موسوعة الآداب الشرعية

فوائِدُ ومَسائِلُ:


1-حُكمُ صَلاةِ الِاستِسقاءِ وصِفتُها
صَلاةُ الِاستِسقاءِ سُنَّةٌ، وهيَ رَكعَتانِ، يُكَبِّرُ في الأولى سَبعًا، وفي الثَّانيةِ خَمسًا، ويَجهَرُ بالقِراءةِ فيها.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَرَجَ إلى المُصَلَّى، فاستَسقى فاستَقبَلَ القِبلةَ، وقَلَبَ رِداءَه [520] يُحَوِّلُ الرِّداءَ في صَلاةِ الِاستِسقاءِ أثناءَ الخُطبةِ، حينَ يَستَقبِلُ القِبلةَ للدُّعاءِ، ويَكونُ بجَعلِ اليَمينِ مَكانَ اليَسارِ والعَكسِ، وهو مُستَحَبٌّ للإمامِ والمَأمومِ؛ تَفاؤُلًا بأن يُحَوِّلَ اللَّهُ القَحطَ إلى الخِصبِ، والشِّدَّةَ إلى الرَّخاءِ. يُنظر بَيانُ ذلك مَعَ أدِلَّتِه في: ((المَوسوعة الفِقهيَّة بمَوقِعِ الدُّرَر السَّنيَّة)) https://dorar.net/feqhia ، وصَلَّى رَكعَتَينِ)) [521] أخرجه البخاري (1012). .
وفي رِوايةٍ: ((رَأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ خَرَجَ يَستَسقي، قال: فحَوَّل إلى النَّاسِ ظَهرَه واستَقبَلَ القِبلةَ يَدعو، ثُمَّ حَوَّل رِداءَه، ثُمَّ صَلَّى لنا رَكعَتَينِ جَهَر فيهما بالقِراءةِ)) [522] أخرجها البخاري (1025). .
2-خُطبةُ الِاستِسقاءِ وما يُسَنُّ قَولُه فيها
تُشرَعُ الخُطبةُ [523] وقدِ اختَلَف العُلَماءُ في صِفةِ خُطبةِ الِاستِسقاءِ، على قَولَينِ: القَولُ الأوَّلُ: أنَّ خُطبةَ الِاستِسقاءِ خُطبَتانِ، وهذا مَذهَبُ المالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ، وقَولُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ مِنَ الحَنَفيَّةِ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ. القَولُ الثَّاني: أنَّ خُطبةَ الِاستِسقاءِ خُطبةٌ واحِدةٌ، وهذا مَذهَبُ الحَنابِلةِ، وقَولُ أبي يوسُفَ مِنَ الحَنَفيَّةِ، وبِه قال عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ مَهديٍّ، واختارَه ابنُ عُثَيمين. وكَذا اختَلَف الفُقَهاءُ في خُطبةِ الِاستِسقاءِ: هَل هيَ قَبلَ الصَّلاةِ أو بَعدَها؟ على أقوالٍ، أشهَرُها قَولانِ: القَولُ الأوَّلُ: أنَّ وقتَ خُطبةِ الِاستِسقاءِ بَعدَ الصَّلاةِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، وقَولُ أبي يوسُفَ ومُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ مِنَ الحَنَفيَّةِ، وهو قَولُ جَماعةِ الفُقَهاءِ. القَولُ الثَّاني: أنَّ الإمامَ مُخَيَّرٌ بَينَ الخُطبةِ قَبلَ الصَّلاةِ، أوِ الخُطبةِ بَعدَها، وهيَ رِوايةٌ عن أحمَدَ، واختارَه الشَّوكانيُّ، وابنُ بازٍ، وابنُ عُثَيمين. يُنظر بَيانُ ذلك مَعَ أدِلَّتِه في: ((المَوسوعة الفِقهيَّة بمَوقِعِ الدُّرَر السَّنيَّة)) https://dorar.net/feqhia مَعَ صَلاةِ الِاستِسقاءِ، ويُسَنُّ أن يَدعوَ فيها الخَطيبُ بالمَأثورِ، ويُكثِرَ مِنَ الدُّعاءِ والذِّكرِ والِاستِغفارِ، ويَرفَعَ يَدَيه ويُبالِغَ في الرَّفعِ.
ومِمَّا يُسَنُّ قَولُه:
الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، الرَّحمَنِ الرَّحيمِ، مَلِكِ يَومِ الدِّينِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَفعَلُ ما يُريدُ، اللهُمَّ أنتَ اللهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الغَنيُّ ونَحنُ الفُقَراءُ، أنزِلْ علينا الغَيثَ، واجعَلْ ما أنزَلتَ لنا قوَّةً وبَلاغًا إلى حينٍ.
اللهُمَّ أغِثْنا، اللهُمَّ أغِثْنا، اللهُمَّ أغِثْنا.
اللهُمَّ اسقِنا، اللهُمَّ اسقِنا، اللهُمَّ اسقِنا.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((شكا النَّاسُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُحُوطَ المطَرِ، فأمَرَ بمِنبَرٍ فوُضِعَ له في المصَلَّى، ووَعَد النَّاسَ يَومًا يخرُجون فيه، قالت عائِشةُ: فخرج رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حينَ بدا حاجِبُ الشَّمْسِ، فقعد على المِنبَرِ، فكَبَّرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ، ثُمَّ قال: إنَّكُم شَكَوتُم جَدبَ ديارِكُم، واستِئخارَ المَطَرِ عن إبَّانِ زَمانِه عنكُم، وقد أمَرَكُمُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أن تَدعوه، ووعَدَكُم أن يَستَجيبَ لكُم، ثُمَّ قال: الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، الرَّحمَنِ الرَّحيمِ، مَلِكِ يَومِ الدِّينِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَفعَلُ ما يُريدُ، اللهُمَّ أنتَ اللهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الغَنيُّ ونَحنُ الفُقَراءُ، أنزِلْ علينا الغَيثَ، واجعَلْ ما أنزَلتَ لنا قوَّةً وبَلاغًا إلى حينٍ، ثُمَّ رَفعَ يَدَيه، فلَم يَزَلْ في الرَّفعِ حتَّى بَدا بَياضُ إبْطَيه، ثُمَّ حَوَّل إلى النَّاسِ ظَهرَه، وقَلَبَ -أو حَوَّل- رِداءَه، وهو رافِعٌ يَدَيه، ثُمَّ أقبَلَ على النَّاسِ ونَزَلَ، فصَلَّى رَكعَتَينِ، فأنشَأ اللهُ سَحابةً فرَعَدَت وبَرَقَت، ثُمَّ أمطَرَت بإذنِ اللهِ، فلَم يَأتِ مَسجِدَه حتَّى سالَتِ السُّيولُ، فلَمَّا رَأى سُرعَتَهم إلى الكَنِّ ضَحِكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حتَّى بَدَت نَواجِذُه، فقال: أشهَدُ أنَّ اللَّهَ على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، وأنِّي عَبدُ اللَّهِ ورَسولُهـ)) [524] أخرجه أبو داود (1173) واللَّفظُ له، وابن حبان (991)، والحاكِم (1242). صَحَّحه ابنُ حبان، والحاكم على شرط الشيخين، والنووي في ((المجموع)) (5/63)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/151). .
2- عن شَريك بن أبي نَمِر، عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ رَجُلًا دَخَل المَسجِدَ يَومَ جُمُعةٍ مِن بابٍ كان نَحوَ دارِ القَضاءِ، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائِمٌ يَخطُبُ، فاستَقبَلَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائِمًا، ثُمَّ قال: يا رَسولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأموالُ، وانقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادعُ اللَّهَ يُغِثْنا، قال: فرَفعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَيه، ثُمَّ قال: اللهُمَّ أغِثْنا، اللهُمَّ أغِثْنا، اللهُمَّ أغِثْنا، قال أنَسٌ: ولا واللَّهِ ما نَرى في السَّماءِ مِن سَحابٍ ولا قَزَعةً [525] القَزعةُ: القِطعةُ مِنَ السَّحابِ، وجَماعَتُها قَزَعٌ، كَقَصَبةٍ وقَصَبٍ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (6/ 192). ، وما بَينَنا وبَينَ سَلْعٍ [526] سَلعٍ: جَبَلٌ بالمَدينةِ. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1391). مِن بَيتٍ ولا دارٍ [527] قال النَّوويُّ: (مُرادُه بهذا الإخبارُ عن مُعجِزةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعَظيمِ كَرامَتِه على رَبِّه سُبحانَه وتعالى بإنزالِ المَطَرِ سَبعةَ أيَّامٍ مُتَواليةٍ مُتَّصِلًا بسُؤالِه مِن غَيرِ تَقديمِ سَحابٍ ولا قَزَعٍ، ولا سَبَبٍ آخَرَ لا ظاهرٍ ولا باطِنٍ، وهذا مَعنى قَولِه: «وما بَينَنا وبَينَ سَلعٍ مِن بَيتٍ ولا دارٍ» أي: نَحنُ مُشاهِدونَ له وللسَّماءِ، ولَيسَ هناكَ سَبَبٌ للمَطَرِ أصلًا). ((شرح مسلم)) (6/ 192). ، قال: فطَلَعَت مِن ورائِه سَحابةٌ مِثلُ التُّرسِ، فلَمَّا تَوسَّطَتِ السَّماءَ انتَشَرَت، ثُمَّ أمطَرَت، قال: فلا واللَّهِ ما رَأينا الشَّمسَ سَبتًا [528] سَبتًا: أي: قِطعةً مِنَ الزَّمانِ، وأصلُ السَّبتِ: القَطعُ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (6/ 192، 193). ، قال: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِن ذلك البابِ في الجُمُعةِ المُقبِلةِ، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائِمٌ يَخطُبُ، فاستَقبَلَه قائِمًا، فقال: يا رَسولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأموالُ وانقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادعُ اللَّهَ يُمسِكْها عنَّا، قال: فرَفعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَيه، ثُمَّ قال: اللهُمَّ حَولَنا ولا علينا، اللهُمَّ على الآكامِ [529] الآكامُ: جمعُ الأكَمةِ، وهيَ ما ارتَفعَ مِنَ الأرضِ كالتَّلِّ، وجَمعُه أَكَمٌ، ثُمَّ يُجمَعُ على الإكامِ والآكامِ. ينظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 603)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 206)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/ 505). ، والظِّرابِ [530] الظِّرابُ: جمعُ ظَرِبٍ، وهيَ صِغارُ الجِبالِ والتِّلالِ. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (14/ 270)، ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 603)، ((المعلم)) للمازري (1/ 481)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 203). ، وبُطونِ الأوديةِ [531] بُطونُ الأوديةِ: أوساطُها التي يَكونُ فيها قَرارُ الماءِ، واحِدُها بَطنٌ، والمُرادُ بها الخاليةُ عنِ الأبنيةِ وما يَتَحَصَّلُ فيه الماءُ ليُنتَفَعَ به. يُنظر: ((الزاهر)) لأبي منصور الأزهري (ص: 87) ((فتح الباري)) لابن حجر (2/ 505)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (9/ 3803). ، ومَنابِتِ الشَّجَرِ؛ فانقَلَعَت، وخَرَجنا نَمشي في الشَّمسِ)). [532] أخرجه البخاري (1014)، ومسلم (897) واللَّفظُ له.
وفي رِوايةٍ قال: ((فرَفعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَيه، فقال: اللهُمَّ اسقِنا، اللهُمَّ اسقِنا، اللهُمَّ اسقِنا...)) الحَديثَ. [533] أخرجها البخاري (1013).
3-مَكانُ أداءِ صَلاةِ الِاستِسقاءِ
يُستَحَبُّ أن تُصَلَّى صَلاةُ الِاستِسقاءِ في الصَّحراءِ، كَصَلاةِ العيدِ [534] وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/595)، ((المجموع)) للنووي (5/72)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/334). وحُكيَ الإجماعُ على ذلك: قال النَّوويُّ: (السُّنَّةُ أن يُصَلَّى في الصَّحراءِ بلا خِلافٍ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلَّاها في الصَّحراءِ، ولأنَّه يَحضُرُها غالِبُ النَّاسِ والصِّبيانِ والحُيَّضِ والبَهائِمِ وغَيرهم؛ فالصَّحراءُ أوسَعُ لهم، وأرفَقُ بهم). ((المجموع)) (5/72). وقال ابنُ رَجَبٍ: (الخُروجُ لصَلاةِ الِاستِسقاءِ إلى المُصَلَّى مُجمَعٌ عليه بَينَ العُلَماءِ، حتَّى وافقَ الشَّافِعيُّ عليه -مَعَ قَولِه: إنَّ الأفضَلَ في العيدِ أن يُصَلَّى في الجامِعِ إذا وسِعَهم). ((فتح الباري)) (6/294). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ زَيدِ بنِ عاصِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَرَجَ إلى المُصَلَّى، فاستَسقى، فاستَقبَلَ القِبلةَ، وقَلَبَ رِداءَه، وصَلَّى رَكعَتَينِ)). [535] أخرجه البخاري (1012).
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((شَكا النَّاسُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُحوطَ المَطَرِ، فأمَرَ بمِنبَرٍ فوُضِعَ له في المُصَلَّى)). [536] أخرجه أبو داود (1173)، والحاكم (1242) واللَّفظُ لهما، وابن حبان (991). صَحَّحه ابنُ حبان، والحاكم على شرط الشيخين، والنووي في ((المجموع)) (5/63)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/151).
أمَّا التَّعليلِ فللآتي:
1-أنَّه يَحضُرُها غالِبُ النَّاسِ والصِّبيانِ وغَيرهم؛ فكان المُصَلَّى أوسَعَ لهم، وأرفَقَ بهم [537] ينظر: ((المجموع)) للنووي (5/63، 72)، ((فتح الباري)) لابن رجب (6/294). .
2-أنَّه أبلَغُ في الِافتِقارِ والتَّواضُعِ [538] ينظر: ((شرح مسلم)) للنووي (6/188). .

انظر أيضا: