موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: العَدلُ والإنصافُ مَعَ المُخالفِ

يَنبَغي تَحَرِّي العَدلِ والإنصافِ مَعَ المُخالفِ، واجتِنابُ الظُّلمِ والتَّعَدِّي [2343] ينظر: ((فقه الرد على المخالف)) لخالد السبت (ص: 197). .
الدَّليلُ على ذلك:
1- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة: 8]
2- قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90] .
3- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 135] .
قال ابنُ القَيِّمِ: (أمَرَ سُبحانَه بالقيامِ بالقِسطِ، وهو العَدلُ، وهذا أمرٌ بالقيامِ به في حَقِّ كُلِّ أحَدٍ، عَدوًّا كان أو وليًّا، وأحَقُّ ما قامَ له العَبدُ بالقِسطِ: الأقوالُ والآراءُ والمَذاهبُ؛ إذ هيَ مُتَعَلِّقةٌ بأمرِ اللهِ وخَبَرِه؛ فالقيامُ فيها بالهَوى والعَصَبيَّةِ مُضادٌّ لأمرِ اللهِ، مُنافٍ لما بَعَثَ به رُسُلَه، والقيامُ فيها بالقِسطِ وظيفةُ خُلَفاءِ الرَّسولِ في أُمَّتِه، وأُمَنائِه بَينَ أتباعِه، ولا يَستَحِقُّ اسمَ الأمانةِ إلَّا مَن قامَ فيها بالعَدلِ المَحضِ، نَصيحةً للَّهِ ولكِتابِه ولرَسولِه ولعِبادِه. أولَئِكَ همُ الوارِثونَ حَقًّا، لا مَن يَجعَلُ أصحابَه ونِحلَتَه ومَذهَبَه عيارًا على الحَقِّ وميزانًا له؛ يُعادي مَن خالَفه، ويوالي مَن وافقَه لمُجَرَّدِ موافقَتِه ومُخالَفتِه. فأينَ هذا مِنَ القيامِ بالقِسطِ الذي فرَضَه اللهُ على كُلِّ أحَدٍ؟) [2344] ((الرسالة التبوكية)) (1/ 34). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (وأئِمَّةُ السُّنَّةِ والجَماعةِ وأهلُ العِلمِ والإيمانِ فيهمُ العِلمُ والعَدلُ والرَّحمةُ؛ فيَعلَمونَ الحَقَّ الذي يَكونونَ به موافِقينَ للسُّنَّةِ سالمينَ مِنَ البدعةِ، ويَعدِلونَ على مَن خَرَجَ مِنها ولَو ظَلَمَهم، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة: 8] ، ويَرحَمونَ الخَلقَ فيُريدونَ لَهمُ الخَيرَ والهدى والعِلمَ، لا يَقصِدونَ الشَّرَّ لَهمُ ابتِداءً، بَل إذا عاقَبوهم وبَيَّنوا خَطَأهم وجَهلَهم وظُلمَهم كان قَصدُهم بذلك بَيانَ الحَقِّ ورَحمةَ الخَلقِ، والأمرَ بالمَعروفِ والنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ، وأن يَكونَ الدِّينُ كُلُّه للَّهِ وأن تَكونَ كَلمةُ اللهِ هيَ العُليا) [2345] ((الاستغاثة في الرد على البكري)) (ص: 251). .
4- وقال تعالى لرسولِه: وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [الشورى: 15]
قال ابنُ القَيِّمِ: (واللهُ تَعالى يُحِبُّ الإنصافَ، بَل هو أفضَلُ حِليةٍ تَحَلَّى بها الرَّجُلُ، خُصوصًا مَن نَصَبَ نَفسَه حَكَمًا بَينَ الأقوالِ والمَذاهِبِ، وقد قال اللهُ تَعالى لرَسولِه: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [الشورى: 15] فورَثةُ الرَّسولِ مَنصِبُهمُ العَدلُ بَينَ الطَّوائِفِ وألَّا يَميلَ أحَدُهم مَعَ قَريبِه وذَوي مَذهَبِه وطائِفتِه ومَتبوعِه، بَل يَكونُ الحَقُّ مَطلوبَه، يَسيرُ بسَيرِه، ويَنزِلُ بنُزوله، يَدينُ بدينِ العَدلِ والإنصافِ، ويُحَكِّمُ الحُجَّةَ، وما كان عليه رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابُه فهو العِلمُ الذي قد شَمَّرَ إليه، ومَطلَبُه الذي يَحومُ بطَلَبِه عليه، لا يَثني عِنانَه عَنه عَذلُ عاذِلٍ، ولا تَأخُذُه فيه لَومةُ لائِمٍ، ولا يَصُدُّه عَنه قَولُ قائِلٍ) [2346] ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) (4/ 497). .
فائدةٌ:
قال ابنُ تيميَّةَ: (وأنا في سَعةِ صَدرٍ لمَن يُخالفُني؛ فإنَّه وإن تَعَدَّى حُدودَ اللهِ فيَّ بتَكفيرٍ أو تَفسيقٍ أو افتِراءٍ أو عَصَبيَّةٍ جاهليَّةٍ، فأنا لا أتَعَدَّى حُدودَ اللهِ فيه، بَل أضبطُ ما أقولُه وأفعَلُه، وأزِنُه بميزانِ العَدلِ، وأجعَلُه مُؤتَمًّا بالكِتابِ الذي أنزَلَه اللهُ وجَعَلَه هدًى للنَّاسِ حاكِمًا فيما اختَلَفوا فيه... وذلك أنَّكَ ما جَزَيتَ مَن عَصى اللَّهَ فيكَ بمِثلِ أن تُطيعَ اللَّهَ فيهـ) [2347] ((مجموع الفتاوى)) (3/ 245). .

انظر أيضا: