غريب الكلمات:
نَكَالًا: أي: عُقوبةً وتنكيلًا، وعِبرةً وعِظَةً لِمَن وراءَهم، وأَصْلُ (نكل): المنعُ والامتناعُ؛ وسمِّي النَّكال؛ لأنَّه فعَلَ به ما يَمنعُه مِن المعاودةِ، ويَمنعُ غيرَه مِن إتيانِ مِثلِ صَنيعِه .
نَكَالًا: أي: عُقوبةً وتنكيلًا، وعِبرةً وعِظَةً لِمَن وراءَهم، وأَصْلُ (نكل): المنعُ والامتناعُ؛ وسمِّي النَّكال؛ لأنَّه فعَلَ به ما يَمنعُه مِن المعاودةِ، ويَمنعُ غيرَه مِن إتيانِ مِثلِ صَنيعِه .
يَأمرُ اللهُ تعالى بقَطْعِ يدِ السَّارقِ والسَّارقةِ مقابلَ ما اقترفاهُ مِن أخْذِ المالِ الحرامِ، وعقوبةً رادعةً مِن اللهِ تعالى لهما، وزَجرًا لغيرِهما عن الوقوعِ في هذا الجُرمِ الخَطير، واللهُ سُبحانَه عزيزٌ حكيمٌ.
فمَن تابَ مِنَ السَّرقةِ التي ظلَمَ بها نفْسَه وغيرَه، ورجَع إلى اللهِ وأصْلَحَ عَملَه؛ فإنَّ اللهَ يَقبَلُ توبتَه؛ إنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ.
ثم ذَكَرَ اللهُ تعالى ما يدلُّ على عظمةِ مُلكِه ونفاذِ أمرِه قائلًا: أَلَمْ تَعْلَمْ أيُّها المخاطَبُ أنَّ اللهَ تعالى هو مَن يملِكُ السَّمواتِ والأرضَ؛ يُعذِّب مَن يُريد، ويَغفِرُ لِمَن يُريد، وهو على كلِّ شيءٍ قادرٌ لا يُعجِزُه شيءٌ.
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38).
مناسَبَةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
في مناسَبَةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها وجهانِ:
الأوَّل: أنَّه تعالى لَمَّا أوجبَ في قوله: أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ قَطْعَ الأيدي والأَرجُلِ عند أخْذِ المالِ على سَبيلِ المحارَبةِ؛ بَيَّن في هذه الآيةِ أنَّ أخْذَ المالِ على سبيلِ السَّرِقةِ يُوجِبُ قَطعَ الأَيدي فقط، وجاءتِ السُّنَّةُ بقَطْعِ الأَرجُلِ أيضًا في السَّرِقةِ
؛ إذِ السَّرقةُ أيضًا حِرابةٌ من حيثُ المعنى؛ لأنَّ فيها سعيًا بالفَسَادِ إلَّا أنَّ تِلك تكونُ على سبيلِ الشَّوْكةِ والظُّهورِ
.
الثاني: أنَّه تعالى لَمَّا ذكَر تعظيمَ أمْرِ القتْلِ في قولِه: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا؛ ذكَر بعدَ هذا الجناياتِ التي تُبيحُ القَتْلَ والإيلامَ، فذكَر أولًا: قطْعَ الطَّريق، وثانيًا: أمْرَ السَّرِقةِ
.
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا.
أي: ومَن سرَق- رجلًا كانَ أوِ امرأةً- فاقْطَعوا أيُّها النَّاسُ
يدَه اليُمنى (فتُقطَعُ مِن مَفْصِل الكَفِّ)
.
جَزَاءً بِمَا كَسَبَا.
أي: جاءَ هذا الحُكمُ بالقطعِ مُجازاةً للسَّارقِ والسَّارقةِ على ما اكتسَباهُ من المالِ الحرامِ
.
نَكَالًا مِنَ اللَّهِ.
أي: وجاءَ الحُكمُ بالقطعِ أيضًا عقوبةً رادعةً لهما على لُصوصيَّتِهما، وزجرًا لهما عنِ اعتيادِ هذا الجُرْم، وزجرًا لغيرِهما عن الإقدامِ عليه
.
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
أي: واللهُ عزَّ وجلَّ ذو القَهرِ والغَلبةِ، العزيزُ في انتقامِه من هذا السَّارقِ وهذه السَّارقةِ، وغيرِهما من أهلِ معاصيه، وهو الحكيمُ في حُكمِه فيهم، وقَضائِه عليهم، وفي غيرِ ذلِك مِن أوامرِه ونَواهيهِ وشَرائعِه وأقدارِه؛ فحُكمُه في الجميعِ نافذٌ، وكلُّ شيءٍ يَضعُه في موضعِه اللَّائق
.
فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39).
فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ.
أي: فمَن رجَعَ- بَعدَ سَرقتِه التي ظَلمَ بها نَفْسَه وغيرَه- إلى اللهِ تعالى، وأَصلحَ عمَلَه وما أفْسدَه بظُلمِه؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَقبَلُ توبتَه
.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
أي: إنَّ اللهَ تعالى يَستُر ذُنوبَ عِبادِه، ويتجاوزُ عن مؤاخذتِهم بها، وهو رحيمٌ بهم، ومِن رحمتِه أنَّه يُوفِّقُهم للتوبةِ، ويَقبَلُها منهم
.
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40).
مناسَبَةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا أَوْجبَ اللهُ تعالى قَطْعَ اليدِ، وعِقابَ الآخِرَةِ على السَّارقِ قبلَ التوبةِ، ثم ذَكَر أنَّه يَقبَلُ توبتَه إنْ تابَ- أَرْدَفَه سُبحانَه ببيانِ أنَّ له أنْ يَفعلَ ما يشاءُ، ويَحكُمَ ما يُريدُ؛ فيُعذِّبَ مَن يشاءُ، ويغفرَ لِمَن يشاءُ
، فقال:
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.
أي: ألَمْ تَعلَمْ
أنَّ اللهَ تعالى هو المالكُ لجَميعِ ما في السَّمواتِ وما في الأرضِ، وهو المَلِكُ المتصرِّفُ فيه بما يشاءُ سُبحانَه
.
يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ.
أي: يُعذِّبُ مَن يشاءُ مِن خَلقِه بعَدْلِه، ويَغفرُ لِمَن يشاءُ منهم بفَضْلِه؛ فكلُّ العبادِ ملْكُه وإليه أمْرُهم، ولا نَسبَ بينه وبين أحدٍ منهم فيُحابِيَه، وإنَّما يُعذِّبُ ويغفرُ بحسَبِ ما اقتضتْه حِكمتُه سُبحانَه
.
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
أي: واللهُ قادِرٌ على كلِّ شيءٍ أرادَه، لا يُعجِزُه شيءٌ أبدًا، ومِن ذلك قُدرتُه على تعذيبِ مَن أراد تَعذيبَه مِن عبادِه، والغُفرانِ لمَن أرادَ أنْ يَغفرَ له منهم
.
1- أنَّ فِعلَ المعاصي، وترْكَ الواجباتِ ظُلمٌ؛ لقولِه: مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ؛ وذلك أنَّ النَّفْسَ عندَ الإنسانِ أمانةٌ، يجبُ أن يَسعَى لها بما هو الأصلحُ والأنفعُ، فإذا خالفَ فهو ظالمٌ، خائنٌ للأمانةِ
.
2- حثُّ الإنسانِ على التوبةِ حتَّى لو ظَلَمَ؛ لقول اللهِ تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ واللهُ تعالى لم يقُلْ هذا لمجرَّدِ الخبرِ؛ بل لأجْلِ الحثِّ على التوبةِ
.
1- مِن الحِكم في الابتداءِ بالسارقِ في قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، وبالزانيةِ في قوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي [النور: 2] أنَّ السَّرِقةَ مبناها على القُوَّة والجَلَد والنَّشاط والجُرْأة، والرِّجالُ أخصُّ مِن النِّساء في هذا، فبدَأ بهم؛ ولذلك نجِد السُّرَّاقَ مِن الرجالِ أكثرَ مِن النِّساءِ، أمَّا الزِّنا فبالعكس؛ لأنَّ الزِّنا سِلعُ البَغايا- والعياذ بالله- فبدأ بالزَّانيةِ؛ لأنَّ أكثرَ ما يُوجد سببُه من النِّساءِ، ولأنَّ أثرَ الزِّنا يظهرُ عليها في الحبَل، وإزالةِ العُذرةِ؛ فهو في حقِّها أشنعُ، وقيل غير ذلك
.
2- ظاهرُ قولِه تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وجوبُ قطعِ أيديهما بأيِّ سرقةٍ، لكن السُّنَّة قَيَّدتْ عُمومَ هذه الآيةِ من عِدَّةِ أوجه
:
منها: الحِرْز؛ فإنَّه لا بدَّ أنْ تكونَ السرقةُ مِن حِرْز، وحِرزُ كلِّ مالٍ: ما يُحفَظُ به عادةً، فلو سَرَق مِن غيرِ حِرْزٍ فلا قَطْعَ عليه.
ومنها: أنَّه لا بدَّ أن يكونَ المسروقُ نِصابًا، وهو رُبعُ دِينارٍ، أو ثلاثةُ دَراهمَ، أو ما يُساوي أحدَهما؛ فلو سرَقَ دونَ ذلك فلا قَطْعَ عليه.
ومنها: أنه يُشترط أيضًا أن يكونَ المسروقُ مالًا مُحتَرَمًا.
ومنها: اشتراطُ انتفاءِ الشُّبهة
.
3- قوله: فَاقْطَعُوا استُدِلَّ بِه على أنَّه يجبُ على الأمَّةِ أن يَنصِبوا لأنفسِهم إمامًا معيَّنًا؛ لأنَّه تعالى أوجبَ بهذه الآيةِ إقامةَ الحدِّ على السُّرَّاقِ، فلا بدَّ من شخصٍ يكون مخاطَبًا بهذا الخِطابِ، وأجمعتِ الأُمَّةُ على أنَّه ليس لآحادِ الرعِيَّة إقامةُ الحدودِ على الأحرارِ الجُناةِ إلَّا الإمام، فلمَّا كان هذا تكليفًا جازمًا، ولا يُمكنُ الخروجُ من عُهدتِه إلَّا بوجودِه وجَبَ نصْبُه؛ لأنَّ ما لا يأتي الواجبُ إلَّا به، وكان مَقدورًا للمُكلَّف، فهو واجبٌ
.
4- قَطعُ يدِ السَّارقِ والسَّارقةِ يكونُ لليُمنى، كما أجْمَع عليه العلماءُ، وفَسَّر ذلك قراءةُ عبدِالله بن مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: (فاقْطَعوا أيمانَهما)، فالغالِبُ أنَّ الأخْذَ والإعطاءَ والسَّرِقةَ باليَمينِ؛ فنَاسَبَ أنْ تُقطَعَ اليُمنى دُونَ اليُسرَى، فتُقطَع اليدُ اليُمنى برُبعِ دِينارٍ؛ بعدَ دَرْء الشُّبُهاتِ المنصوصِ عليها في كتُبِ الفِقهِ
.
5- جعَلَ اللهُ حدَّ السرقةِ قطعَ اليدِ؛ لتناوُلِها المالَ؛ لقولِه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، ولم يجعلْ حدَّ الزِّنا قَطْعَ الذَّكرِ معَ موافقةِ الفاحشةِ به؛ لأمورٍ: أحدها: أنَّ للسَّارقِ مِثلَ يَدِه التي قُطِعتْ، فإنِ انزجَرَ بها اعتاضَ بالباقيةِ، وليس للزَّاني مِثلُ ذَكرِه إذا قُطِع، ولم يَعتَضْ بغيرِه لو انزَجَر بقَطعِه. الثاني: أنَّ الحدَّ زجرٌ للمحدودِ ولغيرِه، وقطْعُ يدِ السارقِ ظاهرٌ، وقَطعُ الذَّكرِ في الزِّنا باطنٌ. الثالث: أنَّ قَطْعَ الذَّكرِ إبطالٌ للنَّسلِ، وليس في قطعِ اليدِ إبطالٌ للنَّسْل
.
6- قوله: بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ فيه ردٌّ ظاهرٌ على الجبريَّة، ووجهٌ آخَرُ معنويٌّ، وهو: أنَّه لو كان السارقُ والسارقةُ مُجبرَينِ ما صحَّ أنْ يُعاقَبَا؛ لأنَّ المُجْبَرَ لا حُكمَ لفِعْله، حتَّى المُكرَهُ على الكُفرِ إذا كان قلبُه مُطمئنًّا بالإيمان، فإنَّه لا يَكفُرْ
.
7- أنَّ الحدودَ كفَّارةٌ؛ لقوله: جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ولا يُضاعِفُ اللهُ عليه الجزاءَ
.
8- في قولِه تعالى: نَكَالًا مِنَ اللَّهِ توضيحٌ للحِكمةِ في إيجابِ الحدودِ، والنَّكالُ يكونُ للغيرِ؛ كما قال اللهُ تعالى: فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا [البقرة: 66] ، فإنَّ مَن عَلِمَ أنَّ يدَه سوف تُقطَعُ بالسَّرقةِ سوف يَنكُلُ عنها ولا يَسرِقُ
.
9- حُسْن الخِتامِ في الآياتِ الكريمةِ، وأنَّها مطابِقةٌ تمامًا للأحكامِ التي خُتِمت بها، فالعِزَّة مِن معناها الغَلَبةُ، ولا شكَّ أنَّ إيجابَ قَطْعِ الأيدي يدلُّ على العِزَّةِ والغَلبةِ وكمالِ السُّلطة، كما أنَّ الحِكمةَ أيضًا تُنَاسِبُ القطعَ؛ لأنَّ فيها حُكمًا صارمًا، وفيها أيضًا حِكمةٌ بالغةٌ؛ فلذلك كانتِ الجملة: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ مطابِقةً تمامًا لِمَا ذُكِر في الآية الكريمةِ مِن قطعِ يدِ السَّارق
، وقد رُوِيَ أنَّ بعضَ الأعرابِ سَمِع قارئًا يقرأُ: وَالسَّارِقُ والسَّارِقَةُ إلى آخِرها، وختَمَها بقوله: وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فقال: ما هذا كلامٌ فصيحٌ! فقيل له: ليس التلاوةُ كذلك، وإنَّما هيِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فقال: بخٍ بخٍ؛ عزَّ فحَكَم فقَطَع
!
10- في قوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ردٌّ على كلِّ ناعقٍ يقولُ: إنَّ قطْعَ الأيدي وحشيَّةٌ، وأنَّ ذلك يستلزمُ أن يكونَ نصفُ الشَّعبِ أشلَّ، ليس له إلَّا يدٌ واحدةٌ؛ فيُقال: بل هذِه هي عينُ الحِكمةِ وعينُ الصَّوابِ؛ فاللهُ تعالى أَوجبَ قطْعَ يدِ السَّارقِ لحِكمتَينِ: ليطهِّرَ صاحبَها من هذه الرذيلةِ الدنيَّةِ الخبيثةِ، وكذلك ليردَعَ الناسَ عن أموالِ الناس؛ لأنَّ المالَ هو شَريانُ الحياةِ، وبه قِوامُ شُؤونِها، فأَمَرَ بقَطْع يد السَّارقِ؛ محافظةً على أموالِ المجتمَع؛ لأنَّه لو تُرِك النَّاسُ لحصلتِ الفوضى، وابتزازُ الأموالِ، والسَّطْوُ على الآمنينَ، فكان قطْعُ اليدِ لا شكَّ أنَّه هو الحِكمةُ
.
11- الفائدةُ من ذِكر قوله: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ... بعدَ قوله: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا هي أنَّ السارقَ قدْ تُقطَعُ يدُه، ومعلومٌ أنَّ إقامةَ الحدِّ تُكفِّرُ ذنبَه، لكنَّه إذا كان في قَرارةِ نفْسِه يُريد أن يَسرِقَ إذا سَنحَتْ له الفُرصةُ، فهو في هذه الحال لم يتُبْ، فإنَّ الحدودَ كفارةٌ لِمَا مضَى، وأمَّا ما يبقَى في قلبِه من إرادةِ المعصيةِ، فلا بدَّ أن يتوبَ منها
.
12- في قوله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أن السارقَ إذا تابَ قبلَ القطعِ تابَ اللهُ عليه، واستُدلَّ بها على أنه يَسقطُ عنه الحدُّ؛ لأنَّ ذِكْرَ الغفورِ الرَّحيم في آخِرِ هذه الآيةِ يدلُّ على سقوطِ العقوبةِ عنه، والعقوبةُ المذكورةُ في هذه الآيةِ هي الحدُّ، فظاهِرُ الآيةِ يَقتضي سُقوطَها
.
13- يقترنُ قولُه: غَفُورٌ رَحِيمٌ كثيرًا في القرآن؛ لأنَّ بالأوَّلِ زوالَ المكروهِ، وبالثاني حُصولَ المحبوبِ؛ فالأوَّلُ غفورٌ، يعني: للذُّنوبِ، والثاني رحيمٌ، يعني: أنَّه يُوصِلُ الخيرَ إلى عِبادِه بمُقتضَى رحمتِه سُبحانَه وتعالى
.
1- قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا: فيه دفْعُ توهُّمٍ؛ حيث ذَكَر (السَّارِقَة) مع (السَّارِق)؛ لدفْع توهُّمِ أنْ يكونَ صِيغةُ التذكيرِ في السَّارِق قيدًا بحيث لا يُجرَى حدُّ السَّرِقةِ إلَّا على الرِّجال، وقد كانتِ العربُ لا يُقيمونَ للمرأةِ وَزْنًا؛ فلا يُجرونَ عليها الحدودَ، وهو الدَّاعي إلى ذِكر الأُنْثى في قولِه تعالى في سورة البقرة: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى
[البقرة: 178] .
2- قوله: جَزَاءً مصدرٌ مؤكِّدٌ لفِعلِه الذي يدلُّ عليه فَاقْطَعُوا، أي: فجازُوهما جزاءً
، على أحدِ الأوجهِ في الإعرابِ.
3- قوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أكِّدت الجملةُ بـ(إنَّ)؛ مِن أجْلِ طُمأنينةِ العبدِ التائبِ بأنَّ توبتَه لن تَذهبَ سُدًى
.
- وجاءَ بلفظتَيْ غَفُورٌ رَحِيمٌ على هيئةِ صِيغةِ المبالغةِ؛ للمُبالغةِ في وصْفِه بالمغفرةِ والرحمةِ؛ ولذلك يَقبلُ توبتَه، وهو تعليلٌ لِمَا قَبلَه
.
- وإظهارُ الاسمِ الجليلِ اللَّهَ؛ للإشعارِ بعِلَّة الحُكم، وتَأييدِ استقلالِ الجُملةِ
.
4- قوله: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الاستفهامُ إنكاريٌّ لتقريرِ العِلم، والجملةُ استئنافٌ بيانيٌّ؛ جوابٌ لِمَن يسألُ عن انقلابِ حالِ السَّارقِ مِن العقابِ إلى المغفرةِ بعدَ التوبةِ، مع عِظمِ جُرْمِه: بأنَّ اللهَ هو المتصرِّفُ في السَّمواتِ والأرضِ وما فيهما؛ فهو العليمُ بمواضعِ العِقابِ، ومواضعِ العَفْوِ
.
5- قوله: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ فيه: مناسبةٌ حسنةٌ؛ حيثُ قُدِّمُ التعذيبُ على المغفرةِ؛ لأنَّه في مُقابلةِ تَقدُّمِ السَّرِقةِ على التوبةِ، ولأنَّ الكلامَ هنا عن الحدودِ والعقوباتِ؛ فناسَب أن يُقدَّمَ التعذيبُ على المغفرةِ
.
6- قوله: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيه: إظهارٌ في مقامِ الإضمارِ- حيث قال: (والله)، ولم يقُلْ: (وهو)-؛ لإظهارِ كمالِ قُدرةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والجملةُ تذييلٌ مُقرِّرٌ لِمَا قبلها
.