موسوعة التفسير

سورةُ يس
الآيات (28-32)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ

غَريبُ الكَلِماتِ:

خَامِدُونَ: أي: مَيِّتونَ هالِكونَ، وأصلُ (خمد): يدُلُّ على سُكونِ الحَركةِ، والسُّقوطِ [264] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/428)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 211)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/215)، ((المفردات)) للراغب (ص: 298)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 348)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 437). .
يَا حَسْرَةً: الحسرةُ: التَّلهُّفُ والاغتِمامُ على ما فاتَ ولا يمكِنُ ارتجاعُه، وهي أشدُّ النَّدامةِ، وأصلُ (حسر): كشْفُ الشَّيءِ، فالحسرةُ انكشافٌ عن حالِ النَّدامةِ [265] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 186)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/62)، ((البسيط)) للواحدي (3/481) و(18/ 474)، ((تفسير القرطبي)) (15/23)، ((تفسير ابن كثير)) (6/574)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 176، 218). .
الْقُرُونِ: جمعُ قَرْنٍ، والقَرنُ: القومُ أو الأُمَّةُ مِنَ النَّاسِ المَقترنونَ في زمنٍ واحدٍ، غير مُقَدَّرٍ بمدَّةٍ مُعَيَّنةٍ، وقيل: مدَّةُ القرنِ مِئةُ سَنةٍ، وقيل: ثمانونَ، وقيل: ثلاثون، وقيل غيرُ ذلك، وهو مأخوذٌ مِن الاقترانِ، وهو اجتماعُ شَيئَينِ أو أشياءَ في معنًى مِن المعاني، وأصلُ (قرن): يدُلُّ على جمعِ شَيءٍ إلى شَيءٍ [266] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 150)، ((معاني القرآن)) للنحاس (2/400)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/76، 77)، ((المفردات)) للراغب (ص: 667)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 155)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 729). .

مُشكِلُ الإعرابِ:

قَولُه تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ * وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ
(كم) هنا خَبَريَّةٌ في محلِّ نَصبٍ مَفعولٌ بـ أَهْلَكْنَا، والتَّقديرُ: كثيرًا مِن القرونِ أهلَكْنا. وهي مُعَلِّقَةٌ لـ يَرَوْا عن العمَلِ ذَهابًا بالخَبريَّةِ مذهَبَ الاستِفهاميَّةِ. وقيل: (كم) استفهاميَّةٌ، وعلى كُلٍّ فالجُملةُ كَمْ أَهْلَكْنَا سَدَّت مَسَدَّ مَفعولَي يَرَوْا؛ لأنَّ الرُّؤيةَ عِلميَّةٌ، وأَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ مَصدَرٌ مُؤوَّلٌ في موضعِ نَصبٍ، بَدَلٌ مِن محلِّ كَمْ أَهْلَكْنَا على تقديرِ: ألم يَرَوا أنَّ القُرونَ الَّذين أهلَكْناهم أنَّهم إليهم لا يَرجِعونَ. وقيل: المصدرُ المؤوَّلُ في محلِّ نَصبٍ على نزعِ الخافِضِ متعلق بـ أَهْلَكْنَا، أي: بأنَّهم، وكأنَّه قيل: أهلَكْناهم بأنَّهم لا يَرجِعونَ، أي: بهذا الضَّربِ مِن الهلاكِ. وقيل: المصدَرُ المؤوَّلُ مَعمولٌ لفِعلٍ محذوفٍ دَلَّ عليه السِّياقُ، والمعنى: قَضَيْنا وحَكَمْنا أنَّهم لا يَرجِعونَ [267] يُنظر: ((الكتاب لسيبويه)) (3/132)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/285)، ((شرح كتاب سيبويه)) للسيرافي (3/353)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/1081)، ((تفسير أبي حيان)) (9/63)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (9/260)، ((مغني اللبيب- مع حاشية الأمير)) (1/157، 158)، ((حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي)) (7/238)، ((تفسير الألوسي)) (12/5). .
قَولُه تعالى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ
(إِنْ) نافيةٌ، و كُلٌّ مُبتدأٌ وتنوينُه عِوَضٌ عن المضافِ إليه، ولَمَّا بمعنى (إلَّا) الاستِثنائيَّةِ، وجَمِيعٌ خبَرُ المبتدأِ كُلٌّ، ولَدَيْنَا ظَرفٌ مُتعَلِّقٌ بـ جَمِيعٌ؛ لأنَّه بمعنى مَفعولٍ، أي: مجموعونَ، أو مُتعَلِّقٌ بـ (مُحضَرون)، و (مُحْضَرُونَ) خبَرٌ ثانٍ لـ (كُلٌّ)، أو نعتٌ لـ جَمِيعٌ وجُمِعَ على المعنى، والمعنى: ما كُلُّهم إلَّا مجموعونَ لدينا، مُحضَرون للحِسابِ والجزاءِ. وقُرِئَ لَمَا بالتَّخفيفِ [268] قرأها بالتَّشديدِ: ابنُ عامرٍ وعاصمٌ وحمزةُ والكِسائيُّ، والباقون بتخفيفِها. يُنظر: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 597)، ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/291). ؛ وعليه فـ (إنْ) مُخفَّفةٌ مِن الثَّقيلةِ، واللَّامُ في لَمَا فارقةٌ، و(ما) مَزيدةٌ للتَّأكيدِ، والمعنى: وإنَّ الشَّأنَ كُلٌّ لَجميعٌ لدينا مُحضَرونَ، وهذا مَذهَبُ البصريِّينَ، وذهب الكوفيُّونَ إلى أنَّ (إنْ) نافيةٌ، واللَّامُ في لَمَا بمَعنى (إلَّا)، و (ما) مزيدةٌ للتَّأكيدِ، والمعنى كما في قِراءةِ التَّشديدِ [269] يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/286)، ((البسيط)) للواحدي (18/476)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (9/264)، ((تفسير الألوسي)) (12/7). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى مبيِّنًا ما نزَل بأصحابِ القريةِ مِن عذابٍ أهلَكهم: وما أنزَلْنا على قَومِ ذلك الرَّجُلِ المؤمِنِ -بعدَ أن قتَلوه- ملائِكةً مِن السَّماءِ لإهلاكِهم، وما كُنَّا مُنزِلينَ؛ فما كانت عُقوبتُهم إلَّا صَيحةً واحِدةً، فإذا هم ميِّتون هامِدونَ! يا حَسرةً على العِبادِ؛ فما يأتيهم في الدُّنيا مِن رَسولٍ إلَّا استَهزؤوا به!
ألم يَرَوْا أنَّنا أهلَكْنا كثيرًا مِن الأُمَمِ السَّابقةِ عليهم؛ بسَبَبِ إصرارِهم على كُفرِهم، واستِهزائِهم برُسُلِهم، وأنَّ هؤلاء المُهلَكينَ لا يَرجِعون إليهم؟! وما مِن أمَّةٍ مِن الأُمَمِ إلَّا وستُحضَرُ إلينا يومَ القيامةِ؛ لِنُحاسِبَها على أعمالِها.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
بعدَ أن بيَّن تعالى حالَ النَّاصحِ الشَّهيدِ، ودُخولَه الجنَّةَ- أردَف ذلك ذِكرَ حالِ المتخَلِّفينَ المُخالِفينَ له [270] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/268)، ((تفسير المراغي)) (23/4). .
وأيضًا فهو رُجوعٌ إلى قِصَّةِ أصحابِ القريةِ بعدَ أن انقَطَعَ الحديثُ عنهم بذِكْرِ الرَّجُلِ المؤمنِ الَّذي جاءَ مِن أقصَى المدينةِ ناصحًا لهم، وكان هذا الرُّجوعُ بمُناسَبةِ أنَّ القومَ قومُ ذلك الرَّجُلِ [271] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/5). .
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28).
أي: وما أنزَلْنا على قَومِ الرَّجُلِ المؤمِنِ -مِن بَعدِ قَتلِهم له- مَلائِكةً مِنَ السَّماءِ لإهلاكِهم، وما كُنَّا مُنزِلينَ لهم [272] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/426 - 428)، ((تفسير ابن كثير)) (6/572، 573)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/116)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/5)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 98، 99). قيل: ما أنزَل الله جُندًا مِن السَّماءِ لإهلاكِهم؛ لأنَّهم أهْوَنُ مِن ذلك وأحقرُ، والأمرُ كان أيسَرَ مِن ذلك. وممَّن اختار هذا المعنى في الجملةِ: ابنُ جُزَي، وابن كثير، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/181)، ((تفسير ابن كثير)) (6/572)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 99). وقال الشوكاني: (وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ... لِسَبْقِ قَضائِنا وقَدَرِنا بأنَّ إهلاكَهم بالصَّيحةِ لا بإنْزالِ الجُنْدِ). ((تفسير الشوكاني)) (4/421). وقيل: معنى الآيةِ: ما أنزَلْنا عليهم مِن رسالةٍ مِن السَّماءِ ولا نَبِيٍّ بعدَ قَتلِه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/426)، ((تفسير الشوكاني)) (4/421). قال ابنُ جُزَي: (ولَفظُ الجُندِ ألْيَقُ بالمعنى الأوَّلِ [أي: إنزالِ ملائكةٍ لإهلاكِهم]، وكذلك ذِكرُ الصَّيحةِ بعدَ ذلك). ((تفسير ابن جزي)) (2/181). وقال ابن جرير: (وذلك أنَّ الرِّسالةَ لا يُقالُ لها جُنْدٌ... وأنَّ الرُّسُلَ مِن بني آدمَ لا يُنْزَلونَ مِن السَّماءِ، والخبرُ في ظاهرِ هذه الآيةِ عن أنَّه لم يُنْزِلْ مِن السَّماءِ بعدَ مَهْلِكِ هذا المؤمنِ على قومِه جُندًا، وذلك بالملائكةِ أشْبَهُ منه ببَني آدَمَ). ((تفسير ابن جرير)) (19/428) بتصرف يسير. وقال أبو حيَّان: (وأخبَر تعالى أنَّه لم يُنْزِلْ عليهم لإهلاكِهم جُندًا مِنَ السَّماءِ، كالحجارةِ والرِّيحِ وغيرِ ذلك). ((تفسير أبي حيان)) (9/59). وقال أبو السعود: (وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ وما صحَّ في حِكمتِنا أنْ نُنزِلَ لإهلاكِ قَومِه جُندًا مِن السَّماءِ؛ لِما أنَّا قَدَّرْنا لكلِّ شيءٍ سَبَبًا؛ حيثُ أهلَكْنا بعضَ مَن أهلَكْنا مِن الأُمَمِ بالحاصبِ، وبعضَهم بالصَّيحةِ، وبعضَهم بالخَسفِ، وبعضَهم بالإغراقِ، وجعَلْنا إنزالَ الجُندِ مِن خصائصِكَ في الانتِصارِ مِن قَومِك. وقيل: (ما) موصولةٌ مَعطوفةٌ على جُنْدٍ، أي: وما كنَّا مُنزِلينَ على مَن قَبْلَهم مِن حِجارةٍ وريحٍ وأمطارٍ شديدةٍ وغيرِها). ((تفسير أبي السعود)) (7/165). .
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29).
أي: ما كانت عُقوبةُ أصحابِ القَريةِ إلَّا صَيحةً واحِدةً بلا تَكرارٍ؛ فإذا هم مَيِّتونَ هامِدونَ [273] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/426 - 428)، ((تفسير القرطبي)) (15/21، 22)، ((تفسير السعدي)) (ص: 695)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/6). .
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30).
أي: يا حَسرةً على العِبادِ [274] قال الشوكاني: (قال ابنُ جرير: المعنى: يا حسرةً مِن العبادِ على أنفُسِهم، وتَنَدُّمًا وتَلَهُّفًا في استهزائِهم برُسُلِ اللهِ، ... وقال الضَّحَّاكُ: إنَّها حَسرةُ الملائكةِ على الكُفَّارِ حينَ كذَّبوا الرُّسُلَ. وقيل: هي مِن قَولِ الرَّجُلِ الَّذي جاء مِن أقصى المدينةِ. وقيل: إنَّ القائِلَ: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ هم الكُفَّارُ المكَذِّبونَ، والعِبادُ: الرُّسُلُ؛ وذلك أنَّهم لَمَّا رأَوُا العذابَ تحسَّروا على قَتلِهم، وتَمَنَّوُا الإيمانَ. قاله أبو العاليةِ، ومجاهِدٌ. وقيل: إنَّ التَّحسُّرَ عليهم هو مِن الله عزَّ وجلَّ بطريقِ الاستِعارةِ؛ لتعظيمِ ما جَنَوْهُ). ((تفسير الشوكاني)) (4/422). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/428). وممَّن اختار أنَّ المعنى: يا ندامةً للعبادِ في الآخرةِ على أنفُسِها في استهزائِهم برُسُلِ اللهِ في الدُّنيا: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابن جرير، والسمرقندي، والواحدي، والسمعاني. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/578)، ((تفسير ابن جرير)) (19/429)، ((تفسير السمرقندي)) (3/121)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 899)، ((تفسير السمعاني)) (4/375). وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السَّلَفِ: ابنُ عبَّاسٍ، وقَتادةُ، ومجاهدٌ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/429)، ((البسيط)) للواحدي (18/475)، ((تفسير الثعلبي)) (8/127). وقيل: المرادُ: أنَّ التحَسُّرَ واقِعٌ عليهم مِن غيرِهم؛ فطِباعُ كُلِّ بشَرٍ توجِبُ عندَ سماعِه حالَهم وعذابَهم على الكُفرِ وتضييعِهم أمرَ اللهِ تعالى: أن يُشفِقَ ويَتحَسَّرَ على العبادِ؛ فهم أحِقَّاءُ بأن يَتحسَّرَ عليهم المتحَسِّرون، ويَتلهَّفَ على حالِهم المتلَهِّفون. وممَّن قال بهذا المعنى: الزمخشريُّ، وابنُ عطيَّة. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/13)، ((تفسير ابن عطية)) (4/452). وقيل: هو مِن كلامِ اللهِ تعالى، واقِعٌ موقِعَ الرِّثاءِ للأُمَمِ المكَذِّبةِ لرُسُلِها. وممَّن قال بهذا المعنى: السعديُّ، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 695)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/7). قال ابن عثيمين: (وقيل: إنَّ التَّحَسُّرَ مِن اللهِ عزَّ وجَلَّ، لكِنْ ليس معناه أنَّه يتَّصِفُ به، بل المعنى أنَّه يُبَيِّنُ حَسرةَ العبادِ على أنفُسِهم، يقولُ: يا حَسرةً واقِعةً على العِبادِ؛ فتكونُ «على» قريبةً مِن معنى «مِن»، يعني: أنَّ الله تعالى يُبَيِّنُ أنَّ هؤلاء العبادَ المكَذِّبينَ سوف يَتحَسَّرون على تكذيبِهم، وهذا أقرَبُ إلى السِّياقِ؛ لِقَولِه: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ * يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ فالكلامُ كلامُ اللهِ، لكِنْ لَمَّا كان التَّحَسُّرُ نَدَمًا وألَمًا صار اللهُ تعالى مُنَزَّهًا عنه؛ فوجَبَ أن يكونَ المرادُ: يا حسرةً واقِعةً عليهم). ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 106). وقيل: لا مُتَحَسِّرَ أصلًا في الحقيقةِ؛ إذِ المقصودُ بيانُ أنَّ ذلك وقْتُ طلَبِ الحسرةِ حيثُ تَحَقَّقَتِ النَّدامةُ عندَ تَحقُّقِ العذابِ. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/269). ؛ فإنَّهم لا يأتيهم في الدُّنيا رَسولٌ مِن رُسُلِ اللهِ إلَّا وَقَعوا في الاستِهزاءِ به [275] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/429)، ((الوسيط)) للواحدي (3/513)، ((تفسير ابن كثير)) (6/574)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/117)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/8، 9). !
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بيَّن الله سبحانَه حالَ الأوَّلينَ؛ نبَّه الحاضِرينَ [276] يُنظر: ((تفسير المراغي)) (23/5). ، فقال تعالى:
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31).
أي: ألم يَرَوُا [277] ممَّن اختار أنَّهم كفَّارُ مكَّةَ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والثعلبيُّ، والواحدي، والبغوي، وابن الجوزي، وجلال الدين المحلي، والعُلَيمي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/578)، ((تفسير الثعلبي)) (8/127)، ((الوسيط)) للواحدي (3/513)، ((تفسير البغوي)) (4/12)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/522)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 418)، ((تفسير العليمي)) (5/480). وقيل: المرادُ: أهلُ مكَّةَ وغيرُهم مِن مُشرِكي العربِ. وممَّن قال بهذا المعنى في الجملةِ: يحيى ابنُ سلام، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/807)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 112). واختار ابنُ عاشور أنَّ الضَّميرَ يعودُ إلى العِبادِ كما يقتضيه تَناسُقُ الضَّمائرِ، ويَتعيَّنُ أن تُخَصَّ منه أوَّلُ أُمَّةٍ كذَّبَتْ رَسولَها، وهم قومُ نوحٍ؛ فإنَّهم لم يَسبِقْ قَبْلَهم هلاكُ أُمَّةٍ كذَّبَتْ رسولَها. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/9). الأُمَمَ الماضيةَ الكثيرةَ الَّتي أهلَكْناها؛ بسَبَبِ تَكذيبِهم، أو استِهزائِهم برُسُلِ اللهِ: كيف لم تكُنْ لهم رَجعةٌ إليهم [278] يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/807)، ((تفسير ابن جرير)) (19/430)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/522)، ((تفسير ابن كثير)) (6/574)، ((تفسير السعدي)) (ص: 695)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 113). قيل: معنى أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ: أنَّ المُهلَكينَ لا يَرجِعونَ إلى الدُّنيا. وممَّن قال بهذا المعنى: يحيى بنُ سلام، وابنُ كثير، والسعديُّ، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/807)، ((تفسير ابن كثير)) (6/574)، ((تفسير السعدي)) (ص: 695)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 113). قال الرازي: (قَولُه: أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ فيه وجهانِ؛ أحدُهما: أُهلِكوا إهلاكًا لا رُجوعَ لهم إلى مَن في الدُّنيا. وثانيهما: هو أنَّهم لا يَرجِعونَ إليهم، أي: الباقونَ لا يَرجِعونَ إلى المُهلَكينَ بنَسَبٍ ولا وِلادةٍ، يعني: أهْلَكْناهم وقَطَعْنا نَسْلَهم، ولا شكَّ في أنَّ الإهلاكَ الَّذي يَكونُ مع قطعِ النَّسلِ أتَمُّ وأعَمُّ. والوجهُ الأوَّلُ أشهرُ نَقْلًا، والثَّاني أظهرُ عقلًا). ((تفسير الرازي)) (26/271). وقيل: المعنى: أنَّهم إلى رُسُلِ اللهِ -الَّذين استَهزؤوا بهم- لا يَرجِعونَ عن مذاهِبِهم الخبيثةِ، ولا يَخصُّونهم بالاتِّباع، فالمعنى: ألم يَرَ المكذِّبون المستهزِئون بالرُّسُلِ أنَّ القرونَ الكثيرةَ الَّتي أهلكها اللهُ بسبب ذلك: لا يَرجِعون إلى رُسُلِهم فيتَّبِعونهم، ويَترُكون تكذيبَهم والاستهزاءَ بهم، أفلا يَخْشَوْنَ أن يَقَعَ بهم مِن الهلاكِ مِثلُ ما وقع للسَّابقينَ؛ لِمُخالفتِهم لِرُسُلِهم؟ قاله البِقاعي. يُنظر: ((نظم الدرر)) (16/118-120). ؟
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان كثيرٌ مِن أهلِ الجَهلِ وذَوي الحَمِيَّةِ والأنَفةِ لا يُبالون بالهَلاكِ في مُتابعةِ الهوى؛ اعتمادًا على أنَّ مَوتةً واحِدةً في لحظةٍ يَسيرةٍ أهْوَنُ مِن حَملِ النَّفْسِ على ما لا تُريدُ، فيكونُ لهم في كُلِّ حينٍ مَوتاتٌ- أخبَرَ تعالى أنَّ الأمرَ غيرُ مُنقَضٍ بالهلاكِ الدُّنيويِّ، بل هناك مِن الخِزيِ والذُّلِّ والهَوانِ والعُقوبةِ والإيلامِ ما لا يَنقضي أبدًا، فقال [279] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/121). :
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32).
أي: إنَّ كُلَّ الأممِ ستُحضَرُ يومَ القيامةِ عندَ اللهِ مُجتَمِعينَ للحِسابِ والجَزاءِ [280] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/431)، ((تفسير الرازي)) (26/271)، ((تفسير ابن كثير)) (6/574، 575)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/121، 122)، ((تفسير السعدي)) (ص: 695)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 116). قيل: كَلِمةُ كُلٌّ تُفيدُ أنَّ الإحضارَ مُحيطٌ بهم بحيث لا يَنفلِتُ فريقٌ منهم، وكلمةُ جَمِيعٌ تُفيدُ أنَّهم مُحضَرونَ مُجتَمِعينَ؛ فليست إحدى الكَلِمَتينِ بمُغْنِيةٍ عن ذِكرِ الأُخرى. وممَّن قال بهذا المعنى: الزمخشريُّ، وابنُ عاشور، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/14)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/11)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 116). .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ أنَّه يجِبُ على الإنسانِ أنْ يَنظُرَ ويَعتبِرَ؛ بحيثُ إذا نَظَرَ في عواقبِ النَّاسِ اتَّخَذَ مِن ذلك عِبرةً؛ لأنَّ الاستِفهامَ هنا -مع كَونِه للتَّقريرِ- مُفيدٌ للتَّوبيخِ؛ لأنَّ الواجِبَ على مَن نَظَر في عاقبةِ المكذِّبِينَ أن يَرتدِعَ عن الكَذِبِ [281] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 114). .
2- في قَولِه تعالى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ وُجوبُ الاستِعدادِ لهذا اليومِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لم يُخبِرْنا به لمجرَّدِ الاطِّلاعِ، ولكِنَّه أخبَرَنا به مِن أجْلِ أن نستعِدَّ له حتَّى نكونَ على أُهْبةٍ لِمَا سنُحاسَبُ عليه [282] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 116). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: مِنَ السَّمَاءِ أنَّ الملائكةَ مَحَلُّهُم السَّمَواتُ -وهذا هو الأصلُ-، لكنَّهم قد يَنْزِلُون إلى الأرضِ، كما في قولِه تعالى في لَيلةِ القَدْرِ: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا [القدر: 4] ، وكالملائكةِ الَّذين يَحفظون بني آدمَ، والَّذين يَكتُبون أعمالَهم، والَّذين يَكتُبون المُتَقَدِّمِينَ إلى الجُمُعةِ -على أبوابِ المساجِدِ-، وما أشْبَهَ ذلك [283] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 101). .
2- قولُه تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا، وقولُه: وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ فيه إشارةٌ إلى أنَّ إنزالَ الجُنودِ مِن عَظائمِ الأمورِ الَّتي لا يُؤهَّلُ لها إلَّا مِثلُ النَّبيِّ محمَّدٍ الَّذي أُنزِلَت له الملائكةُ يومَ بَدْرٍ والأحزابِ، وهذا إشارةٌ إلى تَفضيلِ اللهِ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم بكلِّ شَيءٍ على كِبارِ الأنبياءِ وأُولي العَزْمِ مِن الرُّسلِ، فَضلًا عن غَيرِهم [284] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/12)، ((تفسير البيضاوي)) (4/266)، ((تفسير أبي السعود)) (7/165). .
3- في قَولِه تعالى: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً بيانُ ذُلِّ كُلِّ شيءٍ لِعَظَمتِه سُبحانَه؛ بحيثُ لا يُكرِّرُ ولا يُعيدُ ما أرادَه؛ لهذا أكَّدَها بـ وَاحِدَةً؛ لبيانِ أنَّهم لم يَحتاجوا إلى إعادةِ الصَّيحةِ مرَّةً ثانيةً، وهكذا جميعُ ما أمَرَ اللهُ تعالى به كَوْنًا؛ فإنَّه لا يَحتاجُ إلى إعادةٍ؛ لِقَولِه تعالى في سورةِ (القمرِ): وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [285] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 104). [القمر: 50].
4- في قَولِه تعالى: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ نَصٌّ صريحٌ في تكذيبِ الأُمَمِ لجَميعِ الرُّسُلِ؛ لِما تقَرَّر في الأصولِ مِن أنَّ النَّكِرةَ في سياقِ النَّفيِ إذا زِيدَتْ قبْلَها «مِن» فهي نَصٌّ صريحٌ في عُمومِ النَّفيِ [286] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/295). .
5- في قَولِه تعالى: أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ردٌّ على القائِلينَ بالرَّجْعةِ [287] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/63). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الزمخشري)) (4/14)، ((تفسير الرسعني)) (6/330). والرَّجعةُ: مذهبٌ يؤمِنُ بالرُّجوعِ إلى الدُّنيا بعدَ الموتِ، أو برُجوعِ الإمامِ بعدَ مَوتِه أو غَيبتِه، أوَّلُ مَن قال به عبدُ الله بنُ سَبَأٍ. يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (1/32، 54)، ((معجم اللغة العربية المعاصرة)) (2/862). وقد اعترَض البِقاعي على الاستِدلالِ بالآيةِ على ذلك. يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/119). !

 بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ
- قولُه: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ استِئنافٌ بَيانيٌّ؛ لأنَّ السَّامعَ يَتشوَّفُ إلى مَعرفةِ ما كان مِن هذا الرَّجُلِ المؤمنِ الَّذي جاء مِن أقْصى المدينةِ ناصحًا لِأهْلِها، ومِن أمْرِ قَومِه الَّذين نَصَحهم فلمْ يَنتصِحوا؛ فلمَّا بُيِّن للسَّامعِ ما كان مِن أمْرِه، عُطِفَ عليه بَيانُ ما كان مِن أمْرِ القومِ بعْدَه، وافتتاحُ قِصَّةِ عِقابِهم في الدُّنيا بنَفْيِ صُورةٍ مِن صُوَرِ الانتقامِ، تَمهيدٌ للمَقصودِ مِن أنَّهم ما حلَّ بهم إلَّا مِثلُ ما حلَّ بأمثالِهم مِن عَذابِ الاستئصالِ [288] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/5). . أو كلامٌ مُستأْنَفٌ مَسوقٌ لاحتقارِ أمْرِهم، أي: لا حاجةَ إلى إرسالِ جُنودٍ لهم؛ فأقَلُّ شَيءٍ كافٍ لإبادتِهم، واستِئصالِ شأْفَتِهم [289] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/266)، ((تفسير أبي السعود)) (7/165)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/189). .
- وأسنَد الفعلَ أَنْزَلْنَا إلى نفْسِه بلفظِ التَّعظيمِ؛ لأنَّ العذابَ هو مِن بابِ الهَيبةِ [290] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/268). .
- و(مِن) في قولِه: مِنْ بَعْدِهِ صِلةٌ في الظَّرفِ؛ لِتَأكيدِ اتِّصالِ المظروفِ بالظَّرفِ، و(مِن) في قولِه: مِنْ جُنْدٍ مُؤكِّدةٌ لِعُمومِ جُنْدٍ في سِياقِ النَّفيِ، و(مِن) في قولِه: مِنَ السَّمَاءِ ابتدائيَّةٌ، وفي الإتيانِ بحَرْفِ (مِن) ثلاثَ مرَّاتٍ مع اختلافِ المعنى مُحسِّنُ الجِناسِ [291] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/5، 6). والجِناسُ: هو تشابُهُ لَفظَينِ في النُّطقِ، واختلافُهما في المعنى، وهو مِن المحاسنِ اللَّفظيَّةِ، وفنٌّ بديعٌ في اختيارِ الألفاظِ الَّتي تُوهِمُ في البَدْءِ التَّكريرَ، لكنَّها تُفاجِئُ بالتَّأسيسِ واختِلافِ المعنى. ويَنقسِمُ الجِناسُ إلى نَوعَينِ: لَفظيٍّ، ومعنويٍّ، وكلٌّ منهما يَندرِجُ تحتَه أنواعٌ. يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/450 - 452)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/310)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني (2/485، 497)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 325 وما بعدها). .
- وفي هذا تَعريضٌ بالمشركينَ مِن أهلِ مكَّةَ؛ إذ قالوا للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا [الإسراء: 92] ، أي: تأْتيَ باللهِ الَّذي تَدَّعِي أنَّه أرسَلَك ومعه جُندُه مِن الملائكةِ؛ لِيَثأرَ لك، فجُملةُ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ مُعترِضةٌ بيْنَ نَوعَيِ العِقابِ المنفيِّ والمُثبَتِ؛ لِقَصدِ الرَّدِّ على المشركينَ بأنَّ سُنَّةَ اللهِ تعالى لم تَجْرِ بإنزالِ الجُنودِ على المكذِّبينَ، وشأْنُ العاصينَ أدْوَنُ مِن هذا الاهتِمامِ [292] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/6). .
2- قولُه تعالى: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ
- قولُه: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ الصَّيحةُ: المرَّةُ مِن الصِّياحِ، بوَزنِ فَعلةٍ؛ فوَصْفُها بـ وَاحِدَةً تأْكيدٌ لِمَعنى الوَحدةِ؛ لئلَّا يُتوهَّمَ أنَّ المُرادَ الجِنسُ المفرَدُ مِن بيْنِ الأجناسِ [293] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/6). .
- وأكَّدَ أمْرَ الصَّيحةِ، وحقَّقَ وَحْدتَها بقولِه: وَاحِدَةً، أي: لِحَقارةِ أمْرِهم عِندَنا، ثمَّ زادَ في تَحقيرِهم ببَيانِ الإسراعِ في الإهلاكِ بقولِه: فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ، أي: ثابتٌ لهم الخُمودُ، كأنَّهم ما كانتْ لهم حَركةٌ يومًا مِن الدَّهرِ [294] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/116 - 117). .
- قولُه: فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ مَجِيءُ (إذا) الفُجائيَّةِ في الجُمْلةِ المُفرَّعةِ على إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً؛ لإفادةِ سُرعةِ الخُمودِ إليهم بتلك الصَّيحةِ، وفيه إيجازٌ بَديعٌ يُشيرُ إلى حَدَثٍ عظيمٍ حدَثَ بأهْلِ تلك القريةِ عَقِبَ دَعوةِ المرسَلينَ [295] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/60)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/7). .
- وفي قولِه: فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ تَشبيهٌ بَليغٌ؛ شبَّهَهم بالنَّارِ الخامدةِ الَّتي صارتْ رَمادًا؛ رَمْزًا إلى أنَّ الحيَّ كالنَّارِ السَّاطعةِ في الحَرَكةِ والالتهابِ، والمَيتَ كالرَّمادِ [296] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/60)، ((تفسير أبي السعود)) (7/165)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/191). . وفي ذلك تَوعُّدٌ لِقُريشٍ أنْ يُصِيبَهم ما أصابَهم؛ إذ همُ المَضروبُ لهم المثَلُ [297] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/59). .
- وذُكِرَت الصَّيحةُ مرَّتينِ؛ في قولِه: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ، وقولِه: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس: 53] ، وليس بتَكرارٍ؛ لأنَّ الأُولى هي عقوبةُ أهلِ القريةِ، والثَّانيةَ هي النَّفخةُ الَّتي يَحْيا بها الخلْقُ [298] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 211)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 472). .
3- قولُه تعالى: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ تَذْييلٌ، وهو مِن كَلامِ اللهِ تَعالى -على أحدِ الأقوالِ في التَّفسيرِ- واقِعٌ مَوقِعَ الرِّثاءِ للأُمَمِ المُكذِّبةِ الرُّسُلَ، شامِلٌ للأُمَّةِ المقصودةِ بِسَوْقِ الأمثالِ السَّابقةِ مِن قَولِهِ: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ [يس: 13] ، واطِّرادِ هذا السَّنَنِ القَبيحِ فيهم؛ فالتَّعريفُ في العِبادِ تَعريفُ الجِنسِ المُستعمَلِ في الاستِغراقِ، وهو استِغراقٌ ادِّعائيٌّ رُوعِيَ فيه حالُ الأغلَبِ على الأُمَمِ الَّتي يَأتيها رسولٌ؛ لعَدَمِ الاعتدادِ في هذا المَقامِ بقِلَّةِ الَّذين صدَّقوا الرُّسُلَ ونَصَروهم، فكأنَّهم كُلَّهم قد كذَّبوا [299] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/7). .
- قَولُه: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ... حرْفُ النِّداءِ للتَّنبيهِ على خَطَرِ ما بعْدَه؛ لِيُصْغيَ إليه السَّامِعُ، وهو أَوْكَدُ وأبلَغُ لِتَنبيهِ المُخاطَبِ بالنِّداءِ على المَطْلوبِ [300] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/13)، ((تفسير البيضاوي)) (4/267)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/36)، ((تفسير أبي السعود)) (7/165)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/8). قال الزَّجَّاجُ: (إذا قال القائلُ: ما الفائدةُ في مُناداةِ الحسرةِ، والحسرةُ ممَّا لا يُجيبُ؟ فالفائدةُ في مُناداتِها كالفائدةِ في مُناداةِ ما لا يعقلُ؛ لأنَّ النِّداءَ بابُ تنبيهٍ. إذا قلتَ: يا زَيْدُ، فإن لم تكُنْ دَعَوْتَه لِتُخاطِبَه لِغيرِ النِّداءِ فلا معنى للكلامِ، إنَّما تقولُ: يا زَيدُ، فتُنَبِّهُه بالنِّداءِ، ثمَّ تقولُ له: فعَلْتَ كذا وافعَلْ كذا، وما أحبَبْتَ ممَّا له فيه فائدةٌ، ألَا ترى أنَّك تقولُ لِمَن هو مُقْبِلٌ عليك: «يا زَيدُ، ما أحْسَنَ ما صنَعْتَ!»، ولو قلتَ له: «ما أحْسَنَ ما صنَعْتَ!» كنتَ قد بلَغْتَ في الفائدةِ ما أفهَمْتَ به، غيرَ أنَّ قولَك: «يا زَيدُ» أوْكَدُ في الكلامِ، وأبلَغُ في الإفهامِ. وكذا إذا قلتَ للمُخاطَبِ: «أنا أعجَبُ ممَّا فَعَلْتَ» فقد أفَدْتَه أنَّك مُتعجِّبٌ، ولو قلتَ: «واعَجَباه ممَّا فعلْتَ، ويا عَجَباه أتَفْعَلُ كذا وكذا!» كان دعاؤُك العجَبَ أبلَغَ في الفائدة، والمعنى: يا عَجَبُ أقْبِلْ؛ فإنَّه مِن أوقاتِك، وإنَّما نِداءُ العَجَبِ تنبيهٌ لِتمكِّن عِلم المُخاطَبِ بالتَّعجُّبِ مِن فِعلِه. وكذلك إذا قلتَ: «وَيْلٌ لِزَيدٍ، أو: وَيْلَ زَيدٍ لِمَ فعَلَ كذا وكذا؟!» كان أبلَغَ. وكذلك في كتابِ الله عزَّ وجلَّ: يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ [هود: 72] ، وكذلك: يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر: 56] ، وكذلك: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ). ((معاني القرآن وإعرابه)) (4/284، 285). .
- والتَّنكيرُ في قَولِه: يَا حَسْرَةً دلَّ على شِدَّةِ تَحَسُّرِ العِبادِ المُكَذِّبينَ للرُّسُلِ -وذلك على قولٍ-؛ وأنَّها حَسرةٌ عَظيمةٌ؛ لأنَّ التَّنكيرَ يُفيدُ أحيانًا التَّعظيمَ والشِّدَّةَ [301] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 108). .
- وجُملةُ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ... كَلامٌ مُستأْنَفٌ مَسوقٌ لِتَعليلِ التَّحسُّرِ عليهم؛ لأنَّ قَولَه: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ وإنْ كان قد وَقَعَ بعدَ ذِكْرِ أهْلِ القَريةِ؛ فإنَّه لَمَّا عُمِّمَ على جَميعِ العِبادِ حدَثَ إيهامٌ في وَجهِ العُمومِ، فوَقَعَ بيانُه بأنَّ جميعَ العِبادِ -على أحد الأقوالِ- مُساوونَ لِمَن ضُرِبَ بهم المَثَلُ ومَن ضُرِبَ لهم في تلك الحالةِ المُمثَّلِ بها، ولم تَنفَعْهم المَواعظُ والنُّذُرُ البالِغةُ إليهم مِن الرَّسولِ المُرسَلِ إلى كُلِّ أُمَّةٍ منهم، فهَلَكوا؛ فعُلِمَ وَجْهُ الحَسْرةِ عليهم إجْمالًا مِن هذه الآيةِ، ثمَّ تَفصيلًا مِن قَولِه بعدُ: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا [يس:31] إلخ [302] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/8، 9)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/193). .
- وقيلَ: قَولُه: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ تَمثيلٌ لِقُريشٍ، وهُم الَّذين عاد عليهم الضَّميرُ في قَولِه: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا [303] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/61). .
- وتَقديمُ المجرورِ مِنْ رَسُولٍ على يَسْتَهْزِئُونَ؛ للاهتِمامِ بالرَّسولِ المُشعِرِ باستِفظاعِ الاستِهزاءِ به مع تأتِّي الفاصلةِ بهذا التَّقديمِ، فحَصَلَ منه غَرَضانِ: مِن علمِ المعاني، ومِن علمِ البَديعِ [304] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/9). ؛ فالتَّقديمُ والتَّأخيرُ مِن المعاني، والرِّعايةُ على الفاصلةِ مِن البديعِ.
4- قولُه تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ
- قَولُه: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ بَيانٌ لِجُملةِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [يس: 30] ؛ لِما فيها مِن تَفْصيلِ الإجمالِ المُسْتفادِ منه؛ فإنَّ عاقِبةَ ذلك الاستِهزاءِ بالرَّسولِ كانت هَلاكَ المُستَهزِئينَ، فعَدَمُ اعتبارِ كُلِّ أُمَّةٍ كذَّبتْ رسولَها بعاقِبةِ المُكذِّبينَ قَبْلَها يُثيرُ الحَسْرةَ عليها وعلى نُظَرائِها كما أثارَها استِهزاؤُهم بالرَّسولِ، وقِلَّةُ التَّبصُّرِ في دَعْوتِه ونِذارتِه ودَلائِلِ صِدقِه [305] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/9). .
- والاستِفهامُ في قَولِه: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يجوزُ أنْ يكونَ إنكاريًّا، ونُزِّلتْ غَفلَتُهم عن إهْلاكِ القُرونِ مَنزلةَ عَدَمِ العِلمِ، فأُنكِرَ عليهم عَدَمُ العِلمِ بذلك، وهو أمْرٌ مَعلومٌ مَشهورٌ. ويجوزُ كَونُ الاستِفهامِ تَقريريًّا، بُنِيَ التَّقريرُ على نَفيِ العِلمِ بإهلاكِ القرونِ؛ استِقصاءً لِمَعذِرَتِهم حتَّى لا يَسَعَهم إلَّا الإقرارُ بأنَّهم عالِمونَ، فيَكونَ إقرارُهم أشَدَّ لُزومًا لهم؛ لأنَّهم استُفْهِموا على النَّفيِ، فكان يَسَعُهم أنْ يَنفُوا ذلك [306] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/10)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/194). .
- قَولُه: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ (كَمْ) مُفادُها كَثرةٌ مُبهَمةٌ فُسِّرتْ بقَولِه: مِنَ الْقُرُونِ، وقَولُه: أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ قيل: بدَلُ اشتِمالٍ مِن جُمْلةِ أَهْلَكْنَا، وفائِدةُ هذا البَدَلِ تَقريرُ تَصْويرِ الإهْلاكِ؛ لزِيادةِ التَّخويفِ، ولاستِحضارِ تلك الصُّورةِ في الإهْلاكِ، أي: إهْلاكًا لا طماعيةَ معه لِرُجوعٍ إلى الدُّنيا؛ فإنَّ ما يَشتمِلُ عليه الإهلاكُ مِن عَدَمِ الرُّجوعِ إلى الأهْلِ والأحبابِ ممَّا يَزيدُ الحَسْرةَ اتِّضاحًا [307] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/10). .
- قولُه: أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ مُتعلِّقٌ بـ يَرْجِعُونَ، وقُدِّم على مُتعلَّقِه؛ للرِّعايةِ على الفاصِلةِ [308] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/11). .
5- قولُه تعالى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ بَيانٌ لرُجوعِ الكُلِّ إلى المَحْشرِ، بعدَ بَيانِ عَدَمِ الرُّجوعِ إلى الدُّنيا [309] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/166). .
- وهو مَعطوفٌ على جُمْلةِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ [يس: 31] ، واقِعٌ مَوقِعَ الاحتِراسِ مِن توهُّمِ المُخاطَبينَ بالقُرآنِ أنَّ قَولَه: أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ مُؤيِّدٌ اعتِقادَهم انتِفاءَ البَعْثِ [310] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/11). .
- وجاءتْ هذه الجُملةُ بعدَ ذِكرِ الإهْلاكِ تَبْيينًا أنَّه تَعالى ليس مَن أهْلَكَه يُتْرَكُ، بل بعدَ إهْلاكِهم جَمْعٌ وحِسابٌ، وثَوابٌ وعِقابٌ؛ ولذلك أُعقِبَ هذا بما يدُلُّ على الحَشرِ مِن قَولِه: وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وما بعدَه مِن الآياتِ [311] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/14)، ((تفسير أبي حيان)) (9/64). .
- قَولُه: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ أي: كُلُّ القُرونِ مُحضَرونَ لدينا مُجتَمِعينَ، أي: ليس إحضارُهم في أوْقاتٍ مُختلِفةٍ، ولا في أمْكنةٍ مُتعدِّدةٍ؛ فكلمةُ (كُلٌّ) أفادتْ أنَّ الإحضارَ مُحيطٌ بهم بحيث لا يَنفلِتُ فريقٌ منهم، وكلمةُ جَمِيعٌ أفادتْ أنَّهم مُحضَرونَ مُجتمِعينَ، فليست إحدى الكلمتَينِ بمُغْنيةٍ عن ذِكرِ الأُخرَى، ألَا ترى أنَّه لو قيلَ: وإنَّ أكثَرَهم لَمَّا جَميعٌ لَدَيْنا مُحْضَرونَ، لَمَا كان تَنافٍ بيْنَ أكثَرِهم وبيْنَ (جَميعِهم)، أي: أكثَرُهم يَحضُرُ مُجتمِعينَ، فارتَفَعَ جَمِيعٌ على الخَبَريَّةِ [312] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/14)، ((تفسير أبي حيان)) (9/63)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/11 – 12). .
- وتَقديمُ الظَّرفِ لَدَيْنَا على مُحْضَرُونَ؛ لمُراعاةِ الفَواصِلِ [313] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/64). .