موسوعة التفسير

سورةُ التَّوبةِ
الآيات (86-89)

ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ

غريب الكلمات:

أُولُو الطَّوْلِ: أي: ذَوو الغِنى والسَّعةِ، وأصلُ (طول): يدُلُّ على فَضْلٍ، وامْتِدادٍ في الشَّيءِ [1483] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 191)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/433)، ((المفردات)) للراغب (ص: 533)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 144)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 227). .
الْخَوَالِفِ: أي: النِّساءِ، وأصلُ (خلف): يدلُّ على مجيءِ شَيءٍ بعد شيءٍ، وقيامِه مَقامَه [1484] ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 191)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 206)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/210)، ((المفردات)) للراغب (ص: 296)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 144)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 227)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 428). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ اللهُ تعالى لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وإذا أُنزِلَت سورةٌ مِن القُرآنِ فيها الأمرُ بالإيمانِ باللهِ، والجهادِ مع رَسولِه، استأذَنَك في التخلُّفِ عن الجهادِ أصحابُ الأموالِ مِن المُنافِقينَ، وقالوا: دَعْنا نكُنْ مع القاعدينَ، رَضُوا أن يكونوا في منازِلِهم مع النِّساءِ، وختم اللهُ على قلوبِهم، فهم لا يَفهَمونَ.
لكن إنْ تخلَّفَ هؤلاء المُنافِقونَ عن الجهادِ فلا ضيرَ؛ لأنَّه قد نهض إليه مَن هو خيرٌ منهم؛ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه، فقد جاهدوا بأموالِهم وأنفُسِهم، وأولئك لهم النِّعَمُ الكثيرةُ في الدُّنيا والآخرةِ، وأولئك هم الذين ظَفِروا بما طَلَبوا مِن النَّعيمِ، أعدَّ اللهُ لهم بساتينَ تجري من تحتِ أشجارِها ومَبانيها الأنهارُ، ماكثينَ فيها أبدًا، ذلك الفوزُ العظيمُ.

تفسير الآيات:

وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ (86).
مَناسبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لما بيَّنَ اللهَ تعالى في الآياتِ المتقَدِّمةِ أنَّ المُنافِقينَ احتالوا في رُخصةِ التخَلُّفِ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والقعودِ عن الغَزوِ؛ زادَ في هذه الآيةِ دقيقةً أُخرَى، وهي أنَّه متى نزَلَت آيةٌ مُشتَمِلةٌ على الأمرِ بالإيمانِ، وعلى الأمرِ بالجهادِ مع الرَّسولِ، استأذَنَ أولو الثَّروةِ والقُدرةِ منهم في التخلُّفِ عن الغَزوِ، وقالوا لرَسولِ اللهِ: ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ أي: مع الضُّعَفاءِ مِن النَّاسِ، والسَّاكِنينَ في البلَدِ [1485] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/118). .
وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ.
أي: وإذا أُنزِلَت عليك- يا محمَّدُ- سورةٌ من القرآنِ، فيها أمرُ النَّاسِ بالإيمانِ باللهِ، وجِهادِ الكُفَّارِ مع رسولِ اللهِ؛ استأذَنَك في التخَلُّفِ عن الجهادِ أصحابُ الغِنى والأموالِ مِن المُنافِقينَ [1486] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/615)، ((البسيط)) للواحدي (10/585)، ((تفسير ابن عطية)) (3/68)، ((تفسير القرطبي)) (8/223)، ((حاشية الخفاجي على تفسير البيضاوي)) (4/351)، ((تفسير السعدي)) (ص: 347)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/288). قال القاسمي: (إنَّما خَصَّ ذوي الطَّولِ؛ لأنَّهم المذمومونَ، وهم مَن له قدرةٌ ماليَّةٌ، ويُعلَمُ منه البدنيَّةُ أيضًا بالقياسِ). ((تفسير القاسمي)) (5/474). وقال محمد رشيد رضا: (المراد بهم هنا أولو المقدِرةِ على الجهادِ المفروضِ، بأموالِهم وأنفُسِهم). ((تفسير المنار)) (10/502). وقال ابنُ عاشورٍ: (الطَّولُ: السَّعةُ في المالِ... والاقتصارُ على الطَّولِ يدُلُّ على أنَّ أُولي الطَّولِ مُرادٌ بهم مَن له قدرةٌ على الجِهادِ بصِحَّةِ البَدَن، فبوجودِ الطَّولِ انتفى عُذرُهم؛ إذ مَن لم يكُنْ قادِرًا ببَدَنِه، لا يُنظَر إلى كَونِه ذا طَولٍ، كما يدلُّ عليه قَولُه بعدُ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ). ((تفسير ابن عاشور)) (10/288). !
وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ.
أي: وقال لك المُنافِقونَ- يا مُحمَّدُ: اترُكْنا نكُنْ مع القاعدينَ في بُيوتِهم؛ مِنَ الضُّعَفاءِ والمَرضى والعاجزينَ عن الجِهادِ [1487] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/615)، ((تفسير ابن عطية)) (3/68)، ((تفسير القرطبي)) (8/223). .
رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ (87).
رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ.
أي: رَضِيَ المُنافقونَ المُستأذِنونَ في التخَلُّفِ عن الجهادِ أن يكونوا في مَنازِلِهم مع النِّساءِ [1488] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/616)، ((البسيط)) للواحدي (10/586)، ((تفسير ابن عطية)) (3/68)، ((تفسير الرازي)) (16/119)، ((تفسير القرطبي)) (8/223)، ((تفسير ابن كثير)) (4/196)، ((تفسير السعدي)) (ص: 347)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/289). !
وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ.
أي: وختَمَ اللهُ على قلوبِ المُنافِقينَ بسبَبِ تَخلُّفِهم عن الجهادِ بلا عُذرٍ، فهم لا يَفهَمونَ مواعِظَ اللهِ، وأنَّ الجِهادَ خَيرٌ لهم في الدُّنيا والآخرةِ [1489] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/616)، ((تفسير ابن عطية)) (3/68)، ((تفسير ابن كثير)) (4/197)، ((تفسير القاسمي)) (5/474)، ((تفسير السعدي)) (ص: 347). .
كما قال اللهُ تعالَى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ [المنافقون: 3] .
وقال سبحانه: وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ [المنافقون: 7] .
لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ الله تعالى لَمَّا شرحَ حالَ المُنافقينَ في الفِرارِ عن الجِهادِ؛ بيَّنَ أنَّ حالَ الرَّسولِ والذين آمَنوا معه بالضِّدِّ منه؛ حيث بذَلُوا المالَ والنَّفسَ في طلَبِ رِضوانِ اللهِ، والتقَرُّبِ إليه [1490] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/119). .
لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ.
أي: لكنْ الرَّسولُ محمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأصحابُه الذين آمَنوا معه، قد جاهَدوا الكُفَّارَ ببَذلِ أموالِهم وقاتَلوهم بأنفُسِهم، فهم ليسُوا كالمُنافِقينَ المتخَلِّفينَ، فلئن تخَلَّفَ هؤلاء المنافِقونَ عن الجهادِ، فلا ضَيرَ؛ لأنَّه قد نهضَ إليه مَن هو خيرٌ منهم [1491] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/618)، ((تفسير ابن عطية)) (3/69)، ((تفسير الألوسي)) (5/344)، ((تفسير القاسمي)) (5/474)، ((تفسير السعدي)) (ص: 347). قال ابن عطية: (الأكثَرُ في (لكِنْ) أن تجيء بعد نفيٍ، وهو هاهنا في المعنى، وذلك أنَّ الآيةَ السَّالفةَ معناها أنَّ المُنافِقينَ لم يجاهِدوا، فحَسُنَ بَعدَها لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا). ((تفسير ابن عطية)) (3/69). .
كما قال تعالى: لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [التوبة: 44] .
وقال سبحانه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: 29] .
وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ.
أي: والرَّسولُ والذين آمَنوا معه، وجاهَدوا بأموالِهم وأنفُسِهم؛ لهم النِّعَمُ الكثيرةُ الحَسَنةُ في الدُّنيا والآخرةِ [1492] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/618، 619)، ((الهداية)) لمكي بن أبي طالب (4/3093)، ((تفسير ابن عطية)) (3/69)، ((تفسير الرازي)) (16/119)، ((تفسير القرطبي)) (8/224)، ((تفسير ابن كثير)) (4/197)، ((تفسير القاسمي)) (5/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 347)، (تفسير ابن عاشور)) (10/291). .
كما قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 55] .
وقال سُبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 29] .
وقال عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف: 10-13] .
وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
أي: وأولئكَ هم الذينَ ظَفِروا بما طَلَبوا منَ النَّعيمِ [1493] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/619)، ((تفسير ابن عطية)) (3/69)، ((تفسير الرازي)) (16/119)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/503)، ((تفسير السعدي)) (ص: 347). قال القنوجي: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المرادُ بهم هنا الفائزونَ بالمطلوبِ). ((فتح البيان)) (5/365). .
أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89).
أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ.
أي: هيَّأَ اللهُ لِرَسولِه وللمُؤمِنينَ معه بساتينَ تجري مِن تَحتِ أشجارِها ومَبانيها الأنهارُ [1494] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/619)، ((تفسير ابن عطية)) (3/69)، ((تفسير الشوكاني)) (2/445). .
كما قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100] .
خَالِدِينَ فِيهَا .
أي: لابثينَ فيها، لا يَموتونَ، ولا يُخرَجونَ منها أبدًا [1495] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/619)، ((الهداية)) لمكي (4/3093)، ((تفسير الألوسي)) (5/344). .
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
أي: دُخولُ الجنَّاتِ التي أعدَّها اللهُ للرَّسولِ وللمُؤمِنينَ معه، هو النَّجاةُ العظيمةُ، والظَّفَرُ الكبيرُ [1496] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/619)، ((تفسير ابن عطية)) (3/69)، ((تفسير الشوكاني)) (2/445)، ((تفسير القاسمي)) (5/475). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ قدَّمَ الأمرَ بالإيمانِ على الأمرِ بالجِهادِ؛ لأنَّ الجِهادَ بغَيرِ الإيمانِ لا يُفيدُ شَيئًا [1497] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/640). .
2- قَولُ الله تعالى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ في تخصيصِ أُولُو الطَّولِ بالذكرِ وجهانِ: الأوَّل: أنَّ الذمَّ لهم ألزمُ؛ لأجلِ كونِهم قادرينَ على السَّفرِ والجهادِ. والثَّاني: أنَّه تعالى ذكَرَ أولي الطَّولِ؛ لأنَّ مَن لا مالَ له ولا قُدرةَ على السَّفَرِ، لا يحتاجُ إلى الاستئذانِ؛ لأنَّه مَعذورٌ [1498] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (10/585)، ((تفسير الرازي)) (16/119). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ عطفَ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ على اسْتَأْذَنَكَ لِمَا بينَهما من المغايرةِ في الجملةِ، بزيادةٍ في المعطوفِ؛ لأنَّ الاستِئذانَ مُجمَلٌ، وقولَهم المحكيَّ فيه بيانُ ما استأذَنوا فيه، وهو القُعودُ، وفي نَظْمِه إيذانٌ بتَلفيقِ مَعذِرتِهم، وأنَّ الحقيقةَ هي رغبتُهم في القُعودِ؛ ولذلك حُكِيَ قَولُهم بأن ابتُدِئَ بـ ذَرْنَا المقتضي الرَّغبةَ في تَرْكِهم بالمدينةِ، وبأن يكونوا تبَعًا للقاعِدينَ الذين فيهم العُجَّزُ والضُّعَفاءُ والجُبَناءُ؛ لِما تُؤذِنُ به كَلمةُ (مع) من الإلحاقِ والتَّبَعيَّةِ [1499] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/289). .
4- قال اللهُ تعالى: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ اختيارُ فِعل رَضُوا إشعارٌ بأنَّ ما تلبَّسوا به من الحالِ، مِن شأنِه أن يتردَّدَ العاقِلُ في قَبولِه [1500] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/289). .
5- في قولِ اللهِ تعالى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ * رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ دليلٌ على جُبنِ المُنافِقينَ وضُعَفاءِ الإيمانِ، ورضاهم لأنفُسِهم بالذُّلِّ والهَوانِ [1501] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/502). ، فلو فَقِه المنافِقونَ حَقيقةَ الفِقهِ، لم يَرضَوا لأنفُسِهم بالحالِ التي تحُطُّهم عن منازِلِ الرِّجالِ، ولم يَرضَوا أن يكونوا مع النِّساءِ المتخَلِّفاتِ عن الجهادِ [1502] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:347). .
6- في قولِه تعالى: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ دليلٌ على أنَّ النساءَ لا جهادَ عليهنَّ، وإنْ أَطَقْنَه؛ لأنَّه سبحانه قد ذَكَرَ الخوالفَ مرَّتين في الآيةِ الأُولَى والثانية ولم يخرجهنَّ، إنَّما أَخرجَ مَن تَشَبَّه في التخلفِ عنه بمَن لا جهادَ عليه؛ ورضِي الكينونةَ معه عمَّا هو مندوبٌ إليه [1503] يُنظر: ((النُّكتُ الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/566). .
7- قَولُ الله تعالى: لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، قوله: مَعَهُ في موضعِ الحالِ من (الذينَ) لتدُلَّ على أنَّهم أتباعٌ له في كلِّ حالٍ، وفي كلِّ أمرٍ، فإيمانُهم معه؛ لأنَّهم آمنوا به عندَ دَعوتِه إيَّاهم، وجهادُهم بأموالِهم وأنفُسِهم معه، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الخَيراتِ المبثوثةَ لهم في الدُّنيا والآخرةِ تابعةٌ لِخَيراتِه ومَقاماتِه [1504] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/291). .
8- قَولُ الله تعالى: لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ لَمَّا كان السِّياقُ لبُخلِ المنافقينَ بالنَّفسِ والمالِ، ولِسَلبِ النَّفعِ مِن أموالِهم وأولادِهم، اقتصَرَ في مدحِ أوليائِه على الجهادِ بالنَّفسِ والمالِ، ولم يَذكُرِ السَّبيلَ [1505] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/571). .
9- قَولُ الله تعالى: لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قَولُه: الْخَيْرَاتُ تعريضٌ بذوي الأموالِ مِن المُنافِقينَ؛ لأنَّ الخيرَ يُطلَقُ على المالِ، وتَحليتُه بـ (أل) تدلُّ على استغراقِه لجَميعِ منافِعِ الدَّارينِ [1506] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/571). .
10- قال الله تعالى: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ الإعدادُ: التَّهيئةُ، وفيه إشعارٌ بالعِنايةِ [1507] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/291). .
11- في قولِه تعالى: لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ إلى قولِه سبحانه: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ شاهدٌ لكل مَن حَضَرَ مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم غزوةَ تبوك مِن أصحابِه بالجنةِ، فكلُّ مَن شَهِدَ غزوةَ تبوك مِن أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فهو معه في الجنةِ على ما كان فيه بشهادةِ هذه الآيةِ له، وهي حقٌّ [1508] يُنظر: ((النُّكتُ الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/567). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ
قولُه: اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ فيه الْتِفاتٌ؛ إذْ هو خُروجٌ مِنْ لَفْظِ الغَيبةِ- وهو قولُه: رَسُولِهِ- إلى ضَميرِ الخِطابِ في اسْتَأْذَنَكَ، فلو جاءَ على الأصلِ لقِيلَ: استأذَنَه [1509] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/479)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/95). .
وقولُه: وَقَالُوا عَطْفٌ تَفسيريٌّ لـاسْتَأْذَنَكَ، وهو مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ ما اسْتأذَنوا فيه- يعني القُعودَ [1510] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/90). .
2- قوله تعالى:رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ
قولُه: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ... اسْتِئنافٌ؛ لبيانِ سُوءِ صَنيعِهم، وعَدَمِ امْتِثالِهم لِكِلا الأمرينِ، وإنْ لم يَردُّوا الأوَّلَ صريحًا [1511] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/91). .
وفيه تَهجينٌ لهم، ومبالَغةٌ في الذَّمِّ؛ لأنَّ كونَهم رَضُوا بأنْ يَكونوا قاعِدينَ مَعَ النِّساءِ في المدينةِ أبْلغُ ذَمٍّ لهم وتَهجينٍ؛ لأنَّهم نَزَّلوا أَنفُسَهم مَنْزِلةَ النِّساءِ العَجَزَةِ اللَّواتي لا مُدافعةَ عندَهنَّ [1512] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/479). .
3- قوله تعالى:لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
قولُه: لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ فيه تَعريضٌ بأنَّ الذين لَمْ يُجاهِدوا دونَ عُذْرٍ ليسوا بمُؤمنينَ [1513] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/290). .
قَولُ اللهِ تعالى: لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ عُطِفَت جملةُ: وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ على جملةِ جَاهَدُوا ولم تُفصَل- مع جوازِ الفَصلِ- ليدُلَّ بالعطفِ على أنَّها خبرٌ عن (الذين آمنوا)، أي: على أنَّها مِن أوصافِهم وأحوالِهم؛ لأنَّ تلك أدلُّ على تمكُّنِ مَضمونِها فيهم مِن أن يُؤتى بها مُستأنفةً، كأنَّها إخبارٌ مُستأنَفٌ [1514] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/291). .
قَولُ الله تعالى: وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الإتيانُ باسمِ الإشارةِ؛ لإفادةِ أنَّ استحقاقَهم الخَيراتِ والفَلاحَ، كان لأجل جهادِهم [1515] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/291). .
قَولُ اللهِ تعالى: وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ في التعبيرِ بأداةِ البُعدِ إشارةٌ إلى عُلوِّ مَقامِ أوليائِه، وبُعدِ مَنالِه إلَّا بفَضلٍ منه تعالى [1516] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/571). .
قوله: وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فيه تَكريرُ اسْمِ الإشارةِ وَأُولَئِكَ؛ للتَّنويهِ لشأنِهِمْ، ولِرَفعِ مَكانِهم [1517] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/91). .
4- قَولُه تعالى: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ اسْتِئنافٌ بيانيٌّ لجوابِ سؤالٍ يَنشأُ عَنِ الإخبارِ بـ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ [1518] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/291). .