موسوعة الآداب الشرعية

ثانيا: الاستِعاذةُ مِنَ الشَّيطانِ


يُشرَعُ إذا غَضِبَ المَرءُ أن يَستَعيذَ باللهِ عَزَّ وجَلَّ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- من الكِتابِ
1-قال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف: 199 - 200] .
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أي: وإن نالَك مِن الشَّيطانِ وَسوسةٌ ما أو غَضَبٌ أو غيرُ ذلك؛ لِيُثبِّطَك عن الخيرِ، أو يَحُثَّك على الشَّرِّ والفَسادِ، أو يحمِلَك على الغَضَبِ، ومُجازاةِ مَن جَهِلَ عليك- فالتجِئْ إلى اللهِ، واطلُبْ منه أن يحفَظَك مِن الشَّيطانِ [385] ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (6/ 790). .
2-قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 34 - 36] .
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي: إنَّ اللهَ الَّذي تَستعيذُ به مِن نَزْغِ الشَّيطانِ: هو السَّميعُ لكُلِّ قَولٍ، ومِن ذلك استِعاذتُك به؛ العَليمُ بكُلِّ شَيءٍ، ومِن ذلك عِلمُه بما يُلقِيه الشَّيطانُ في نَفْسِك، فلا يَخفَى عليه كَيدُ عَدُوِّك، وهو يَتولَّى أمْرَه وجَزاءَه [386] يُنظر: ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (31/ 184، 185). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن سُليمانَ بنِ صُردٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((استَبَّ رَجُلانِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونحن عِندَه جُلوسٌ، وأحَدُهما يسُبُّ صاحِبَه مُغضَبًا قد احمَرَّ وجهُه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنِّي لأعلَمُ كَلِمةً لو قالها لذَهَب عنه ما يجِدُ، لو قال: أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ. فقالوا للرَّجُلِ: ألَا تَسمَعُ ما يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: إنِّي لستُ بمَجنونٍ!)) [387] رواه البخاري (6115) واللفظ له، ومسلم (2610). .
وفي رِوايةٍ: ((كُنتُ جالسًا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَجُلانِ يَستَبَّانِ، فأحَدُهما احمَرَّ وجهُه، وانتَفخَت أوداجُه [388] الأوداجُ: جَمعُ وَدجٍ: وهو ما أحاط بالعُنُقِ من العُروقِ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/204). ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنِّي لأعلَمُ كَلِمةً لو قالها ذَهَب عنه ما يَجِدُ، لو قال: أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ، ذَهَبَ عنه ما يَجِدُ، فقالوا له: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: تَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ، فقال: وهَل بي جُنونٌ؟!)) [389] أخرجها البخاري (3282). .
وفي رِوايةٍ: ((استَبَّ رَجُلانِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فغَضِبَ أحَدُهما، فاشتَدَّ غَضَبُه حتَّى انتَفخَ وجهُه وتَغَيَّرَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنِّي لأعلَمُ كَلِمةً لو قالها لذَهَبَ عنه الذي يَجِدُ، فانطَلقَ إليه الرَّجُلُ فأخبَرَه بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: تَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ، فقال: أتُرى بي بَأسٌ؟ أمجَنونٌ أنا؟! اذهَبْ)) [390] أخرجها البخاري (6048). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه: "اذهَبْ" هو خِطابٌ مِنَ الرَّجُلِ للرَّجُلِ الذي أمَرَه بالتَّعَوُّذِ، أيِ: امضِ في شُغلِك، وأخلِقْ بهذا المَأمورِ أن يَكونَ كافِرًا أو مُنافِقًا، أو كان غَلَب عليه الغَضَبُ حتَّى أخرجَه عنِ الاعتِدالِ، بحَيثُ زَجَرَ النَّاصِحَ الذي دَلَّه على ما يُزيلُ عنه ما كان به مِن وَهجِ الغَضَبِ بهذا الجَوابِ السَّيِّئِ، وقيل: إنَّه كان مِن جُفاةِ الأعرابِ، وظَنَّ أنَّه لا يَستَعيذُ مِنَ الشَّيطانِ إلَّا مَن به جُنونٌ، ولم يَعلَمْ أنَّ الغَضَبَ نَوعٌ مِن شَرِّ الشَّيطانِ؛ ولهذا يَخرُجُ به عن صورَتِه، ويُزَيِّنُ إفسادَ ما له، كَتَقطيعِ ثَوبِه وكَسرِ آنيَتِه أوِ الإقدامِ على مَن أغضَبَه، ونَحوِ ذلك مِمَّا يَتَعاطاه مَن يَخرُجُ عنِ الاعتِدالِ) [391] ((فتح الباري)) (10/ 467). .

انظر أيضا: