موسوعة الآداب الشرعية

تاسِعًا: استِواءُ المُتَناظِرَينِ أو تَقارُبُهما، وتَجَنُّبُ المُناظَرةِ مَعَ أهلِ المَهابةِ:

لا يَتَجادَل إلَّا النَّظيرانِ، ومِن ذلك استِواؤُهما أو تَقارُبُهما في العِلمِ والعَقلِ والفهمِ والمَنزِلةِ، وفي الأمنِ والصِّحَّةِ والسَّلامةِ وغَيرِ ذلك، ويَنبَغي تَجَنُّبُ المُناظَرةِ مَعَ مَن هو مِن أهلِ المَهابةِ العَظيمةِ والاحتِرامِ العَظيمِ؛ كَي لا تُدهشَه وتُذهِلَه جَلالةُ خَصمِه عَنِ القيامِ بحُجَّتِه كما يَنبَغي  [2503] يُنظر: ((الجدل على طريقة الفقهاء)) لابن عقيل الحنبلي (ص: 2)، ((آداب البحث والمناظرة)) للشنقيطي (ص: 274)، ((فقه الرد على المخالف)) لخالد السبت (ص: 281)، ((ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة)) للميداني (ص: 372).  قال ابنُ عَقيلٍ الحَنبَليُّ: (للجَدَلِ شُروطٌ وآدابٌ إنِ استَعمَلها الخَصمُ وصَل إلى بُغيَتِه، وإن لم يَستَعمِلْها كَثُرَ غَلطُه واضطَرَبَ عَليه أمرُه. فمِن شُروطِه ألَّا يَتَجادَلَ إلَّا النظيرانِ، ومَن لا يَكونُ نَظيرًا فإنَّما هو مُستَرشِدٌ وسائِلٌ، ومِن ذلك استِواؤُهما في الأمنِ والصِّحَّةِ والسَّلامةِ، وألَّا يَكونَ أحَدُهما مَحصورًا بخَوفٍ أو حِشمةٍ وهَيبةٍ، والآخَرُ مَبسوطًا بأُنسٍ واستِرسالٍ. وذلك مِن وُجوهٍ؛ أحَدُها: أن يَكونَ بَعضُهم ذا عَصَبيَّةٍ مِن سُلطانٍ أو غَيرِه، أو يَكونَ كَثيرَ الشَّغبِ، ظاهِرَ السَّفاهةِ والغَضَبِ، مُحتَدَّ الطَّبعِ، فيَنحَصِرَ خَصمُه عنِ الاستيفاءِ عَليه، واستِخراجِ الأدِلَّةِ، وبَيانِ مَوضِعِ الشُّبهةِ، وإلحاقِ الشَّيءِ بنَظيرِه، والمُناظَرةُ حَيثُ وُضِعَت فإنَّها وُضِعَت لاستِخراجِ حُكمِ اللهِ في الحادِثةِ، فاعتُبرَ لها اعتِدالُ الطَّبعِ، كالقَضاءِ، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا يَقضي القاضي وهو غَضبانُ» [أخرجه الطوسي في ((مختصر الأحكام)) (1232) من حديثِ أبي بَكرةَ نُفَيعِ بنِ الحارِثِ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الألبانيُّ في تخريج ((مشكلة الفقر)) (7). وأخرجه البخاري (7158)، ومسلم (1717) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البخاريِّ: ((لا يَقضيَنَّ حَكَمٌ بَينَ اثنَينِ وهو غَضبانُ))]. فإذا كان أحَدُهما يَتَقاصَرُ عنِ البَحثِ ويَجتَمِعُ عنِ انفِساحِ اللِّسانِ والقَلبِ زال شَرطُ نَظَرِه، وخَرَجَ إلى حَيِّزِ المُغالَبةِ والمواثَبةِ). ((الجدل على طريقة الفقهاء)) (ص: 2). .

انظر أيضا: