعي ويَنفُذُهم البصرُ" ومعناهُ: أنَّهم مُجتمِعون مُهتمُّون بما هم فيه، لا يَخْفى منهم أحدٌ؛ بحيث إنْ دَعاهم داعٍ سَمِعوه، وإنْ نظَرَ إليهم ناظرٌ أدْرَكَهم، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ الدَّاعي هو الَّذي يَدْعوهم إلى العَرْضِ والحِسابِ، أو أمْرٍ آخرَ، "وتَدْنو يومئذٍ الشَّمسُ"، أي: مِن الرُّؤوسِ، فيَشتدُّ المَوقفُ والهَولُ على أهلِ المحشَرِ، "فيَبلُغُ النَّاسَ مِن الكرْبِ والغمِّ ما لا يُطِيقون ولا يَحتَمِلون، فيقولُ بعضُ النَّاسِ لبعضٍ"، أي: يَسأَلُ بعضُهم بَعضًا عمَّن يَشفَعُ لهم عندَ اللهِ تعالى؛ لِيَبدَأَ الحِسابُ، قائلينَ: "ألَا تَرَون ما أنتُم فيه؟ ألَا تَرَون ما قد بلَغَكم؟ ألَا تَنظُرون إلى مَن يَشفَعُ إلى ربِّكم؟ فيقولُ بعضُ النَّاسِ لبعضٍ: أبوكُم آدَمُ عليه السَّلامُ"، أي: اذْهَبوا لآدمَ، فيأْتونَه ويقولونَ له: "يا آدمُ، أنتَ أبو البشَرِ، خلَقَكَ اللهُ بيَدِه، ونفَخَ فيكَ مِن رُوحِه" وإضافةُ النَّفخِ إلى رُوحِ اللهِ لِتَشريفِه، "وأمَرَ الملائكةَ فسَجَدوا لك؛ اشفَعْ لنا إلى ربِّك، ألَا تَرى ما نحن فيه؟ ألا تَرَى ما قد بلَغَنا؟" أي: مِن التَّعبِ والجُهدِ، والكرْبِ والبلاءِ، ويَطلُبون منه الشَّفاعةَ عندَ اللهِ، فيقولُ آدمُ: "إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضَبًا لم يَغضَبْ قَبْلَه مِثْلَه، ولنْ يَغضَبَ بعدَه مِثلَه، إنَّه نَهاني عن الشَّجرةِ، فعَصيْتُه، نَفْسي نَفْسي، اذْهَبوا إلى غيرِي"، أي: إنَّه عليه السَّلامُ يَعتذِرُ بما تقدَّمَ منه بأكْلِه مِن الشَّجرةِ الَّتي نهاهُ اللهُ عنها، ويَنصَحُهم بالذَّهابِ إلى غيرِه، فيَذهَبون لنُوحٍ عليه السَّلامُ، ويقولونَ له: "يا نوحُ، أنت أوَّلُ الرُّسُلِ إلى أهْلِ الأرضِ، وسمَّاكَ اللهُ عبْدًا شَكورًا"، أي: يَطلُبون منه الشَّفاعةَ، بمِثْلِ الَّذي طَلَبوه مِن آدَمَ عليهما السَّلامُ، "اشفَعْ لنا إلى ربِّك، ألَا تَرَى إلى ما نحنُ فيه؟ ألَا تَرَى إلى ما قد بلَغَنا؟" فيقولُ لهم مِثلَ ما قال آدمُ عليه السَّلامُ: "إنَّ ربي قد غضِبَ اليومَ غضَبًا لم يَغضَبْ قبْلَه مِثْلَه، ولنْ يَغضَبَ بعْدَه مِثْلَه، وإنَّه كانت لي دعوةٌ دعَوتُ بها على قَومي"، والمعنى: أنَّه عليه السَّلامُ دَعا بدَعوتِه المُستجابَةِ على قَومِه بالغرَقِ، ولم يَدَّخِرْها لهذا اليومِ، فيَعتذِرُ لهم، "اذْهَبوا إلى غيرِي، اذْهَبوا إلى إبراهيمَ، فيأْتونَ إبراهيمَ، فيقولونَ: يا إبراهيمُ، أنت نَبِيُّ اللهِ وخليلُه مِن أهْلِ الأرضِ"، أي: اصْطَفاك اللهُ بهذه الصِّفاتِ، فلعَلَّها تَنفَعُنا اليومَ وتَتقرَّبُ بها إلى اللهِ، "اشفَعْ لنا إلى ربِّك، ألَا تَرَى ما نحنُ فيه؟ ألَا تَرَى ما قد بلَغَنا؟ فيقولُ لهم إبراهيمُ: إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضَبًا لم يَغضَبْ قبْلَه مِثْلَه، ولنْ يَغضَبَ بعْدَه مِثْلَه، وذكَرَ كَذباتِه"، وهي قولُه: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]، والثَّانيةُ قولُه: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63]، والثَّالثةُ: "حينما قال للطَّاغيةِ النَّمروذِ عن زَوجَتِه سارَّةَ: إنَّها أُخْتُه؛ لِيَحمِيَ نفْسَه مِن جَبروتِ الطَّاغيةِ وبَطْشِهِ، وهي أُخْتُه في الإيمانِ، ثمَّ يقولُ لهم إبراهيمُ عليه السَّلامُ: "نَفْسي نَفْسي، اذْهَبوا إلى غيرِي، اذْهَبوا إلى مُوسى، فيأْتونَ مُوسى صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فيقولونَ: يا مُوسى، أنت رسولُ اللهِ، فضَّلَك اللهِ برِسالاتِه وبتَكليمِه على النَّاسِ، فاشفَعْ لنا إلى ربِّك، ألَا تَرَى ما نحنُ فيه؟ ألَا تَرَى ما قد بلَغَنا؟ فيقولُ لهم مُوسى: إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضَبًا لم يَغضَبْ قبْلَه مِثْلَه، ولنْ يَغضَبَ بعْدَه مِثْلَه، وإنِّي قَتلْتُ نفْسًا لم أُومَرْ بقَتْلِها"، أي: هذا عمَلٌ أخْشى على نَفْسي منه، وهو مُرادُ قولِه تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15]، "نَفْسي نَفْسي، اذْهَبوا إلى غيرِي، اذْهَبوا إلى عِيسى ابنِ مَريمَ، فيأتونَ عِيسى ابنَ مَريمَ، فيقولونَ: يا عِيسى، أنت رسولُ اللهِ وكلَّمْتَ النَّاسَ في المَهْدِ"، أي: كلَّمْتَ النَّاسَ وأنت وليدٌ في فِراشِك، "وكلَمةٌ منه ألْقاها إلى مَريمَ"، أي: أوصَلَها إليها وأوجَدَها فيها، وإنَّما سُمِّيَ عِيسى كلمةَ اللهِ؛ لأنَّه وُجِدَ بكلمةِ (كُنْ)، ولأنَّ خلْقَه مِن غيرِ ماءٍ ونُطفةٍ يُشبِهُ إيجادَ الإبداعاتِ المُحصَّلةِ لِمُجرَّدِ تعلُّقِ الإرادةِ والأمْرِ، "ورُوحٌ منه"، أي: مُبتدَأٌ منه؛ فإنَّه تعالى خلَقَه بلا توسُّطِ أصْلٍ، وبلا سبْقِ مادَّةٍ ولا ما يُشابِهُ ذلك، كما قال تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: 91]، والإضافَةُ في كَلمةِ اللهِ ورُوحِه تَشرِيفِيَّةٌ، "اشفَعْ لنا إلى ربِّك، ألَا تَرَى ما نحنُ فيه؟ ألَا تَرَى ما قد بلَغَنا؟ فيقولُ لهم عِيسى: إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضَبًا لم يَغضَبْ قبْلَه مِثْلَه، ولنْ يَغضَبَ بعْدَه مِثْلَه، ولم يَذكُرْ له ذنْبًا"، أي: لم يَذكُرْ ذنْبًا يَسْتحيي أنْ يَسأَلَ اللهَ الشَّفاعةَ بسَببِه، ولكنَّه قال: "نَفْسي نَفْسي، اذْهَبوا إلى غيرِي، اذْهَبوا إلى محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فيأْتوني فيقولونَ: يا محمَّدُ، أنت رسولُ اللهِ، وخاتمُ النَّبيِّينِ، وقد غفَرَ اللهُ لك ما تقدَّمَ مِن ذنْبِك وما تأخَّرَ"، أي: كلُّ هذه خصائصُ تُؤهِّلُك أنْ تَشفَعَ لنا عندَ اللهِ، "اشفَعْ لنا إلى ربِّك، ألَا تَرَى ما نحنُ فيه؟ ألَا تَرَى ما قد بلَغَنا؟" يقولُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "فأنطَلِقُ، فآتِي تحتَ العرْشِ، فأقَعُ ساجِدًا لِربِّي، ثمَّ يَفتَحُ اللهُ عليَّ ويُلْهِمُني مِن مَحامِدِه وحُسنِ الثَّناءِ عليه شيئًا لم يَفتَحْه لأحدٍ قبْلي"، وهذا مِن فضْلِ اللهِ عليه في الآخرةِ أيضًا، وأنَّ اللهَ يُلْهِمُه ويُلْقِي في نفْسِه المحامِدَ الَّتي يُحِبُّها مِن عِبادِه، فتكونُ قُربةً إليه سُبحانه، فيقولُ الحقُّ سُبحانه: "يا محمَّدُ، ارفَعْ رأْسَك"، أي: مِن السُّجودِ، "وسَلْ تُعْطَ، واشفَعْ تُشفَّعْ"، أي: اطلُبْ ما شِئْتَ؛ فإنَّه مُجابٌ لك، واطلُبِ الشَّفاعةَ لمَن شِئْتَ؛ فإنَّ شَفاعتَك مقبولةٌ فيهم، "فأَرْفَعُ رأْسي، فأقولُ: ربِّ أُمَّتِي أُمَّتِي أُمَّتِي- ثلاثَ مرَّاتٍ-" وهذه هي الدَّعوةُ المُستجابَةُ الَّتي خبَّأَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وادَّخَرَها لِأُمَّتِه في هذا اليومِ العظيمِ، "فيقالُ: يا محمَّدُ، أَدْخِلِ الجنَّةَ مِن أُمَّتِك مَن لا حِسابَ عليه مِن البابِ الأيمنِ مِن أبوابِ الجنَّةِ، وهم شُركاءُ النَّاسِ فيما سِوى ذلك مِن الأبوابِ"، وقد وعَدَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يُدخِلَ الجنَّةَ مِن أُمَّتِه سَبْعين ألفًا بغيرِ حِسابٍ ولا سابقةِ عَذابٍ، ثمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "والَّذي نَفْسي بيَدِه، إنَّ ما بيْن المِصراعينِ مِن مَصاريعِ الجنَّةِ" والمِصراعانِ: البابانِ المُغْلقانِ على مَنفذٍ واحدٍ، "كما بيْن مكَّةَ وهجَرَ- أو كما بيْن مكَّةَ وبُصْرى-" وهذا دليلٌ على السَّعةِ العظيمةِ لأبوابِ الجنَّةِ، والمعنى: أنَّ مَسافةَ ما بيْن البابينِ كمَسافةِ ما بيْن مكَّةَ وهجَرَ، أو بيْن مكَّةَ وبُصرى، وهجَرُ تقَعُ أقْصى شَرقِ جزيرةِ العرَبِ، الَّتي هي الآنُ قَطرُ والبَحرينُ، وبُصرى: بلدةٌ في بِلادِ الشَّامِ، جَنوبَي دِرعَا السُّوريَّةِ اليومَ، وقدْ ثبَتَ حديثًا: أنَّ المسافةَ بيْن مكَّةَ وكِلَا البَلدينِ مُتساويةٌ، وتُقدَّرُ: 1273 كم تقريبًا.
وفي الحَديثِ: شِدَّةُ هَولِ الموقِفِ يَومَ القِيامةِ.
وفيه: إثباتُ الغضَبِ للهِ عزَّ وجلَّ على ما يَليقُ به سُبحانَه.
وفيه: إثباتُ الشَّفاعةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ القِيامةِ.