الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الثَّاني: الآثارُ الإيمانيَّةُ لاسمِ اللهِ: الجَميلِ

إنَّ التعَبُّدَ لله تعالى باسمِه الجميلِ يقتَضي محَبَّتَه والتألُّهَ له، وأن يبذُلَ العَبدُ له خالِصَ المَحَبَّةِ وصَفْوَ الوِدادِ [3476] يُنظر: ((تفسير أسماء الله الحسنى)) للسعدي (ص: 180). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (من أعَزِّ أنواعِ المعرفةِ مَعرفةُ الرَّبِّ سُبحانَه بالجَمالِ، وهي معرفةُ خواصِّ الخَلْقِ، وكُلُّهم عَرَفه بصفةٍ مِن صِفاتِه، وأتمُّهم معرفةً من عَرَفه بكَمالِه وجَلالِه وجَمالِه، سُبحانَه ليس كمِثْلِه شيءٌ في سائرِ صفاتِه، ولو فَرَضْتَ الخَلقَ كُلَّهم على أجملِهم صورةً، وكُلُّهم على تلك الصُّورةِ، ونَسَبْتَ جمالَهم الظَّاهِرَ والباطِنَ إلى جمالِ الرَّبِّ سُبحانَه لكان أقَلَّ من نسبةِ سِراجٍ ضَعيفٍ إلى قُرصِ الشَّمسِ، ويكفي في جمالِه: "أنَّه لو كَشَف الحِجابَ عن وَجْهِه لأحرَقَت سُبُحاتُه ما انتهى إليه بصَرُه مِن خَلْقِه!"، ويكفي في جمالِه أنَّ كلَّ جمالٍ ظاهِرٍ وباطِنٍ في الدُّنيا والآخرةِ فمِن آثارِ صَنْعَتِه، فما الظَّنُّ بمن صدر عنه هذا الجمالُ؟!) [3477] يُنظر: ((الفوائد)) (ص: 181). .
والله سُبحانَه وتعالى هو المجمِّلُ من شاء من خَلْقِه، وهو واهِبُ الجَمالِ والحُسنِ.
قال اللهُ تعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [النمل: 60] .
قال ابنُ كثير: (ذَاتَ بَهْجَةٍ أي: مَنظَرٍ حَسَنٍ وشَكلٍ بَهِيٍّ) [3478] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/ 202). .
وقال اللهُ سُبحانَه: يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار: 6، 7]
قال السَّعديُّ: (أليس هو الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ في أحسَنِ تقويمٍ؟ فَعَدَلَكَ وركَّبك تركيبًا قويمًا معتَدِلًا في أحسَنِ الأشكالِ، وأجملِ الهيئاتِ، فهل يليقُ بك أن تَكفُرَ نِعمةَ المنعِمِ، أو تجحَدَ إحسانَ المحسِنِ؟) [3479] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 914). .
قال ابنُ القَيِّمِ:
وهو الجَميلُ على الحقيقةِ كيف لا ... وجمالُ سائِرِ هذه الأكوانِ
من بَعضِ آثارِ الجَميلِ فرَبُّها ... أَولى وأجدَرُ عند ذي العِرفانِ [3480] يُنظر: ((الكافية الشافية)) (ص: 706).
وقد أمر اللهُ تعالى بالتحَلِّي بكُلِّ خُلُقٍ جميلٍ، وأوصى نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمَّتَه بذلك في آياتٍ عديدةٍ، فقال تعالى: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا [المعارج: 5]، وقال سُبحانَه: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا [المزمل: 10] ، وقال عَزَّ وجَلَّ: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر: 85] ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب: 49] .
وفي قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((إنَّ اللهَ جميلٌ يُحِبُّ الجمالَ )) [3481] أخرجه مسلم (91) مُطَوَّلًا من حَديثِ عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عنه ، حَثَّ على التجَمُّلِ والتزَيُّنِ، من غيرِ إسرافٍ ولا مَخِيلةٍ.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (إنَّ الجنَّةَ دارُ المتواضِعينَ الخاشِعينَ لا دارُ المتكَبِّرين الجبَّارين، سواءٌ كانوا أغنياءَ أو فُقَراءَ؛ فإنَّه قد ثبت في الصَّحيحِ أنَّه ((لا يدخُلُ الجنَّةَ مَن في قَلْبِه مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ، ولا يدخُلُ النَّارَ من في قَلْبِه مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن إيمانٍ. فقيل: يا رَسولَ اللهِ، الرَّجُلُ يحِبُّ أن يكونَ ثَوبُه حَسَنًا ونَعلُه حَسَنةً، أفمِن الكِبرِ ذاك؟ فقال: لا، إنَّ اللهَ جميلٌ يحِبُّ الجَمالَ، ولكِنَّ الكِبرَ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمطُ النَّاسِ )) [3482] أخرجه مسلم (91) باختلِافٍ يسيرٍ من حَديثِ عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عنه فأخبر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ يحِبُّ التجَمُّلَ في اللِّباسِ الذي لا يحصُلُ إلَّا بالغِنى، وأنَّ ذلك ليس من الكِبرِ. وفي الحديثِ الصَّحيحِ: ((ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهم اللهُ ولا ينظُرُ إليهم يومَ القيامةِ ولا يُزَكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ: فقيرٌ مختالٌ، وشَيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ )) [3483] أخرجه مسلم (107) باختلِافٍ يسيرٍ من حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه بلفظ: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم - قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم - ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر)). ... فعُلِم بهذين الحديثينِ: أنَّ مِن الفُقَراءِ من يكونُ مُختالًا، لا يدخُلُ الجنَّةَ، وأنَّ من الأغنياءِ من يكونُ متجَمِّلًا غيرَ مُتكَبِّرٍ، يحُبُّ اللهُ جمالَه) [3484] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/ 129). .

انظر أيضا: