الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ السَّابعُ والعِشرون: الآثارُ الإيمانيَّةُ لأسماءِ اللهِ: الخالِقِ – الخَلَّاقِ – البارِئِ – المُصَوِّرِ

وقد أخبَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عن نَفْسِه أنَّه هو الخالِقُ وَحْدَه، وما سواه مخلوقٌ، فقال تعالى: قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ [الرعد: 16] ، وقال سُبحانَه: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ [فاطر: 3] .
فكُلُّ ما سِوى الله مخلوقٌ مُحدَثٌ، كائِنٌ بعد أن لم يكُنْ.
والله سُبحانَه لم يَزَلْ خالقًا كيف شاء ومتى شاء، ولا يزالُ؛ لِقَولِه سُبحانَه: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: 68] .
ووجودُ هذا الخَلْقِ العظيمِ المحيطِ بنا من كُلِّ ناحيةٍ دَليلٌ على قُدرةِ الخالِقِ وعلى عَظَمتِه وكَمالِه.
ويجِبُ أن يُعلَمَ أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى ما خلق هذا الخَلْقَ العظيمَ لهوًا ولَعِبًا وعَبَثًا، وإنَّما خَلَقَه لغايةٍ عظيمةٍ، فقال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء: 18] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يخبرُ تعالى أنَّه خَلَق السَّمَواتِ والأرضَ بالحَقِّ، أي: بالعَدلِ والقِسطِ؛ ليَجزِيَ الذين أساؤُوا بما عَمِلوا، ويَجزِيَ الذين أحسَنوا بالحُسنى وأنَّه لم يخلُقْ ذلك عَبَثًا ولا لَعِبًا) [3577] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 335). .
وأبان تعالى عن هذه الغايةِ العظيمةِ بقَولِه: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات: 56-57].
وخَلْقُ اللهِ عظيمٌ مُحكَمٌ فلا يستطيعُ مخلوقٌ أن يخلُقَ مِثْلَه، فضلًا عن أن يخلُقَ أفضَلَ منه، قال سُبحانَه وتعالى: هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان: 11] .
وقد أثبت اللهُ عَجْزَهم عن خَلقِ شَيءٍ ضعيفٍ حقيرٍ كالذُّبابِ مثلًا، ولو اجتمعوا على ذلك وتعاونوا عليه؛ فقال عَزَّ وجَلَّ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:73-74] .
وقد حَرَّم اللهُ على عبادِه أن يُصَوِّروا ذواتِ الأرواحِ؛ لِما فيها من مُضاهاةٍ لخَلقِ اللهِ، أي: تشبيهِ ما يَصنَعونَه ويُصَوِّرونَه من الصُّوَرِ بما يصنَعُه ويُصَوِّرُه اللهُ، كما جاء في رواية: ((الذين يُشَبِّهون بخَلقِ اللهِ )) [3578] أخرجه مسلم (2107) من حَديثِ عائشة رَضِيَ اللهُ عنها. .
وقد وردت أحاديثُ كثيرةٌ في توعُّدِ المصَوِّرين بأشَدِّ العَذابِ، كقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ أشَدَّ النَّاسِ عذابًا عند اللهِ يومَ القيامةِ المصَوِّرون )) [3579] أخرجه البخاري (5950)، ومسلم (2109) من حَديثِ ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عنه. .
وجاء في الحديثِ القُدُسيِّ قَولُه تعالى: ((ومن أظلَمُ مِمَّن ذهب يخلُقُ خَلْقًا كخَلْقي، فلْيَخلُقوا ذَرَّةً أو ليَخلُقوا حَبَّةً أو ليَخلُقوا شعيرةً )) [3580] أخرجه البخاري (7559)، ومسلم (2111) من حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .

انظر أيضا: