موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- قِصصٌ ونماذِجُ مِن النَّصيحةِ عندَ الصَّحابةِ


- عن أبي جُحَيفةَ رضِي اللهُ عنه قال: ((آخى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَ سَلمانَ وأبي الدَّرداءِ، فزار سَلمانُ أبا الدَّرداءِ، فرأى أمَّ الدَّرداءِ مُتبذِّلةً، فقال لها: ما شأنُكِ؟ قالت: أخوك أبو الدَّرداءِ ليس له حاجةٌ في الدُّنيا، فجاء أبو الدَّرداءِ، فصنَع له طعامًا، فقال: كُلْ، قال: فإنِّي صائِمٌ، قال: ما أنا بآكِلٍ حتَّى تأكُلَ، قال: فأكَل، فلمَّا كان اللَّيلُ ذهَب أبو الدَّرداءِ يقومُ، قال: نَمْ، فنام، ثُمَّ ذهَب يقومُ، فقال: نَمْ، فلمَّا كان مِن آخِرِ اللَّيلِ قال سَلمانُ: قُمِ الآنَ، فصلَّيَا، فقال له سَلمانُ: إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنَفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا؛ فأعطِ كُلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فأتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكَر ذلك له، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صدَق سَلمانُ)) [9203] أخرجه البخاري (1968). .
- وفي حديثِ مَقتَلِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ جُملةٌ مِن النَّصائِحِ قالها عُمرُ رضِي اللهُ عنه، وفيه أنَّ عُمرَ (أُتِي بلَبنٍ فشرِبه، فخرَج مِن جُرحِه، فعلِموا أنَّه ميِّتٌ، فدخَلْنا عليه، وجاء النَّاسُ، فجعَلوا يُثنونَ عليه، وجاء رجُلٌ شابٌّ، فقال: أبشِرْ يا أميرَ المُؤمِنينَ ببُشرى اللهِ لك، مِن صُحبةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقَدَمٍ في الإسلامِ ما قد علِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فعدَلْتَ، ثُمَّ شهادةٌ، قال: ودِدْتُ أنَّ ذلك كَفافٌ؛ لا عليَّ ولا لي! فلمَّا أدبَر إذا إزارُه يمَسُّ الأرضَ، قال: رُدُّوا عليَّ الغُلامَ، قال: يا بنَ أخي، ارفَعْ ثوبَك؛ فإنَّه أبقى [9204] (فإنه أبقى) بالموَحدة، وللحَمَويِّ والمُستَملي: أنقى –بالنون- لثوبِك. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (6/ 112). لثوبِك، وأتقى لربِّك...، وقال: أُوصي الخليفةَ مِن بَعدي بالمُهاجِرينَ الأوَّلينَ، أن يعرِفَ لهم حقَّهم، ويحفَظَ لهم حُرمتَهم، وأوصيه بالأنصارِ خيرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الحشر: 9] أن يُقبَلَ مِن مُحسِنِهم، وأن يُعفى عن مُسيئِهم، وأوصيه بأهلِ الأمصارِ خيرًا؛ فإنَّهم رِدْءُ الإسلامِ، وجُباةُ المالِ، وغَيظُ العدُوِّ، وألَّا يُؤخَذَ منهم إلَّا فَضلُهم عن رِضاهم، وأوصيه بالأعرابِ خيرًا؛ فإنَّهم أصلُ العربِ، ومادَّةُ الإسلامِ، أن يُؤخَذَ مِن حواشي أموالِهم، ويُرَدَّ على فُقَرائِهم، وأوصيه بذمَّةِ اللهِ، وذمَّةِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُوفَى لهم بعَهدِهم، وأن يُقاتَلَ مِن وَرائِهم، ولا يُكلَّفوا إلَّا طاقتَهم) [9205] أخرجه البخاري (3700). .
- وعن عَلقَمةَ قال: (كنَّا جُلوسًا معَ ابنِ مسعودٍ، فجاء خبَّابٌ فقال: يا أبا عبدِ الرَّحمنِ، أيستطيعُ هؤلاء الشَّبابُ أن يقرؤوا كما تقرأُ؟ قال: أمَا إنَّك لو شئْتَ أمَرْتَ بعضَهم يقرأُ عليك، قال: أجَلْ، قال: اقرَأْ يا عَلقَمةُ، فقال زيدُ بنُ حُدَيرٍ أخو زيادِ بنِ حُدَيرٍ: أتأمُرُ عَلقَمةَ أن يقرَأَ، وليس بأقرَئِنا؟! قال: أمَا إنَّك إن شئْتَ أخبرْتُك بما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَومِك وقَومِه، فقرأْتُ خمسينَ آيةً مِن سورةِ مَريَمَ، فقال عبدُ اللهِ: كيف ترى؟ قال قد أحسَن، قال عبدُ اللهِ: ما أقرَأُ شيئًا إلَّا وهو يقرَؤُه، ثُمَّ التفَت إلى خبَّابٍ وعليه خاتَمٌ مِن ذَهبٍ، فقال: ألم يَأنِ لهذا الخاتَمِ أن يُلقى؟ قال: أمَا إنَّك لن تراه عليَّ بَعدَ اليومِ، فألقاه) [9206] رواه البخاري (4391). .
- وعن حَرمَلةَ مولى أسامةَ بنِ زيدٍ: (أنَّه بَينَما هو معَ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ إذ دخَل الحجَّاجُ بنُ أيمَنَ، فلم يُتِمَّ رُكوعَه ولا سُجودَه، فقال: أعِدْ، فلمَّا ولَّى قال لي ابنُ عُمرَ: مَن هذا؟ قلْتُ: الحجَّاجُ بنُ أيمَنَ بنِ أمِّ أيمَنَ...) [9207] رواه البخاري (3737). .
- وعن نافِعٍ: (أنَّ رجُلًا عطَس إلى جَنبِ ابنِ عُمرَ، فقال: الحَمدُ للهِ، والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، قال ابنُ عُمرَ: وأنا أقولُ: الحَمدُ للهِ، والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وليس هكذا علَّمَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، علَّمَنا أن نقولَ: الحَمدُ للهِ على كُلِّ حالٍ) [9208] أخرجه الترمذي (2738) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5698)، والحاكم (7691). حسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2738)، وقال الحاكم: (صحيحُ الإسنادِ غريبٌ)، ووثَّق رواتَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((زاد المعاد)) (2/398). .
- وعن ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما: (كنْتُ أُقرِئُ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ، فلمَّا كان آخِرَ حَجَّةٍ حجَّها عُمرُ، فقال عبدُ الرَّحمنِ بمنًى: لو شهِدْتَ أميرَ المُؤمِنينَ، أتاه رجُلٌ قال: إنَّ فلانًا يقولُ: لو مات أميرُ المُؤمِنينَ لبايَعْنا فلانًا، فقال عُمرُ: لأقومَنَّ العشيَّةَ، فأُحذِّرُ هؤلاء الرَّهطَ الذين يُريدونَ أن يغصِبوهم، قلْتُ: لا تفعَلْ؛ فإنَّ الموسِمَ يجمَعُ رَعاعَ النَّاسِ، يغلِبونَ على مجلِسِك، فأخافُ ألَّا يُنَزِّلوها على وَجهِها فيُطيرُ بها كُلُّ مُطِيرٍ، فأمهِلْ حتَّى تقدَمَ المدينةَ دارَ الهِجرةِ ودارَ السُّنَّةِ، فتَخلُصَ بأصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن المُهاجِرينَ والأنصارِ، فيحفظوا مقالتَك، ويُنَزِّلوها على وَجهِها، فقال: واللهِ لأقومَنَّ به في أوَّلِ مَقامٍ أقومُه بالمدينةِ، قال ابنُ عبَّاسٍ: فقدِمْنا المدينةَ، فقال: إنَّ اللهَ بعَث مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحقِّ، وأنزَل عليه الكتابَ، فكان فيما أُنزِل آيةُ الرَّجمِ) [9209] أخرجه البخاري (7323) واللفظ له، ومسلم (1691). .

انظر أيضا: