موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامِنًا: الوَسائِلُ المُعينةُ على التَّخَلُّصِ مِن القَسوةِ والغِلظةِ والفَظاظةِ


1- الدُّعاءُ:
قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186] .
2- قراءةُ القرآنِ وتدَبُّرُ آياتِه:
قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21] .
هذه دعوةٌ من اللهِ سُبحانَه وتعالى لعبادِه بتدَبُّرِ القرآنِ (وإن كانوا في القَسوةِ وصَلابةِ القُلوبِ كالجِبالِ الرَّواسي، فإنَّ هذا القُرآنَ لو أُنزِلَ على جَبَلٍ لرَأيتَه خاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشيةِ اللهِ؛ لكَمالِ تأثيرِه في القُلوبِ، فإنَّ مَواعِظَ القُرآنِ أعظَمُ المَواعِظِ على الإطلاقِ، وأوامِرَه ونَواهيَه مُحتَويةٌ على الحِكَمِ والمَصالِحِ المَقرونةِ بها، وهي مِن أسهَلِ شَيءٍ على النُّفوسِ، وأيسَرِها على الأبدانِ، خاليةٌ مِن التَّكَلُّفِ لا تناقُضَ فيها ولا اختِلافَ، ولا صُعوبةَ فيها ولا اعتِسافَ، تَصلُحُ لكُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ، ولا أنفَعَ للعَبدِ مِن التَّفَكُّرِ في القُرآنِ والتَّدَبُّرِ لمَعانيه؛ فإنَّ التَّفَكُّرَ فيها يفتَحُ للعَبدِ خَزائِنَ العِلمِ، ويُبَيِّنُ له طُرُقَ الخَيرِ والشَّرِّ، ويحُثُّه على مَكارِمِ الأخلاقِ، ومَحاسِنِ الشِّيَمِ، ويزجُرُه عن مَساوِئِ الأخلاقِ) [5497] يُنظَر: ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/853). .
عن عَمرِو بنِ مَيمونٍ أنَّ أباه مَيمونَ بنَ مِهرانَ قال للحَسنِ البَصريِّ: (يا أبا سَعيدٍ، قد أنِستُ مِن قَلبي غِلظةً فاستَلِنْ لي منه! فقَرَأ الحَسَنُ: بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء: 205 - 207] ، قال: فسَقَطَ الشَّيخُ فرَأيتُه يفحَصُ برِجلِه [5498] فحص برِجلِه: ركَض برِجلِه. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (7/17). تفَحُّصَ الشَّاةِ المَذبوحةِ، فأقامَ طَويلًا ثُمَّ أفاقَ، فجاءَت الجاريةُ فقالت: قد أتعَبتُم الشَّيخَ! قوموا، تفَرَّقوا، فأخَذتُ بيَدِ أبي فخَرَجتُ به، ثُمَّ قُلتُ: يا أبَاه، هذا الحَسَنُ! قد كُنتُ أحسَبُ أنَّه أكبَرُ مِن هذا! قال: فوكزَني في صَدري وكزةً، ثُمَّ قال: يا بُنَيَّ، لقد قَرَأ علينا آيةً لو فهِمْتَها بقَلبِك لأبقى لها فيك كُلومٌ!) [5499] رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (4/83). .
3- الإكثارُ مِن ذِكرِ اللهِ:
قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28] .
قال رَجُلٌ للحَسنِ: (يا أبا سَعيدٍ، أشكو إليك قَسوةَ قَلبي، قال: أدْنِه [5500] دنا: دنا الشَّيءُ من الشَّيءِ دُنُوًّا ودناوةً: قَرُب. يُنظَر ((لسان العرب)) لابن منظور (14/271). مِن الذِّكرِ) [5501] رواه أحمد في ((الزهد)) (1510) باختلاف يسير، وابن أبي الدنيا في ((الرقة والبكاء)) (48)، والخرائطي في ((اعتلال القلوب)) (53) واللفظ لهما. .
4- الإكثارُ من الاستغفارِ والتَّوبةِ:
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53] .
عن أبي هُرَيرةَ: عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما يحكي عن رَبِّه عَزَّ وجَلَّ قال: ((أذنَب عَبدٌ ذَنبًا فقال: اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ذَنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنَبَ عَبدي ذَنبًا فعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يغفِرُ الذَّنبَ ويأخُذُ بالذَّنبِ، ثُمَّ عادَ فأذنَبَ، فقال: أيْ رَبِّ اغفِرْ لي ذَنبي، فقال تبارك وتعالى: عَبدي أذنَبَ ذَنبًا فعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يغفِرُ الذَّنبَ ويأخُذُ بالذَّنبِ، ثُمَّ عادَ فأذنَبَ، فقال: أيْ رَبِّ اغفِرْ لي ذَنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنَبَ عَبدي ذَنبًا فعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يغفِرُ الذَّنبَ، ويأخُذُ بالذَّنبِ، اعمَلْ ما شِئتَ فقد غَفَرتُ لك!)) [5502] رواه مسلم (2758). .
قال ابنُ رَجَبِ الحَنبليُّ: (والمعنى: ما دامَ على هذه الحالِ كُلَّما أذنَبَ استَغفَر. والظَّاهِرُ أنَّ مُرادَه الاستِغفارُ المَقرونُ بعَدَمِ الإصرارِ) [5503] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب الحنبلي (3/1165). .
قال العَظيمُ آبادي: (إنَّ القَلبَ إنَّما خُلقَ لأن يتَخَشَّعَ لبارِئِه، وينشَرِحَ لذلك الصَّدرُ، ويُقذَفَ النُّورُ فيه، فإذا لم يكُنْ كذلك كان قاسيًا، فيجِبُ أن يُستَعاذَ منه؛ قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22] ) [5504] ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (4/285). .
6- مُصاحَبةُ الصَّالِحينَ ومُجالستُهم، وقِراءةُ سَيرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
7– الإحسانُ إلى الضُّعفاءِ:
قال تعالى: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: 77] .
قال مالِكُ بنُ دينارٍ: (المُؤمِنُ كَريمٌ في كُلِّ حالةٍ، لا يُحِبُّ أن يُؤذيَ جارَه، ولا يفتَقِرَ أحَدٌ مِن أقرِبائِه، وهو واللهِ مع ذلك غَنيُّ القَلبِ، لا يملِكُ مِن الدُّنيا شَيئًا.. إن أتاه منها شَيءٌ فرَّقَه، وإنْ زُويَ عنه كُلُّ شَيءٍ فيها لم يَطلُبْه، قال: ثُمَّ يبكي ويقولُ: هذا واللهِ الكَرَمُ، هذا واللهِ الكَرَمُ!) [5505] رواه ابن أبي الدنيا في ((مكارم الأخلاق)) (63). .
8- زيارةُ المرضى:
عن أبي موسى الأشعَريِّ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أطعِموا الجائِعَ، وعودوا المَريضَ، وفُكُّوا العانيَ [5506] فكُّوا العانيَ: أي: الأسيرَ. يُنظَر: ((فتح الباري لابن حجر)) (1/160). ) [5507] رواه البخاري (5373). .
عن ثَوبانَ مَولى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن عادَ مَريضًا لم يزَلْ في خُرفةِ الجَنَّةِ [5508] الخُرفةُ: هي الثَّمَرةُ إذا نَضِجَت؛ شَبَّه ما يحوزه عائدُ المريضِ من الثَّوابِ بما يحوزه الذي يجتني الثَّمَرَ، وقيل: المرادُ بها هنا الطَّريقُ، والمعنى: أنَّ العائدَ يمشي في طريقٍ تؤدِّيه إلى الجنَّةِ. يُنظَر: ((فتح الباري)) (10/113). والمرادُ: أنَّه يجني من ثمارِ الجنَّةِ مدَّةَ دوامِه جالسًا عند هذا المريضِ. يُنظَر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/470). ، قيل: يا رَسولَ اللهِ، وما خُرفةُ الجَنَّةِ؟ قال: جَناها)) [5509] رواه مسلم (2568). .
قال ابنُ عُثَيمينَ: (في ذلك تذكيرٌ للعائِدِ بنِعمةِ اللهِ عليه بالصِّحَّةِ؛ لأنَّه إذا رَأى هذا المَريضَ، ورَأى ما هو فيه مِن المَرَضِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى نفسِه، ورَأى ما فيها مِن الصِّحَّةِ والعافيةِ، عَرَفَ قدرَ نِعمةِ اللهِ عليه بهذه العافيةِ؛ لأنَّ الشَّيءَ إنَّما يُعرَفُ بضِدِّه) [5510] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (1/48). .
9- الاعتِبارُ بقِصَصِ أهلِ القَسوةِ والغِلظةِ والفَظاظةِ.
10- العِلمُ بالآثارِ السَّيِّئةِ المُتَرَتِّبةِ على الغِلظةِ والقَسوةِ والفَظاظةِ.

انظر أيضا: