موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- قِصصٌ ونماذِجُ مِن النَّصيحةِ عندَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ


 أنبياءُ اللهِ ورُسلُه أنصَحُ النَّاسِ لأقوامِهم، وأخوَفُهم عليهم، وأحرَصُهم على نَفعِهم، بل ما كانت رِسالاتُهم إلَّا بالنَّصيحةِ وللنَّصيحةِ، فقاموا بالنَّصيحةِ على أكمَلِ وَجهٍ، فلم يُقصِّروا يومًا في النُّصحِ للنَّاسِ محبَّةً وشَفقةً عليهم، بل تحمَّلوا في سبيلِ ذلك المتاعِبَ والمشاقَّ التي لم توقِفْهم يومًا عن سَعيِهم الحثيثِ، وهَدفِهم النَّبيلِ.
نوحٌ عليه السَّلامُ:
- قال تعالى حِكايةً عن نوحٍ عليه السَّلامُ: قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 61-62] .
(أي: وظيفتي تبليغُكم؛ ببَيانِ توحيدِه وأوامرِه ونواهيه، على وَجهِ النَّصيحةِ لكم والشَّفقةِ عليكم) [9191] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 292). .
هودٌ عليه السَّلامُ:
-قال سبحانَه حِكايةً عن هودٍ عليه السَّلامُ: قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف: 67-68] .
(أي: ناصِحٌ لكم فيما أدعوكم إليه، أمينٌ على ما أقولُ لكم لا أكذِبُ فيه) [9192] ((روح المعاني)) للألوسي (4/394). .
صالِحٌ عليه السَّلامُ:
- قال عزَّ وجلَّ حِكايةً عن صالِحٍ عليه السَّلامُ: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 79] .
قال الطَّبريُّ: (فتولَّى عنهم صالِحٌ، وقال لقَومِه ثَمودَ: لقد أبلَغْتُكم رِسالةَ ربِّي، وأدَّيتُ إليكم ما أمَرني بأدائِه إليكم ربِّي مِن أمرِه ونَهيِه، ونصَحْتُ لكم في أدائي رِسالةَ اللهِ إليكم في تحذيرِكم بأسَه بإقامتِكم على كُفرِكم به وعِبادتِكم الأوثانَ، وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ لكم في اللهِ، النَّاهينَ لكم عن اتِّباعِ أهوائِكم، الصَّادِّينَ لكم عن شَهواتِ أنفُسِكم) [9193] ((جامع البيان)) (10/304). .
شُعَيبٌ عليه السَّلامُ:
- قال جلَّ ثَناؤُه حِكايةً عن شُعَيبٍ عليه السَّلامُ: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ [الأعراف: 93] .
 (فهذه النُّصوصُ القرآنيَّةُ تُفيدُ أنَّ النَّصيحةَ مِن أبلَغِ ما يُوجِّهُها الأنبياءُ عليهم السَّلامُ إلى قَومِهم، وأنَّها تُؤدِّي ثِمارَها في حالةِ السَّلبِ والإيجابِ بالنِّسبةِ للنَّاصِحِ، فإن قبِلها القومُ عاد نَفعُها عليه وعليهم في الدُّنيا والآخِرةِ، وإن رفَضوها فالنَّتيجةُ الحتميَّةُ هي العذابُ لهم، والأجرُ للنَّاصِح، إذًا فكُلُّ ناصِحٍ فهو مأجورٌ على نصيحتِه مهما كانت النَّتائِجُ، وذلك إذا خلَصَت نيَّتُه، وعمِل بتوجيهاتِ الرَّبِّ سبحانَه وتعالى) [9194] ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) لعبد العزيز المسعود (1/155). .
قِصصٌ ونماذِجُ مِن النَّصيحةِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُناصِحُ صحابتَه في جميعِ الأمورِ، فكان يُناصِحُهم في الأمورِ التَّعبُّديَّةِ، والقضايا الدَّعويَّةِ، والشُّؤونِ الأُسريَّةِ وغَيرِها.
- فعن مُعاذٍ رضِي اللهُ عنه قال: بعَثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ((إنَّك تأتي قومًا مِن أهلِ الكتابِ، فادعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلِمْهم أنَّ اللهَ افترَض عليهم خمسَ صَلواتٍ في كُلِّ يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلِمْهم أنَّ اللهَ افترَض عليهم صَدقةً تُؤخَذُ مِن أغنيائِهم، فتُرَدُّ في فُقرائِهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإيَّاك وكرائِمَ أموالِهم، واتَّقِ دَعوةَ المظلومِ؛ فإنَّه ليس بَينَها وبَينَ اللهِ حِجابٌ)) [9195] رواه مسلم (19). ورواه البخاري (1395) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
- وأيضًا نصَح رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُعاذًا وأبا موسى الأشعريَّ رضِي اللهُ عنهما حينَما بعَثهما إلى اليَمنِ، فقال: ((يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرا ولا تُنفِّرا، وتطاوَعا ولا تختلِفا)) [9196] رواه البخاري (3038)، ومسلم (1733). .
- تعليمُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرَّجلِ الصَّلاةَ، كما في الحديثِ المشهورِ بحديثِ المُسيءِ صلاتَه؛ فعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه قال: ((إنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَل المسجِدَ، فدخَل رجُلٌ فصلَّى، فسلَّم على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرَدَّ وقال: ارجِعْ فصلِّ؛ فإنَّك لم تُصلِّ، فرجَع يُصلِّي كما صلَّى، ثُمَّ جاء فسلَّم على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ارجِعْ فصلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ، ثلاثًا، فقال: والذي بعَثك بالحقِّ ما أُحسِنُ غَيرَه، فعلِّمْني، فقال: إذا قمْتَ إلى الصَّلاةِ فكبِّرْ، ثُمَّ اقرأْ ما تيسَّر معَك مِن القرآنِ، ثُمَّ اركَعْ حتَّى تطمئِنَّ راكِعًا، ثُمَّ ارفَعْ حتَّى تعتدِلَ قائِمًا، ثُمَّ اسجُدْ حتَّى تطمئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ ارفَعْ حتَّى تطمئِنَّ جالِسًا، وافعَلْ ذلك في صلاتِك كُلِّها)) [9197] رواه البخاري (757) واللفظ له، ومسلم (397). .
- وعن فاطِمةَ بنتِ قيسٍ رضِي اللهُ عنها: ((أنَّ أبا عَمرِو بنَ حَفصٍ طلَّقها البتَّةَ وهو غائِبٌ، فأرسَل إليها وَكيلَه بشعيرٍ فسخِطَتْه، فقال: واللهِ ما لكِ علينا مِن شيءٍ، فجاءت رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكرَت ذلك له، فقال لها: ليس لك عليه نَفقةٌ، فأمَرها أن تعتدَّ في بَيتِ أمِّ شَريكٍ، ثُمَّ قال: تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، اعتَدِّي عندَ ابنِ أمِّ مكتومٍ؛ فإنَّه رجُلٌ أعمى تضعين ثيابَك، فإذا حللْتِ فآذِنيني، قالت: فلمَّا حللْتُ ذكرْتُ له أنَّ مُعاوِيةَ بنَ أبي سُفيانَ وأبا جَهمٍ خطَباني، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَّا أبو جَهمٍ فلا يضَعُ عَصاه عن عاتِقِه، وأمَّا مُعاوِيةُ فصُعلوكٌ لا مالَ له؛ انكِحي أسامةَ بنَ زيدٍ، فكرِهْتُه، ثُمَّ قال: انكِحي أسامةَ، فنكَحْتُه، فجعَل اللهُ فيه خيرًا كثيرًا، واغتبَطْتُ به)) [9198] رواه مسلم (1480). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه قال: ((كنْتُ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأتاه رجُلٌ فأخبَره أنَّه تزوَّج امرأةً مِن الأنصارِ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنظَرْتَ إليها؟ قال: لا، قال: فاذهَبْ فانظُرْ إليها؛ فإنَّ في أعيُنِ الأنصارِ شيئًا)) [9199] رواه مسلم (1424). .
- وعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي اللهُ عنهما قال: ((إنَّ عبدَ اللهِ هلَك وترَك تِسعَ بناتٍ -أو قال: سَبعَ- فتزوَّجْتُ امرأةً ثيِّبًا، فقال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا جابِرُ، تزوَّجْتَ؟ قال: قلْتُ: نعَم، قال: فبِكرٌ أم ثيِّبٌ؟ قال: قلْتُ: بل ثيِّبٌ يا رسولَ اللهِ، قال: فهلَّا جاريةً تُلاعِبُها وتُلاعِبُك؟ -أو قال: تُضاحِكُها وتُضاحِكُك- قال: قلْتُ له: إنَّ عبدَ اللهِ هلَك وترَك تِسعَ بناتٍ -أو سَبعَ- وإنِّي كرهْتُ أن آتيَهنَّ أو أجيئَهنَّ بمِثلِهنَّ، فأحببْتُ أن أجيءَ بامرأةٍ تقومُ عليهنَّ وتُصلِحهنَّ، قال: فبارَك اللهُ لك، أو قال لي خيرًا)) [9200] أخرجه البخاري (5367)، ومسلم (715) واللفظ له. .
- وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي اللهُ عنهما قال: ((أعتَق رجُلٌ مِن بَني عُذرةَ عَبدًا له عن دُبُرٍ، فبلَغ ذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ألك مالٌ غَيرُه؟ فقال: لا، فقال: مَن يشتريه منِّي؟ فاشتراه نُعَيمُ بنُ عبدِ اللهِ العَدَويُّ بثمانِمائةِ دِرهَمٍ، فجاء بها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدفَعها إليه، ثُمَّ قال: ابدأْ بنَفسِك فتصدَّقْ عليها، فإن فضَل شيءٌ فلأهلِك، فإن فضَل عن أهلِك شيءٌ فلذي قرابتِك، فإن فضَل عن ذي قرابتِك شيءٌ فهكذا وهكذا، يقولُ: فبَينَ يدَيك، وعن يمينِك، وعن شِمالِك)) [9201] أخرجه البخاري (2141) مختصرًا، ومسلم (997) واللفظ له. .
- عن أبي ذَرٍّ رضِي اللهُ عنه قال: ((قلْتُ يا رسولَ اللهِ ألا تستعمِلُني؟ قال: فضرَب بيَدِه على مَنكِبي، ثُمَّ قال: يا أبا ذَرٍّ، إنَّك ضعيفٌ، وإنَّها أمانةٌ، وإنَّها يومَ القِيامةِ خِزيٌ ونَدامةٌ، إلَّا مَن أخَذها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها)) [9202] أخرجه البخاري (1825). .

انظر أيضا: