موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: أقسامُ البَغْضاءِ والكَراهيَةِ


تنقَسِمُ البَغْضاءُ إلى قِسمَينِ:
القِسمُ الأوَّلُ: منهيٌّ عنه، محرَّمٌ مذمومٌ، ومن صُوَرِه
كَراهيَةُ المُشرِكين لِما أنزل اللَّهُ سُبحانَه:
قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 8 - 9] .
(فَتَعْسًا لَهُمْ هلاكًا لهم وخيبةً من اللَّهِ ذَلِكَ أي: التَّعْسُ وإضلالُ الأعمالِ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أي: بسَبَبِ كراهيتِهم ما أنزَل اللَّهُ من القرآنِ المُشتَمِلِ على التَّكاليفِ، فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أبطَلَها) [1233] ((التفسير المنير)) للزحيلي (26/84). .
كَراهيَةُ رِضوانِ اللَّهِ سُبحانَه:
قال تعالى عن المُنافِقين: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 28] .
قال السَّعديُّ: (وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فلم يكُنْ لهم رغبةٌ فيما يُقَرِّبُهم إليه، ولا يُدنيهم منه، فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أي: أبطَلها وأذهَبها، وهذا بخلافِ مَن اتَّبع ما يُرضي اللَّهَ وكَرِه سَخَطَه، فإنَّه سيُكَفِّرُ عنه سَيِّئاتِه، ويُضاعِفُ أجرَه وثوابَه) [1234] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 789). .
كَراهيَةُ المُشرِكين لإظهارِ دينِ الإسلامِ وإتمامِ نورِه وإحقاقِ الحَقِّ وإبطالِ الباطِلِ:
قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33] .
وقال سُبحانَه: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف: 9] .
والمعنى: هو الذي أرسَل رسولَه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالقُرآنِ والمِلَّةِ الحنيفيَّةِ التي اختارها لرسولِه ولأمَّتِه، ليَجعَلَ دينَه ظاهِرًا عاليًا وغالبًا على جميعِ الأديانِ المخالِفةِ له، ولو كَرِهَ المُشرِكون ذلك الإظهارَ؛ فإظهارُ دينِ الحَقِّ يكونُ بإعلاءِ كَلِمةِ اللَّهِ، وإشاعةِ التَّوحيدِ المنبئِ عن بُطلانِ الآلهةِ الباطِلةِ، وأشَدُّ الكارِهين لذلك المُشرِكون [1235] يُنظَر: ((روح البيان)) لإسماعيل حقي (9/505). .
وقال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة: 32] .
قال السَّعديُّ: (ونورُ اللَّهِ: دينُه الذي أرسَل به الرُّسُلَ، وأنزل به الكُتُبَ، وسمَّاه اللَّهُ نورًا؛ لأنَّه يُستنارُ به في ظُلُماتِ الجَهلِ والأديانِ الباطِلةِ، فإنَّه عِلمٌ بالحَقِّ، وعَمَلٌ بالحَقِّ، وما عداه فإنَّه بضِدِّه، فهؤلاء اليهودُ والنَّصارى ومَن ضاهَوه من المُشرِكين، يريدون أن يُطفِئوا نورَ اللَّهِ بمجَرَّدِ أقوالِهم التي ليس عليها دليلٌ أصلًا. وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهَ؛ لأنَّه النُّورُ الباهِرُ الذي لا يمكِنُ لجميعِ الخَلقِ لو اجتَمَعوا على إطفائِه أن يُطفِئوه، والذي أنزله جميعُ نواصي العبادِ بيَدِه، وقد تكَفَّل بحِفظِه مِن كُلِّ مَن يريدُه بسُوءٍ؛ ولهذا قال: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ وسَعَوا ما أمكَنَهم في رَدِّه وإبطالِه، فإنَّ سَعْيَهم لا يَضُرُّ الحَقَّ شيئًا) [1236] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 335). .
وقال تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال: 8] .
قال الطَّبَريُّ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: ويريدُ اللَّهُ أن يَقطَعَ دابِرَ الكافرين كيما يُحِقَّ الحَقَّ، كيما يُعبَدَ اللَّهُ وَحدَه دونَ الآلهةِ والأصنامِ، ويُعِزَّ الإسلامَ، وذلك هو تحقيقُ الحَقِّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ يقولُ: ويُبطِلَ عبادةَ الآلهةِ والأوثانِ والكُفرِ وَلَوْ كَرِهَ ذلك الذين أجرَموا، فاكتَسَبوا المآثمَ والأوزارَ مِن الكُفَّارِ) [1237] ((جامع البيان)) (11/50). .
بُغضُ مُنافِقي أهلِ الكتابِ للمُؤمِنين وكراهيتُهم لهم:
قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران: 118-119]
 (ينهى تعالى عبادَه المُؤمِنين أن يتَّخِذوا بِطانةً من المُنافِقين من أهلِ الكتابِ وغيرِهم، يُظهِرونهم على سرائِرِهم، أو يُولُّونهم بعضَ الأعمالِ الإسلاميَّةِ، وذلك أنَّهم هم الأعداءُ الذين امتلأت قلوبُهم من العداوةِ والبَغْضاءِ، فظهَرَت على أفواهِهم) [1238] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 144). .
و(في قَولِه تعالى: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ إشارةٌ إلى ما في قُلوبِ هؤلاء القومِ مِن كَراهيَةٍ للمُسلِمين، يتمَنَّون لهم ما يُعنِتُهم ويُثقِلُ كاهِلَهم من همومٍ وآلامٍ.
وفي قَولِه تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ بيانٌ شارِحٌ لتلك الأسبابِ التي تجعَلُ المُسلِمين على حَذَرٍ من هؤلاء القومِ، وأمارةٌ دالَّةٌ على حقيقةِ تلك الأسبابِ، فعلى ألسنةِ القومِ ومِن أفواهِهم تتساقَطُ الكَلِماتُ المسمومةُ، التي يصَوِّبونها في خُبثٍ ودهاءٍ إلى الإسلامِ والمُسلِمين، وليس هذا الذي يتساقَطُ من أفواهِهم إلَّا شيئًا قليلًا ممَّا تنطوي عليه قلوبُهم من حسَدٍ وغَيظٍ، وما تفيضُ به مشاعِرُهم من عداوةٍ وبَغضاءَ) [1239] ((التفسير القرآني للقرآن)) لعبد الكريم الخطيب (2/565). .
كَراهيَةُ المُنافِقين الجهادَ بأموالِهم وأنفُسِهم والإنفاقَ في أوجُهِ الخَيرِ:
قال تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة: 81] .
قال الطَّبريُّ: (قولُه: وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يقولُ تعالى ذِكْرُه: وكَرِه هؤلاء المخَلَّفون أن يغزوا الكُفَّارَ بأموالِهم وأنفُسِهم في سبيلِ اللَّهِ، يعني: في دينِ اللَّهِ الذي شرَعَه لعبادِه لينصُروه، ميلًا إلى الدَّعةِ والخَفضِ، وإيثارًا للرَّاحةِ على التَّعَبِ والمشقَّةِ، وشُحًّا بالمالِ أن يُنفِقوه في طاعةِ اللَّهِ. وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استنفَرَهم إلى هذه الغزوةِ، وهي غزوةُ تَبوكَ في حَرٍّ شديدٍ، فقال المُنافِقون بعضُهم لبعضٍ: لا تَنفِروا في الحَرِّ، فقال اللَّهُ لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ لهم -يا محمَّدُ-: نارُ جهنَّمَ التي أعدَّها اللَّهُ لمن خالف أمرَه وعصى رسولَه، أشَدُّ حَرًّا من هذا الحَرِّ الذي تتواصَون بينكم ألَّا تَنفِروا فيه! يقولُ: الذي هو أشَدُّ حَرًّا أحرى أن يُحذَرَ ويُتَّقى من الذي هو أقلُّهما أذًى. لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ يقولُ: لو كان هؤلاء المُنافِقون يفقهون عن اللَّهِ وَعْظَه ويتدَبَّرون آيَ كتابِه، ولكِنَّهم لا يَفقَهون عن اللَّهِ، فهم يَحذَرون من الحَرِّ أقَلَّه مكروهًا وأخَفَّه أذًى، ويوافِقون أشَدَّه مكروهًا وأعظَمَه على مَن يَصْلاه بلاءً) [1240] ((جامع البيان)) (11/603). .
وقال تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54] .
(وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ المعنى: أنَّهم لا يُنفِقون لغَرَضِ الطَّاعةِ، بل رعايةً للمصلحةِ الظَّاهِرةِ، وذلك أنَّهم كانوا يَعُدُّون الإنفاقَ مَغرَمًا وضَيعةً بَيْنَهم، وهذا يوجِبُ أن تكونَ النَّفسُ طيِّبةً عِندَ أداءِ الزَّكاةِ والإنفاقِ في سبيلِ اللَّهِ؛ لأنَّ اللَّه تعالى ذمَّ المُنافِقين بكراهتِهم الإنفاقَ) [1241] ((مفاتيح الغيب)) للرازي (16/ 70). .
بُغضُ وكَراهيَةُ أهلِ البِدَعِ لأهلِ الحَديثِ والأثَرِ:
قال أحمَدُ بنُ سِنانٍ القطَّافُ: (ليس في الدُّنيا مُبتَدِعٌ إلَّا وهو يُبغِضُ أهلَ الحَديثِ) [1242] ((شرف أصحاب الحديث)) للخطيب البغدادي (ص: 73). .
وقال أبو نَصرِ بنُ سلامٍ الفَقيهُ: (ليس شيءٌ أثقَلَ على أهلِ الإلحادِ ولا أبغَضَ إليهم من سَماعِ الحديثِ وروايتِه بإسنادِه) [1243] ((شرف أصحاب الحديث)) للخطيب البغدادي (ص: 73). .
وقال محمَّدُ بنُ إسماعيلَ التِّرمذيُّ: (كنتُ أنا وأحمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرمذيُّ عِندَ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ، فقال له أحمَدُ: يا أبا عبدِ اللَّهِ، ذَكَروا لابنِ أبي قُتَيلةَ بمكَّةَ أصحابَ الحديثِ، فقال: أصحابُ الحديثِ قَومُ سَوءٍ! فقام أبو عبدِ اللَّهِ ينفُضُ ثَوبَه، ويقولُ: زِنديقٌ زِنديقٌ! ودخَل البيتَ) [1244] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/299). .
بُغضُ وكَراهيَةُ الشِّيعةِ الرَّوافِضِ للصَّحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم:
قال ابنُ تَيميَّةَ في ذِكرِ براءةِ أهلِ السُّنَّةِ من معتَقَدِ الرَّوافِضِ-: (ويتبَرَّؤون من طريقةِ الرَّوافِضِ الذين يُبغِضون الصَّحابةَ ويَسُبُّونهم) [1245] ((العقيدة الواسطية)) (ص: 26). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (ونحن نتبَرَّأُ من طريقةِ هؤلاء الرَّوافضِ الذين يَسُبُّون الصَّحابةَ ويُبغِضونَهم، ونعتَقِدُ أنَّ محبَّتَهم فَرضٌ، وأنَّ الكَفَّ عن مساوِئِهم فَرضٌ، وقُلوبُنا -وللهِ الحمدُ- مملوءةٌ مِن محبَّتِهم؛ لِما كانوا عليه من الإيمانِ والتَّقوى ونَشرِ العِلمِ، ونُصرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [1246] ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/284). .
بُغضُ النَّواصِبِ وكراهيَتُهم لأهلِ البَيتِ:
(النَّواصِبُ إحدى طوائِفِ أهلِ البِدَعِ التي أصيبَتْ في معتَقَدِها بعَدَمِ التَّوفيقِ للاعتقادِ السَّديدِ في الصَّحابةِ الكرامِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم؛ فقد زَيَّن لهم الشَّيطانُ اعتقادَ عَدَمِ محبَّةِ رابعِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدين وأحَدِ الأئمَّةِ المَهْديِّين عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وحملَهَم على التَّدَيُّنِ ببُغضِه وعداوتِه، والقَولِ فيه بما هو بريءٌ منه، كما تعدَّى بغضُهم إلى غيرِه من أهلِ البيتِ، كابنِه الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وغيرِه) [1247] ((عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة)) لناصر بن علي (3/ 1193). .
ويقولُ ابنُ بازٍ في بيانِ مُعتَقَدِ أهلِ السُّنَّةِ ومخالفتِه لأهلِ البِدَعِ: (ويحِبُّون أهلَ بَيتِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُؤمِنين به، ويتوَلَّونهم ويتوَلَّون أزواجَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّهاتِ المُؤمِنين، ويترضَّون عنهنَّ جميعًا، ويتبَرَّؤون من طريقةِ الرَّوافِضِ الذين يُبغِضون أصحابَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَسُبُّونهم ويَغْلون في أهلِ البيتِ، ويرفَعونَهم فوقَ منزلتِهم التي أنزَلَهم اللَّهُ عزَّ وجَلَّ، كما يتبَرَّؤون من طريقةِ النَّواصِبِ الذين يؤذون أهلَ البيتِ بقولٍ أو عَمَلٍ) [1248] ((مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله)) (1/23). .
القِسمُ الثَّاني: بُغضٌ مأمورٌ به، مُثابٌ صاحِبُه، ومِن صُوَرِه
1- بُغضُ وكَراهيَةُ الباطِلِ:
فإنَّ حُبَّ الحَقِّ وبُغضَ وكَراهيَةَ الباطِلِ فَضيلةٌ خُلقيَّةٌ؛ فعن عائشةَ: ((أنَّها أخبَرَتْه أنَّها اشتَرَت نُمْرُقةً [1249] نُمْرُقة: وسادةٌ صغيرةٌ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/90). فيها تصاويرُ، فلمَّا رآها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام على البابِ فلم يدخُلْ، فعَرَفَت في وجهِه الكَراهيَةَ، فقالت: يا رسولَ اللَّهِ، أتوبُ إلى اللَّهِ، ماذا أذنَبْتُ؟ فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما بالُ هذه النُّمرُقةِ؟ قالت: اشتريتُها لتقعُدَ عليها وتوَسَّدَها. فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ أصحابَ هذه الصُّوَرِ يومَ القيامةِ يُعَذَّبون، يُقالُ لهم: أحيُوا ما خلَقْتُم. وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ البيتَ الذي فيه الصُّوَرُ لا تدخُلُه الملائِكةُ)) [1250] أخرجه البخاري (5961) واللفظ له، ومسلم (2107). .
2- بُغضُ وكَراهيَةُ الكُفَّارِ والفُسَّاقِ:
قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4] ، قال ابنُ عاشورٍ: (والبَغْضاءُ: نُفرةُ النَّفسِ والكَراهيَةُ، وقد تُطلَقُ إحداهما في موضعِ الأُخرى إذا افترَقَتا، فذِكْرُهما معًا هنا مقصودٌ به حصولُ الحالتينِ في أنفُسِهم: حالةِ المعاملةِ بالعدوانِ، وحالةِ النُّفرةِ والكَراهيَةِ، أي: نُسيءُ مُعاملتَكم، ونُضمِرُ لكم الكَراهيَةَ حتَّى تؤمِنوا باللَّهِ وحدَه دونَ إشراكٍ) [1251] ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (28/145). .
3- البُغْضُ في اللَّهِ:
فهو من أوثَقِ عُرى الإيمانِ، فمن ظَهَر لرَجُلٍ من أخيه شَرٌّ، فأبغضه عليه، أثيبَ المُبغِضُ له [1252] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 265). .

انظر أيضا: