موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: أداءُ الأمانةِ التي كُلِّفَ بها


يَجِبُ على الرَّئيسِ أن يَكونَ أمينًا فيما هو مَسؤولٌ عنه، مُجتَنِبًا للخيانةِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- من الكتابِ
1-قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء: 58] .
2-قال تعالى في صفات المؤمنين المفلحين: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون: 8] .
3-قال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء: 34] .
4-قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: 27] .
5-قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [الأنفال: 58] .
ب-مِنَ السُّنَّةِ
1- عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((ألَّا كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رَعيَّتِه؛ فالأميرُ الذي على النَّاسِ راعٍ وهو مَسؤولٌ عن رَعيَّتِه، والرَّجُلُ راعٍ على أهلِ بَيتِه وهو مَسؤولٌ عنهم، والمَرأةُ راعيةٌ على بَيتِ بَعلِها ووَلَدِه وهيَ مَسؤولةٌ عنهم، والعَبدُ راعٍ على مالِ سَيِّدِه وهو مَسؤولٌ عنه، ألَّا فكُلُّكُم راعٍ، وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رَعيَّتِهـ)) [1] أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829) واللَّفظُ له. .
قال عياضٌ: (الرَّاعي: هو الحافِظُ المُؤتَمَنُ... فيه أنَّ كُلَّ مَن تَولَّى مِن أمرِ أحَدٍ شَيئًا فهو مُطالَبٌ بالعَدلِ فيه، وأداءِ الحَقِّ الواجِبِ، والقيامِ بمَصلَحةِ ما تَولَّاه، كالرَّجُلِ في أهلِ بَيتِه، والمَرأةِ فيما تَتَولَّاه مِن بَيتِها ومالِ زَوجِها وولَدِه، والعَبدِ فيما يَتَولَّاه ويَتَصَرَّفُ فيه مِن مالِ سَيِّدِهـ) [2] ((إكمال المعلم)) (6/ 229، 230). .
2-عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ألَا تَستَعمِلُني؟ قال: فضَرَبَ بيَدِه على مَنكِبي، ثُمَّ قال: يا أبا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعيفٌ، وإنَّها أمانةٌ، وإنَّها يَومَ القيامةِ خِزيٌ ونَدامةٌ، إلَّا مَن أخَذَها بحَقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها)) [3] أخرجه مسلم (1825). .
3-عن أبي سَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لكُلِّ غادِرٍ لواءٌ يَومَ القيامةِ، يُرفَعُ لَه بقَدرِ غَدرِه، ألَا ولا غادِرَ أعظَمُ غَدرًا مِن أميرِ عامَّةٍ)) [4] أخرجه مسلم (1738). .
قال النَّوويُّ: (قال أهلُ اللُّغةِ: اللِّواءُ الرَّايةُ العَظيمةُ لا يُمسِكُها إلَّا صاحِبُ جَيشِ الحَربِ، أو صاحِبُ دَعوةِ الجَيشِ، ويَكونُ النَّاسُ تَبَعًا لَه، قالوا: فمَعنى "لكُلِّ غادِرٍ لواءٌ" أي: عَلامةٌ يُشهَرُ بها في النَّاسِ؛ لأنَّ مَوضوعَ اللِّواءِ الشُّهرةُ مَكانَ الرَّئيسِ عَلامةً لَه، وكانتِ العَرَبُ تَنصِبُ الألويةَ في الأسواقِ الحَفلةِ لغَدرةِ الغادِرِ لتشهيرِه بذلك، وأمَّا الغادِرُ فهو الذي يواعِدُ على أمرٍ ولا يَفي به.
وفي هذه الأحاديثِ بَيانُ غِلَظِ تَحريمِ الغَدرِ، لا سيَّما مِن صاحِبِ الوِلايةِ العامَّةِ؛ لأنَّ غَدرَه يَتَعَدَّى ضَرَرُه إلى خَلقٍ كَثيرينَ، وقيلَ: لأنَّه غَيرُ مُضطَرٍّ إلى الغَدرِ لقُدرَتِه على الوفاءِ، كَما جاءَ في الحَديثِ الصَّحيحِ في تَعظيمِ كَذِب المَلِكِ [5] لَفظُه: عن أبي هرَيرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثَلاثةٌ لا يُكَلِّمُهمُ اللهُ يَومَ القيامةِ ولا يُزَكِّيهم، قال أبو مُعاويةَ: ولا يَنظُرُ إليهم، ولَهم عَذابٌ أليمٌ: شَيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائِلٌ مُستَكبِرٌ)) أخرجه مسلم (107). . والمَشهورُ أنَّ هذا الحَديثَ وارِدٌ في ذَمِّ الإمامِ الغادِرِ، وذَكَر القاضي عياضٌ احتِمالَينِ، أحَدُهما هذا، وهو نَهيُ الإمامِ أن يَغدِرَ في عُهودِه لرَعيَّتِه ولِلكُفَّارِ وغَيرِهم، أو غَدْره للأمانةِ التي قُلِّدَها لرَعيَّتِه والتَزَمَ القيامَ بها والمُحافظةَ عليها، ومَتى خانَهم أو تَرَكَ الشَّفَقةَ عليهم أوِ الرِّفقَ بهم فقد غَدَرَ بعَهدِه، والِاحتِمالُ الثَّاني: أن يَكونَ المُرادُ نَهيَ الرَّعيَّةِ عنِ الغَدرِ بالإمامِ، فلا يَشُقُّوا عليه العَصا، ولا يَتَعَرَّضوا لما يُخافُ حُصولُ فِتنةٍ بسَبَبِه، والصَّحيحُ الأوَّلُ، واللهُ أعلَمُ) [6] ((شرح مسلم)) (12/ 43، 44). ويُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 41). .

انظر أيضا: