موسوعة التفسير

سُورةُ الأعرافِ
الآيات (1-3)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ

غريب الكلمات:

حَرَجٌ: الحَرَج: الضِّيقُ، وأصلُ (حرج): تجمُّعُ الشَّيءِ وضِيقُه، ومنه الحَرَجُ: جمْعُ حَرَجةٍ: وهي الشَّجَرةُ المُلتَفُّ بها الأشجارُ، لا يدخُلُ بينها وبينها شَيءٌ؛ لشِدَّةِ التفافِها بها [10] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (1/130)، ((تفسير ابن جرير)) (9/544، 547)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/50)، ((المفردات)) للراغب (ص: 226)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (1/67). .
لِتُنْذِرَ: أي: لتُخَوِّفَ، أو لتُعْلِمَ بما تُحذِّرُ منه، وأصلُ الإنْذارِ: إخبارٌ فيه تخويفٌ، أو الإبْلاغُ [11] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/414)، ((المفردات)) للراغب (ص: 797)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 48). .
وَذِكْرَى: أي: تذكِرَةً ومَوعِظَةً، وأصلُ الذِّكر: خِلافُ النِّسيانِ [12] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/358)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 426)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 464). .

المعنى الإجمالي:

افتُتِحَت هذه السُّورةُ العظيمةُ بالحُروفِ المُقطَّعةِ؛ للإشارة إلى إعجازِ القُرآنِ؛ إذ تشير إلى عجزَ الخَلْقِ عن معارَضَتِه بالإتيانِ بشيءٍ مِن مِثلِه، مع أنَّه مُركَّبٌ من هذه الحُروفِ العربيَّةِ التي يتحدَّثونَ بها!
ثم خاطبَ اللهُ نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بأنَّ هذا القرآنَ كتابٌ أنزَلَه إليه، وأمره ألا يَضيقَ صدرُه من إبلاغِه، والإنذارِ به، وألا يكونَ لديه شَكٌّ أنَّه مُنزَّلٌ مِن عندِ الله تباركَ وتعالى؛ أنزَلَه إليه ليُخَوِّفَ به الكافرينَ، وموعظةً للمؤمنينَ.
ثم أمرَ اللهُ تعالى النَّاسَ أن يتَّبِعوا القرآنَ المُنَزَّلَ مِن عندِه، ونهاهم أن يتَّبِعوا مِن دُونِه أولياءَ، وأخبَرَ تعالى أنَّ النَّاسَ قليلًا ما يتَّعِظونَ ويعتَبِرون، فيُراجِعونَ الحَقَّ.

تفسير الآيات:

المص (1)
تقدَّم الكلامُ على هذه الحروفِ المقطَّعةِ في تفسيرِ أوَّلِ سُورةِ البَقَرةِ [13] يُنظر ما تقدَّم في (1/64) من هذا الكتاب. .
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ
أي: هذا القرآنُ- يا محمَّدُ- كِتابٌ أنزَلَه اللهُ تعالى إليك [14] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/54)، ((تفسير ابن كثير)) (3/387)، ((تفسير السعدي)) (ص: 283)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/8-12). .
فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ
أي: فلا يَضِقْ صدرُك- يا محمَّدُ- مِن إبلاغِ القُرآنِ، والإنذارِ به، ولا يكُنْ لديكَ شكٌّ واشتباهٌ في أنَّه مُنزَّلٌ مِن عندِ الله تبارك وتعالى، فلْيَنشرِحْ له صَدرُك ويتَّسِعْ، ولْتطمَئِنَّ به نفسُك، واصبِرْ على ما كُلِّفْتَ به مِن أثقالِ النُّبوَّةِ، وتَحمَّلِ الأذى، ولا تخشَ لائمًا، ولا مُعارِضًا [15] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/54-55)، ((تفسير ابن كثير)) (3/387)، ((تفسير السعدي)) (ص: 283)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/13-16). .
لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ
أي: هذا كتابٌ أنزلناه إليك- يا محمَّدُ- لِتخوِّفَ به الكافرينَ، وموعظةً للمُؤمنينَ [16] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/56)، ((تفسير ابن كثير)) (3/387)، ((تفسير السعدي)) (ص: 283)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/16-18). .
قال تعالى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [مريم: 97] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: 55].
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى أنَّه أنزَلَ هذا الكتابَ العظيمَ على هذا النبيِّ الكريمِ؛ ليُنذِرَ به ويُذَكِّرَ- أَمَر من ذُكِّروا وأُنذِروا بما ينبغي أن يفعلوا تجاه ذلك الإنذارِ والتَّذكيرِ، الذي بعَث به رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال [17] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/20)، ويُنظر أيضًا: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/354). :
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ
أي: اتَّبِعوا- أيُّها النَّاسُ- القُرآنَ الذي جاءكم مِن عندِ اللهِ الذي خلَقَكم، وهو مالِكُكم ومُدَبِّرُكم [18] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/56)، ((تفسير ابن كثير)) (3/387)، ((تفسير السعدي)) (ص: 283)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/20-34). .
وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
أي: ولا تتَّبعوا شيئًا غيرَ ما أَنزَلَ إليكم ربُّكم؛ فتَخرُجوا عن الحَقِّ الذي جاءكم به الرَّسولُ إلى غيرِه، فتكونوا قد عدَلتُم بذلك عن حُكمِ اللهِ إلى حُكمِ آخَرينَ تتولَّونَهم، وتتَّبِعون أهواءَهم [19] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/56)، ((تفسير ابن كثير)) (3/387)، ((تفسير السعدي)) (ص: 283)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/34-35). .
قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ
أي: تَذكُّرُكم تذكُّرٌ قليلٌ لا يُجدي شيئًا، فقليلًا ما تتَّعظون وتَعْتَبرون، فتُراجعونَ الحقَّ [20] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/57)، ((تفسير السعدي)) (ص: 283)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/37). .

الفوائد التربوية:

قال الله تعالى: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ في هذه الآيةِ الكريمةِ وأمثالِها مِن الآياتِ زَواجِرُ عَظيمةٌ، ينبغي لنا أن نعتبِرَها؛ لأنَّ خالِقَنا جلَّ وعلا بَيَّن لنا أنَّه أنزلَ على نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم هذا الكتابَ؛ لِيُخوِّفَ به الخَلقَ مِن عقوباتِ خالقِ السَّموات والأرضِ وسَخَطِه؛ فإنَّه الجبَّارُ الأعظَمُ، الذي إذا سَخِطَ عاقَبَ العقوبةَ المُهلِكةَ المُستأصِلةَ، فبهذا يجِبُ علينا أن نتأمَّلَ في معاني القرآنِ، ونعرِفَ أوامِرَ رَبِّنا التي أمَرَنا بها فيه، ونواهِيَه التي نهانا عنها، ونخافَ مِن هذا الإنذارِ والتَّهديدِ، الذي أُنزِلَ هذا القرآنُ على الرَّسولِ ليفعَلَه بمن لم يعمَلْ بهذا القرآنِ العَظيمِ؛ فالإنسانُ يجِبُ عليه أن يتدبَّرَ هذا القرآنَ العظيمَ، وينظُرَ أوامِرَه، وينظُرَ نواهِيَه، فَيُحِلَّ حلالَه، ويُحرِّمَ حَرامَه، ويعتقِدَ عقائِدَه، ويعمَلَ بمُحكَمِه، ويؤمِنَ بمُـتشابِهِه، ويعتبِرَ بما فيه مِن الأمثالِ، ويَلينَ قَلبُه لِما فيه من المواعِظِ، وضُروبِ الأمثالِ، فهذا الإنذارُ لا ينبغي للمُسلمِ أن يُهمِلَه، ويُعرِضَ عنه صَفحًا [21] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/17). .
قَولُه تعالى وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ المتبادِرُ هنا مِنَ النَّهيِ عَنِ اتِّباعِ الأولياءِ مِن دُونِه تعالى؛ هو النَّهيُ عن طاعةِ كُلِّ أحدٍ مِنَ الخَلْقِ في أمْرِ الدِّينِ؛ غَير ما أنزَلَ اللهُ مِن وَحْيِه، كما فعلَ أهلُ الكِتابِ في طاعةِ أحبارِهم ورُهبانِهم؛ فيما أحَلُّوا لهم، وزادوا على الوَحْيِ مِنَ العباداتِ، وما حَرَّمُوا عليهم مِنَ المباحاتِ، وكلُّ مَن أطاع أحدًا طاعةً دِينيَّةً في حُكمٍ شَرعيٍّ لم يُنْزِلْه رَبُّه إليه؛ فقد اتَّخَذه رَبًّا، قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [22] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/273). [التوبة: 31] .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فبَناه لِمَا لم يُسَمَّ فاعِلُه، ولم يَقُل: (أنزَلَ اللهُ)، أو: (أنزلناه)؛ إيجازًا مُؤذِنًا بأنَّ الـمُنزِلَ مُستغنٍ عَنِ التَّعريفِ، وعن إسنادِه إلى الضَّميرِ أو الاسمِ الصَّريحِ؛ فإنَّ هذا الكتابَ البديعَ، لا يمكِنُ أن يكون إلَّا مِن فوقِ ذلك العَرشِ الرَّفيعِ [23] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/269). .
2- في قَولِه تعالى: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ دلالةٌ على أنَّ اللهَ تعالى رَفَعَ الحرجَ عن الصدور بكتابِه، وكانت قبلَ إنزالِ الكتابِ في أعظمِ الحرجِ والضِّيقِ؛ فلما أنزل كتابَه ارتفعَ به عنها ذلك الحرجُ، وبقي الحرجُ والضيقُ على مَن لم يُؤْمِن به، كما قال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [24] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (4/1518). [الأنعام: 125] .
3- قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ استَدلَّ به بعضُهم على أنَّ المباحَ مأمورٌ به؛ لأنَّه من جملةِ ما أنزَلَ اللهُ، وقد أَمَرَنا باتِّباعِه [25] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص:126). .
4- قولُ اللهِ تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، قال: أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وإنَّما أُنزِلَ على الرَّسولِ؛ ليُفيدَ أنَّه مُنزَّلٌ على الكُلِّ، بمعنى أنَّه خِطابٌ للكُلِّ [26] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (14/197). 
5- في قَولِه تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ أمرٌ باتباع ما أَنزلَ اللهُ على رسوله، ونهيٌ عن اتِّباعِ غيره، فما هو إلَّا اتِّباعُ المُنزَّلِ؛ أو اتِّباعُ أولياء مِن دونه، فإنَّه لم يجعلْ بينهما واسطةً، فكلُّ مَن لا يَتَّبعُ الوحيَ؛ فإنما يَتَّبعُ الباطلَ، واتَّبَعَ أولياءَ مِن دون اللهِ [27] يُنظر: ((الرسالة التبوكية)) لابن القيم (ص: 45). .

بلاغة الآيات:

قوله: كتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ فيه النَّهيُ في اللَّفظِ- في قوله: فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ- للحَرَجِ، والمرادُ المخاطَبُ؛ مبالغةً في النهيِ عن ذلك، كأنَّه قيل: لا تتسبَّبْ في شيءٍ ينشَأُ منه حَرَجٌ، وهو من بابِ «لَا أَرَيَنَّك هاهنا»؛ فالنَّهيُ في اللَّفظِ للمُتكلِّم، والمرادُ المخاطَبُ، أي: لا تكُنْ بحَضرتي فأراكَ، ومثلُه: فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا [28] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/86)، ((تفسير البيضاوي)) (3/5). .
والتنكيرُ في قولِه: كِتَابٌ نَوعيٌّ؛ لدَفعِ الاستِبْعادِ، أي: استبعادِ المُشركينَ، وإنكارِهم أنْ يكونَ القُرآنُ مِن عندِ اللهِ، فذَكَّرَهم اللهُ بأنَّه كتابٌ مِن نَوعِ الكُتُبِ المُنَزَّلةِ على الأنبياءِ، فكَما نزَلَت صُحُفُ إبراهيمَ، وكتابُ موسى، كذلك نَزَل هذا القُرآنُ. أو أُريدَ بالتَّنكيرِ التَّعظيمُ، أي: هو كِتابٌ عظيمٌ؛ تَنويهًا بشَأنِه، فصار التَّنكيرُ في معنى التَّوصيفِ. أو أُريد بالتَّنكيرِ التَّعجيبُ مِن شأنِ هذا الكِتابِ في جميعِ ما حفَّ به مِنَ البلاغةِ والفَصاحة والإعجازِ والإرشادِ [29] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/11). .
قوله: لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ فيه إيجازٌ بحَذفِ مُتعَلِّقِ لِتُنْذِرَ؛ لظُهورِ تقديرِ المَحذوفِ مِن ذِكرِ مُقابِلِه المذكورِ في قَولِه: وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، والتَّقديرُ: لِتُنذِرَ به الكافرينَ [30] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/14). .
وصرَّحَ بمتعَلِّقِ الذِّكْرى دون مُتعَلِّقِ لِتُنْذِرَ؛ تنويهًا بشأنِ المؤمنينَ، وتَعريضًا بتحقيرِ الكافرينَ تِجاهَ ذِكرِ المُؤمنينَ، ولأنَّ المُؤمنِينَ هم الذين ينتفعونَ بالمواعِظِ، وللإيذانِ باختِصاصِ الإنذارِ بالكَفرةِ، أي: لتُنذِرَ به المشرِكين، وتُذكِّر المؤمنينَ [31] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/210)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/14)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/271). .
وجُعِلَ الإنذارُ بالكِتابِ مُقَدَّمًا في التَّعليلِ على الذِّكرى؛ لأنَّه أهمُّ بحسَب المقامِ؛ لأنَّه الغَرَضُ الأهمُّ لإبطالِ ما عليه المشركونَ مِن الباطِلِ، وما يُخلِّفُونَه في النَّاسِ مِنَ العَوائِدِ الباطِلةِ، التي تُعانَى إزالَتُها مِنَ النَّاسِ بعدَ إسلامِهم [32] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/210)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/14). .
قوله: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أولِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ كلامٌ مُستأنَفٌ خُوطِبَ به كافَّةُ المُكَلَّفينَ بِطَريقِ التَّلوينِ، وكُلٌّ مأمورٌ باتِّباعِ ما أُنزِلَ إليه، والمقصودُ الأجدَرُ هُم المُشركونَ؛ تعريضًا بأنَّهم كَفَروا بنِعمةِ رَبِّهم [33] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/210)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/15). .
قولُه: مِنْ رَبِّكُمْ في التَّعَرُّضِ لوَصفِ الرُّبوبيَّةِ مع الإضافَةِ إلى ضميرِ المُخاطَبينَ: مزيدُ لُطفٍ بهم، وتَرغيبٌ لهم في الامتثالِ بما أُمِرُوا به، وتأكيدٌ لوُجُوبِه [34] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/211). .
قولُه: وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أولِيَاءَ المقصودُ مِن هذا النَّهيِ بعدَ الأمرِ بالاتِّباعِ؛ تأكيدُ مُقتضَى الأمرِ باتِّباعِ ما أُنزِلَ إليهم؛ اهتمامًا بهذا الجانِبِ مِمَّا أُنزِلَ إليهم، وتسجيلًا على المشركينَ، وقطعًا لمعاذيرِهم أنْ يَقُولوا: إنَّنا اتَّبَعْنا ما أُنزِلَ إلينا، وما نرى أولياءَنا إلَّا شُفَعاءَ لنا عندَ اللهِ، فما نعبُدُهم إلَّا لِيُقَرِّبونا إلى اللهِ زُلفَى، فإنَّهم كانوا يُمَوِّهونَ بِمثلِ ذلك [35] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/15). .
وقد أفاد مجموعُ قولِه: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أولِيَاءَ مَفادَ صِيغةِ قَصرٍ؛ كأنَّه قال: لا تَتَّبِعوا إلَّا ما أمَرَ به ربُّكم، أي: دُونَ ما يأمُرُكم به أولياؤُكم، فعَدَل عن طَريقِ القَصرِ؛ لتكون جملةُ: وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِه أَوْلِيَاءَ مُستقِلَّةً صريحةَ الدَّلالةِ؛ اهتمامًا بمضمونِها [36] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/17). .
وقولُه: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ اعتراضٌ تذييليٌّ مَسوقٌ لتَقبيحِ حالِ المُخاطَبينَ [37] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/211)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/14-17). .
ومَا مزيدةٌ لتَوكيدِ القِلَّةِ، أي: تذكُّرًا قليلًا، أو زمانًا قليلًا [38] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/86)، ((تفسير أبي السعود)) (3/211)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/18). .