موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: 23 - 24] .
قال ابنُ عطيَّةَ: (استعمالُ السُّؤالِ بالخَطْبِ إنَّما هو في مُصابٍ أو مُضطهَدٍ، أو من يُشفِقُ عليه، أو يأتي بمنكَرٍ من الأمرِ، فكأنَّه بالجُملةِ في شَرٍّ، فأخبَرَتاه بخَبَرِهما) .
(فثار موسى، وتحرَّكت فيه عوامِلُ الشَّهامةِ والرُّجولةِ، وسقى لهما، وأدلى بدَلْوِه بَينَ دلاءِ الرِّجالِ حتى شَرِبَت ماشِيَتُهما) .
- وقال سُبحانَه: وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء: 104] .
قال السَّعديُّ: (ذَكَر سُبحانَه ما يُقَوِّي قلوبَ المؤمنين، فذكَر شيئينِ: الأوَّلُ: أنَّ ما يصيبُكم من الألمِ والتَّعَبِ والجراحِ ونحوِ ذلك، فإنَّه يُصيبُ أعداءَكم؛ فليس من المروءةِ الإنسانيَّةِ والشَّهامةِ الإسلاميَّةِ أن تكونوا أضعَفَ منهم، وأنتم وإيَّاهم قد تساوَيتُم فيما يوجِبُ ذلك؛ لأنَّ العادةَ الجاريةَ لا يضعُفُ إلَّا مَن توالت عليه الآلامُ، وانتصر عليه الأعداءُ على الدَّوامِ، لا من يُدالُ مَرَّةً، ويُدالُ عليه أُخرى) .
-وقال تعالى في الثَّناءِ على فِتيانِ الكَهْفِ: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13] .
(«الفِتيةُ» جمعُ فَتًى، وهو الشَّابُّ الحَدَثُ القَوِيُّ، من الفَتاءِ، وهو الشَّبابُ وَزنًا ومعنًى، أو من الفُتُوَّةِ، وفيها معنى الشَّهامةِ والنَّجدةِ) .
-وقال تعالى في ذِكرِ شَهامةِ ناصِحِ موسى عليه السَّلامُ، الذي سعى في تخليصِه وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص: 20] .
قال الرَّازيُّ: (فعلى وَجهِ الإشفاقِ أسرَعَ إليه ليُخَوِّفَه بأنَّ الملأَ يأتَمِرون بك ليَقتُلوك) .
وقال الطَّاهِرُ بنُ عاشورٍ: (كان هذا الرَّجُلُ من بني إسرائيلَ. وقيل: كان من القِبطِ، ولكِنَّه كان مؤمِنًا يكتمُ إيمانَه، لعَلَّ اللهَ ألهمَه معرفةَ فسادِ الشِّركِ بسلامةِ فِطرتِه، وهيَّأه لإنقاذِ موسى من يدِ فِرعَونَ) .
-وقال تعالى في ذِكرِ شَهامةِ صاحِبِ ياسينَ، التي أدَّت لقَتلِه نصحًا لقومِه وخوفًا عليهم: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس: 20 - 27]
قال ابنُ عبَّاسٍ: (نصَحَ قَومَه حَيًّا ومَيِّتًا) .
وقال القُرطبيُّ: (في هذه الآيةِ تنبيهٌ عظيمٌ، ودَلالةٌ على وجوبِ كَظمِ الغيظِ، والحِلمِ عن أهلِ الجَهلِ، والتَّرؤُّفِ على من أدخل نفسَه في غِمارِ الأشرارِ وأهلِ البغيِ، والتَّشمُّرِ في تخليصِه، والتَّلطُّفِ في افتدائِه، والاشتِغالِ بذلك عن الشَّماتةِ به والدُّعاءِ عليه؛ ألا ترى كيف تمنَّى الخيَر لقَتَلَتِه والباغين له الغوائِلَ، وهم كَفَرةٌ عَبَدةُ أصنامٍ؟!) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((المحرر الوجيز)) (4/283).
  2. (2) ((التفسير الواضح)) لحجازي محمد محمود (2/825).
  3. (3) ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 199).
  4. (4) ((التفسير الوسيط)) لمجموعة من المؤلفين (5/837).
  5. (5) ((مفاتيح الغيب)) (24/587).
  6. (6) ((التحرير والتنوير)) (2/111).
  7. (7) ((النكت والعيون)) للماوردي (5/14).
  8. (8) ((الجامع لأحكام القرآن)) (15/20).