موسوعة الآداب الشرعية

عاشِرًا: حُسنُ الاستِماعِ لخَصمِه والإقبالُ عليه بوَجهِه

مِن الأدبِ: أن يُقبِلَ كُلٌّ مِن المتناظرينِ على الآخَرِ بوَجهِه، وأن يُحسِنَ الاستِماعَ إليه، وأن يَنتَظِرَ كُلُّ واحِدٍ مِنهما صاحِبَه حَتَّى يَفرُغَ مِن كَلامِه، ولا يَقطَعَ عليه كَلامَه قَبلَ أن يُتِمَّه [2504] يُنظر: ((التقريب لحد المنطق)) لابن حزم (ص: 186)، ((آداب البحث والمناظرة)) للشنقيطي (ص: 274)، ((أصول الجدل والمناظرة)) لحمد العثمان (ص: 543، 552). .
 وقال الحسنُ بنُ عليٍّ لابنِه: (يا بُنيَّ، إذا جالسْتَ العُلماءَ فكنْ على أن تسمَعَ أحرَصَ منك على أن تقولَ، وتعلَّمْ حُسنَ الاستماعِ كما تتعلَّمُ حُسنَ الصَّمتِ، ولا تقطعْ على أحدٍ حديثًا وإن طال حتَّى يُمسِكَ) [2505] يُنظر: ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (ص: 239).  .
وقال ابنُ المُقَفَّعِ: (تَعَلَّمْ حُسنَ الاستِماعِ كما تَتَعَلَّمُ حُسنَ الكَلامِ، ومِن حُسنِ الاستِماعِ: إمهالُ المُتَكَلِّمِ حَتَّى يَنقَضيَ حَديثُه، وقِلَّةُ التَّلَفُّتِ إلى الجَوابِ، والإقبالُ بالوجهِ، والنَّظَرُ إلى المُتَكَلِّمِ، والوعيُ لما يَقولُ) [2506] ((الأدب الصغير والأدب الكبير)) (ص: 129). .
وقال الجُوَينيُّ: (وعليهما جَميعًا أن يَصبرَ كُلُّ واحِدٍ مِنهما لصاحِبِه في نَوبَتِه، وإن كان ما يَسمَعُه مِنه شِبهَ الوسواسِ؛ لأنَّهما مُتَساويانِ في حَقِّ المُناوبةِ؛ فمَن لَم يَصبِرْ مِنهما لصاحِبِه فقد قَطَعَ عليه حَقَّه، ولأنَّ ما يَظُنُّه السَّامِعُ وسواسًا رُبَّما يَكونُ هو مَوضِعَ الالتِباسِ والشُّبهةِ عِندَه؛ فلا بُدَّ مِنَ الصَّبرِ على سَماعِه ليَصيرَ عِندَه مَعلومَ الأوَّلِ والآخِرِ، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ فيه بَعدَه على حَقِّه، وإن كان فيما يَصِحُّ العِلمُ صِنوان كان فيما لا يُفهَمُ مِنه شَيءٌ بَيَّنَ في نَوبَتِه أنَّه مِمَّا لا يَلزَمُه الكَلامُ عليه، ومَتى لَم يَصبِرْ له خَصمُه بَل داخَلَه بالاعتِراضِ أوِ الجَوابِ في نَوبَتِه احتَمَلَه ووعَظَه؛ فإن أصَرَّ عليه قَطَعَ مُكالَمَتَه، وإن حَكَمَ الجاهلُ مِنَ الحاضِرينَ عليه بالانقِطاعِ؛ لأنَّه إنَّما افتُرِضَ عليه الكَشفُ عَنِ الحَقِّ والأمرُ بالمَعروفِ مَعَ القُدرةِ، ولا سَبيلَ إليه مَعَ التَّقطيعِ، بَل يَصِحُّ ذلك مَعَ حُسنِ الاستِماعِ) [2507] ((الكافية في الجدل)) (ص: 533). .
وقال الجُوَينيُّ أيضًا: (وعَلى كُلِّ واحِدٍ مِنهما أن يُقبِلَ على خَصمِه الذي يُكَلِّمُه بوَجهِه في خِطابِ المُتَكَلِّمِ في كَلامِه والمُستَمِعِ في استِماعِه. فإنِ التَفتَ أو أعرَضَ عَنه في الاستِماعِ أوِ الخِطابِ وعَظَه، فإن لَم يَقبَلْ قَطَعَ مُناظَرَتَه؛ لأنَّ تَركَ الإقبالِ وحُسنِ الاستِماعِ يَشغَلُ قَلبَ المُتَكَلِّمِ والمُستَمِعِ فتَنقَطِعُ عليه مادَّةُ الفهمِ والخاطِرِ؛ ولا تُبالِ بمَن يَحكُمُ عليكَ بالانقِطاعِ؛ لأنَّ أهلَ التَّحصيلِ يَعلَمُ ذلك، ولا مُبالاةَ بأهلِ الجَهلِ والغَباوةِ) [2508] ((الكافية في الجدل)) (ص: 534). .

انظر أيضا: