موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: آثارُ اليأسِ والقُنوطِ والإحباطِ


1- اليأسُ والقُنوطُ مِن رَحمةِ اللهِ مِن صِفاتِ الكافِرِ والضَّالِّ:
قال اللهُ تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56] .
وقال: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87] .
قال السَّعديُّ: (يُخبرُ تعالى عن طَبيعةِ الإنسانِ أنَّه جاهلٌ ظالمٌ؛ بأنَّ اللهَ إذا أذاقَه منه رَحمةً كالصِّحَّةِ والرِّزقِ والأولادِ ونَحوِ ذلك، ثُمَّ نَزَعَها منه، فإنَّه يستَسلِمُ لليأسِ، وينقادُ للقُنوطِ) .
قال ابنُ عَطيَّةَ: (اليأسُ مِن رَحمةِ اللهِ وتَفريجِه مِن صِفةِ الكافِرينَ) .
2- اليأسُ والقُنوطُ ليس مِن صِفاتِ المُؤمِنينَ:
 قال البَغَويُّ: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: 36] ييأسونَ مِن رَحمةِ اللهِ، وهذا خِلافُ وَصفِ المُؤمِنِ؛ فإنَّه يشكُرُ اللهَ عِندَ النِّعمةِ، ويرجو رَبَّه عِندَ الشِّدَّةِ) .
قال القاسِميُّ: (الجَزَعُ واليأسُ مِنَ الفرَجِ عِندَ مَسِّ شَرٍّ قُضِيعليه، وكُلُّ ذلك مِمَّا يُنافي عَقدَ الإيمانِ) .
3- اليأسُ والقُنوطُ مِن رَحمةِ اللهِ فيه تَكذيبٌ للهِ ولرَسولِه:
قال ابنُ عَطيَّةَ: (اليأسُ مِن رَحمةِ اللهِ وتَفريجِه مِن صِفةِ الكافِرينَ؛ إذ فيه إمَّا التَّكذيبُ بالرُّبوبيَّةِ، وإمَّا الجَهلُ بصِفاتِ اللهِ تعالى).
قال القُرطُبيُّ: (اليأسُ مِن رَحمةِ اللهِ... فيه تَكذيبُ القُرآنِ؛ إذ يقولُ وقَولُه الحَقُّ: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156] ، وهو يقولُ: لا يغفِرُ له! فقد حَجَرَ واسِعًا. هذا إذا كان مُعتَقِدًا لذلك؛ ولذلك قال اللهُ تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[يوسف: 87] ، وبَعده القُنوطُ، قال اللهُ تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56] ) .
4- اليأسُ فيه سوءُ أدَبٍ مَعَ اللهِ سُبحانَه وتعالى:
فـ(الخَوفُ الموقِعُ في الإياسِ: إساءةُ أدَبٍ على رَحمةِ اللهِ تعالى التي سَبَقَت غَضَبَه، وجَهلٌ بها) .
5- اليأسُ سَبَبٌ في الوُقوعِ في الهَلاكِ والضَّلالِ:
قال القاسِميُّ: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا [الإسراء: 83] إشارةٌ إلى السَّبَبِ في وُقوعِ هَؤُلاءِ الضَّالِّينَ في أوديةِ الضَّلالِ، وهو حُبُّ الدُّنيا وإيثارُها على الأُخرى، وكُفرانُ نِعَمِه تعالى بالإعراضِ عن شُكرِها، والجَزَعِ واليأسِ مِنَ الفرَجِ عِندَ مَسِّ شَرٍّ قُضيَعليهـ) .
قال عَبِيدةُ السَّلْمانيُّ: وَلَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ قال: القُنوطُ) .
6- الفُتورُ والكسَلُ عن فِعلِ الطَّاعاتِ والغَفلةِ عن ذِكرِ اللهِ:
قال ابن حجرالهيتمي: (القانِطُ آيِسٌ من نَفعِ الأعمالِ، ومَن لازَمَ ذلك تَرَكها) .
قال فخرُ الدِّينِ الرَّازيُّ: (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا أي: إذا مَسَّه فقرٌ أو مَرضٌ أو نازِلةٌ مِنَ النَّوازِلِ كان يئوسًا شَديدَ اليأسِ مِن رَحمةِ اللهِ... إن فازَ بالنِّعمةِ والدَّولةِ اغتَرَّ بها فنَسيَ ذِكرَ الله، وإن بَقيَ في الحِرمانِ عنِ الدُّنيا استَولى عليه الأسَفُ والحُزنُ ولم يتَفرَّغْ لذِكرِ اللهِ تعالى، فهذا المِسكينُ مَحرومٌ أبَدًا عن ذِكرِ اللهِ) .
7- الاستِمرارُ في الذُّنوبِ والمَعاصي:
 قال أبو قِلابةَ: (الرَّجُلُ يُصيبُ الذَّنبَ فيقولُ: قد هَلَكتُ، ليس لي تَوبةٌ! فييأسُ مِن رَحمةِ اللهِ، وينهَمِكُ في المَعاصي؛ فنَهاهمُ الله تعالى عن ذلك، قال الله تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87] ) .
8- اليأسُ مِن رَحمةِ اللهِ سَبَبٌ في الحِرمانِ منها:
قال المُبارَكفوريُّ: (إنِ اعتَقدَ أو ظَنَّ الإنسانُ أنَّ اللهَ لا يقبَلُها -يعني: أعمالَه- وأنَّها لا تَنفعُه، فهذا هو اليأسُ مِن رَحمةِ اللهِ، وهو مِنَ الكبائِرِ، ومَن ماتَ على ذلك وكِلَ إلى ما ظَنَّ، كما في بَعضِ طَرقِ حَديثِ: «أنا عِندَ ظَنِّ عَبدي بي، فيَظُنُّ بي عَبدي ما شاءَ» .
9- اليأسُ مِن رَحمةِ اللهِ سَبَبٌ لفسادِ القَلبِ:
قال ابنُ القَيِّمِ وهو يُعَدِّدُ الكبائِرَ: (الكبائِرُ:... القُنوطُ مِن رَحمةِ اللهِ، واليأسُ مِن رَوحِ اللهِ... وتَوابعُ هذه الأُمورِ التي هي أشَدُّ تَحريمًا مِنَ الزِّنا وشُربِ الخَمرِ وغَيرِهما مِنَ الكبائِرِ الظَّاهرةِ، ولا صَلاحَ للقَلبِ ولا للجَسَدِ إلَّا باجتِنابِها، والتَّوبةِ منها، وإلَّا فهو قَلبٌ فاسِدٌ، وإذا فسَدَ القَلبُ فسَدَ البَدَنُ) .
10- اليأسُ يُؤَدِّي إلى ذَهابِ سَكينةِ القَلبِ والشُّعورِ الدَّائِمِ بالحِرمانِ والحُزنِ والهَمِّ:
 فـ (اليأسُ مِن رَوحِ اللهِ والقُنوطُ من رَحمتِه يُؤَدِّي إلى تَركِ العَمَلِ؛ إذ لا فائِدةَ منه بزَعمِه، وهذه طامَّةٌ مِنَ الطَّوامِّ، وكبيرةٌ مِن كبائِرِ الذُّنوبِ، تُخرِجُ القَلبَ عن سَكينتِه وأُنسِه، إلى انزِعاجِه وقَلقِه وهَمِّهـ) .
قال الشَّوكانيُّ: (إذا مَسَّه -أي: الإنسانَ- الشَّرُّ مَن مَرضٍ أو فقرٍ، كان يؤوسًا شَديدَ اليأسِ مِن رَحمةِ اللهِ، وإن فازَ بالمَطلوب الدُّنيويِّ، وظَفِرَ بالمَقصودِ نَسيَ المَعبودَ، وإن فاتَه شَيءٌ مِن ذلك استَولى عليه الأسَفُ، وغَلبَ عليه القُنوطُ، وكِلتا الخَصلتَينِ قَبيحةٌ مَذمومةٌ) .
11- اليأسُ يُؤَدِّي إلى الشُّعورِ بالعَجزِ والكسَلِ والفُتورِ والجُبنِ والصَّغارِ والذُّلِّ.
12- اليأسُ يتَسَبَّبُ في نَكدِ العَيشِ، وعَدَمِ الرَّغبةِ في الحَياةِ.

انظر أيضا:

  1. (1) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/378).
  2. (2) ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (3/274).
  3. (3) ((معالم التنزيل)) (3/579).
  4. (4) ((محاسن التأويل)) (6/499).
  5. (5) يُنظَر: ((الجامع لأحكام القرآن)) (5/160).
  6. (6) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 371).
  7. (7) ((محاسن التأويل)) (6/499).
  8. (8) رواه الطبري في ((التفسير)) (3176).
  9. (9) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (1/122).
  10. (10) ((مفاتيح الغيب)) (21 /391).
  11. (11) ((معالم التنزيل)) للبغوي (1/217).
  12. (12) لفظه: سمعتُ رسولَ اللهِصلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ عن اللهِعزَّ وجَلَّ: ((أنا عِندَ ظنِّ عبدي بي، فلْيظُنَّ بي ما شاء)). رواه أحمد (16979)، والدارمي (2731)، وابن حبان (633) من حديثِ واثلةَ بنِ الأسقعِرَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الموارد)) (2088)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1214)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (633). والحديث أخرجه البخاري (7405)، ومسلم (2675) من حديثِ أبي هُرَيرةَرَضِيَ اللهُ عنه. ولفظُ البخاريِّ قال النبيُّصلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يقولُ اللهُ تعالى: أنا عِندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرني...)).
  13. (13) ((تحفة الأحوذي)) (7/54).
  14. (14) ((مدارج السالكين)) لابن قيم الجوزية (1/133).
  15. (15) يُنظَر: ((أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة)) لعبد اللهالجربوع (2/480).
  16. (16) ((غرائب القرآن ورغائب الفرقان)) للنيسابوري (4/380)، ((فتح القدير)) للشوكاني (3/301).