موسوعة التفسير

سورةُ سَبَأٍ
الآيات (40-42)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى مبيِّنًا حالَ أولئكَ المشركينَ يومَ القيامةِ: ويَومَ يَحشُرُ اللهُ المُشرِكينَ يومَ القيامةِ جَميعًا، ثُمَّ يَقولُ للمَلائِكةِ: أهؤلاء المُشرِكونَ كانوا يَعبُدونَكم مِن دوني؟! قال الملائِكةُ: نُنَزِّهُك -يا رَبَّنا- نحنُ بُرآءُ مِن المُشرِكينَ؛ فأنت ولِيُّنا مِن دُونِهم، بل كانوا يَعبُدونَ الجِنَّ، أكثَرُهم بهم مُؤمِنون!
فيُقالُ لهم: فاليومَ لا يَملِكُ بَعضُكم لبعضٍ نَفعًا ولا ضَرًّا، ونقولُ للظَّالِمينَ: ذوقوا عذابَ النَّارِ الَّتي كُنتُم تُكَذِّبونَ بها في الدُّنيا.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بيَّن أنَّ حالَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم كحالِ مَن تقدَّمَه مِن الأنبياءِ، وحالَ قَومِه كحالِ مَن تقدَّم مِن الكُفَّارِ، وبيَّنَ بُطلانَ استِدلالِهم بكثرةِ أموالِهم وأولادِهم- بيَّن ما يكونُ مِن عاقبةِ حالِهم [646] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/211). .
وأيضًا لَمَّا أبطَلَ اللهُ تعالى شُبهةَ الكافِرينَ، فعُلِمَ بذلك أنَّ الأمرَ كُلَّه له، وأنَّهم في محلِّ الخَطَرِ، وكان قد بَقِيَ مِن شُبَهِهم أنَّهم يقولونَ: نحن نعبُدُ الملائكةَ فهم يَشفَعونَ لنا، وكان الأنبياءُ عليهم السَّلامُ لا يُنكِرونَ أنَّ الملائِكةَ مُقَرَّبون- أبطَلَ ما يَتعلَّقونَ به منهم، وبيَّنَ أنَّه لا أمرَ لهم، وأنَّهم بَريئون منهم [647] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/519). .
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40).
أي: ويومَ [648] قيل: الظَّرفُ هنا متعلِّقٌ بمحذوفٍ تقديرُه: اذكُرْ. وممَّن قال بهذا القولِ: مكِّي، وابنُ عطيَّةَ، وابنُ عثيمينَ. يُنظر: ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (9/5933)، ((تفسير ابن عطية)) (4/423)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة سبأ)) (ص: 248). قال ابن عثيمين: (يحتملُ أنَّ المعنى: اذكُرْ في نفْسِك هذا اليومَ، أو اذكُرْ لغيرِك هذا اليومَ. وكِلاهما حقٌّ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة سبأ)) (ص: 248). وقيل: هذا مُتَّصِلٌ بقولِه تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ [سبأ: 31] ، أي: ولو تَراهم أيضًا يومَ يَحشُرُهم جميعًا. وممَّن قال بهذا المعنى: القرطبيُّ، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/308)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/221). يَحشُرُ اللهُ المُشرِكينَ فيَجمَعُهم يومَ القيامةِ جميعًا [649] قيل: المرادُ بقولِه: يَحْشُرُهُمْ: هؤلاء الكفَّارُ بالله. وممَّن اختاره: ابنُ جرير، والثعلبيُّ، ومكِّي، والخازن. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/299)، ((تفسير الثعلبي)) (8/93)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (9/5933)، ((تفسير الخازن)) (3/450). قال ابنُ عاشور: (وضميرُ الغَيبةِ مِن يَحْشُرُهُمْ عائدٌ إلى ما عاد عليه ضميرُ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا [سبأ: 35] الَّذي هو عائدٌ إلى الَّذين كفروا مِن قولِه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ [سبأ: 31] . والكلامُ كلُّه مُنتظمٌ في أحوالِ المشركينَ... ولفظُ جَمِيعًا يَعُمُّ أصنافَ المشركينَ على اختِلافِ نِحَلِهم واعتقادِهم في شِرْكِهم؛ فقد كان مُشرِكو العربِ نِحَلًا شَتَّى). ((تفسير ابن عاشور)) (22/221). وممَّن نصَّ على أنَّ المرادَ بهم المشركون: ابنُ الجوزي، والرَّسْعَنيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/502)، ((تفسير الرسعني)) (6/253). وقيل: المرادُ: المكَذِّبون، مَن تقدَّمَ ومَن تأخَّرَ. وممَّن اختاره: الرَّازي، وأبو حيان. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/211)، ((تفسير أبي حيان)) (8/556). وقيل: المرادُ: العابِدونَ والمعبودونَ مِن دونِ الله. وممَّن قال بهذا القولِ: القرطبيُّ، والسعديُّ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/308)، ((تفسير السعدي)) (ص: 681). ممَّن نصَّ على أنَّ المرادَ: الملائكةُ ومَن عبَدَها: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والسَّمَرْقَنْديُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/536)، ((تفسير السمرقندي)) (3/93). وقال يحيى بن سلام: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يعني: المشركين وما عبَدوا). ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/767). وقال البيضاوي: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا المُستكبِرينَ والمُستضعَفينَ). ((تفسير البيضاوي)) (4/249). وقال البِقاعي: (وعمَّ التَّابعَ والمتبوعَ بقولِه: جَمِيعًا). ((نظم الدرر)) (15/519). ، ثمَّ يَقولُ للمَلائِكةِ: أهؤلاء المُشرِكونَ كانوا يَعبُدونَكم مِن دوني [650] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/299)، ((تفسير السمعاني)) (4/338)، ((تفسير ابن عطية)) (4/423)، ((تفسير القرطبي)) (14/308)، ((تفسير ابن كثير)) (6/524)، ((تفسير السعدي)) (ص: 681). ؟
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41).
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ.
أي: قال الملائِكةُ: نُنَزِّهُك -يا رَبَّنا- تنزيهًا عن أن يَستَحِقَّ العبادةَ أحَدٌ سِواك، ونحن بُرآءُ مِن المُشرِكينَ ومِن عبادتِهم، وأنت وليُّنا الَّذي نَتَولَّاه ونُطيعُه ونَعبُدُه وَحْدَه [651] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/299)، ((تفسير القرطبي)) (14/309)، ((تفسير ابن كثير)) (6/524)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/520)، ((تفسير السعدي)) (ص: 682)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/222، 223)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة سبأ)) (ص: 251، 252). !
بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ.
أي: بل كان هؤلاء المُشرِكونَ يَعبُدونَ الجِنَّ، وأكثَرُهم مُؤمِنونَ بالجِنِّ؛ فيُصَدِّقونَهم ويُطيعونَهم، ويُذْعِنونَ لهم، ويَنقادونَ إليهم [652] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/309)، ((تفسير ابن كثير)) (6/524)، ((تفسير السعدي)) (ص: 682). قال ابنُ عطية: (وعبادةُ البَشَرِ للجِنِّ هي فيما نعرِفُه نحن بطاعتِهم إيَّاهم، وسماعِهم مِن وَسوستِهم وإغوائِهم؛ فهذا نوعٌ من العبادةِ، وقد يجوزُ إن كان في الأُمَمِ الكافرةِ مَن عبَدَ الجِنَّ، وفي القرآنِ آياتٌ يَظهَرُ منها أنَّ الجِنَّ عُبِدَت؛ في سورة الأنعامِ وغيرِها). ((تفسير ابن عطية)) (4/424). ويُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/307) و (7/43). وقال ابنُ القيِّمِ: (ولَمَّا عبَدَ المشركون الملائكةَ بزعمِهم وقعَتْ عبادتُهم في نفْسِ الأمرِ للشَّياطينِ، وهم يَظُنُّون أنَّهم يَعبُدون الملائكةَ، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ. فالشَّيطانُ يَدعو المُشرِكَ إلى عبادتِه، ويُوهِمُهم أنَّه مَلَكٌ، وكذلك عُبَّادُ الشَّمسِ والقمرِ والكواكبِ، وهي الَّتي تُخاطِبُهم، وتقضي لهم الحوائجَ؛ ولهذا إذا طلعَتِ الشَّمسُ قارنَها الشَّيطانُ، فيَسجُدُ لها الكفَّارُ، فيقَعُ سُجودُهم له، وكذلك عندَ غُروبِها. وكذلك مَن عبَدَ المسيحَ وأمَّه لم يَعبُدْهما، وإنَّما عبَدَ الشَّيطانَ؛ فإنَّه يَزعُمُ أنَّه يَعبُدُ مَن أمَرَه بعبادتِه وعبادةِ أمِّه، ورَضيَها لهم، وأمَرَهم بها، وهذا هو الشَّيطانُ الرَّجيمُ، لا عبدُ اللهِ ورسولُه، فنَزِّلْ هذا كلَّه على قولِه تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس: 60، 61]. فما عبَدَ أحدٌ مِن بني آدَمَ غيرَ الله -كائنًا مَن كان- إلَّا وقعَتْ عِبادتُه للشَّيطانِ، فيَستمتِعُ العابدُ بالمعبودِ في حُصولِ غرَضِه، ويَستمتِعُ المعبودُ بالعابدِ في تعظيمِه له، وإشراكِه مع الله الَّذي هو غايةُ رِضا الشَّيطانِ). ((الجواب الكافي)) (ص: 143). ويُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (1/192). .
كما قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [يس: 60 - 62].
فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا بطَلَت تمسُّكاتُ الكافِرينَ، وتقطَّعَت تعلُّقاتُهم؛ تسَبَّب عن ذلك تقريعُهم النَّاشِئُ عنه تنديمُهم [653] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/521). .
فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا.
أي: فاليومَ لا يَقدِرُ بَعضُكم على نفعِ بَعضٍ أو ضرِّه [654] قيل: هو خِطابٌ مِن الله تعالى للملائِكةِ، والمعنى: فاليومَ لا يَملِكُ بعضُكم -أيُّها الملائكةُ- لِلَّذين كانوا في الدُّنيا يَعبُدونَكم، [ولا الَّذين كانوا يَعبُدونَكم لكم]: نفعًا يَنفَعونَكم به، ولا ضَرًّا يَنالونَكم به، أو تَنالونَهم به. وممَّن قال بهذا المعنى: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، ومكِّي، وأبو السعودِ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/536)، ((تفسير ابن جرير)) (19/300)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (9/5934)، ((تفسير أبي السعود)) (7/137). وقيل: الأظهَرُ أنَّ هذا مِن خطابِ اللهِ تعالى المُشرِكينَ والجِنَّ. وممَّن ذكر ذلك: ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/223). وقيل: يجوزُ أن يكونَ مِن خِطابِ الملائكةِ للفَريقينِ بعدَ أداءِ الشَّهادةِ عليهم. وممَّن جوَّز هذا المعنى: ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/224). قال ابن عطية: (قال تعالى: فَالْيَوْمَ وفي الكلامِ حذْفٌ، تقديرُه: فيُقالُ لهم -أي: مَن عبَدَ ومَن عُبِد-: اليومَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا). ((تفسير ابن عطية)) (4/424). وقال ابن عاشور: (والمِلْكُ هنا بمعنَى: القُدرةِ، أي: لا يَقْدِرُ بعضُكم على ضرِّ أو نفعِ بعضٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (22/224). ؛ فالأمرُ كلُّه لله [655] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/300)، ((تفسير القرطبي)) (14/309)، ((تفسير ابن كثير)) (6/524)، ((تفسير القاسمي)) (8/153)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/223). ممَّن فسَّر النَّفعَ بالشَّفاعةِ والنَّجاةِ، والضرَّ بالعذابِ والهلاكِ: القرطبيُّ، والشوكانيُّ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/309)، ((تفسير الشوكاني)) (4/380). وممَّن فسَّر النَّفعَ بالشَّفاعةِ، والضرَّ بالتَّعذيبِ: الواحديُّ، وابنُ الجوزي، والخازنُ، والعُلَيمي. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/497)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/502)، ((تفسير الخازن)) (3/450)، ((تفسير العليمي)) (5/430). .
وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ.
أي: ونَقولُ لِمَنْ وَضَعوا العبادةَ في غَيرِ مَوضِعِها، وجَعَلوها لغيرِ مَن تنبغي أن تكونَ له وَحْدَه: ذُوقوا عذابَ النَّارِ الَّتي كنتُم تُكَذِّبونَ بها في الدُّنيا [656] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/300)، ((تفسير ابن كثير)) (6/524)، ((تفسير السعدي)) (ص: 682)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة سبأ)) (ص: 258). .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ أنَّه ينبغي تذكيرُ النَّاسِ بيومِ المعادِ؛ ووجْهُ الدَّلالةِ: أنَّ قولَه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ متعلِّقٌ بمحذوفٍ تقديرُه: «اذْكُرْ يومَ يحشرون» -على قولٍ في التَّفسيرِ-، أي: اذكُرْ لغيرِك أو اذكُرْ في نفْسِك، فيَشملُ أيضًا تذكيرَ النَّفْسِ، فإذا غَفَلَتْ نفْسُ الإنسانِ فيَنبغي أنْ يُذَكِّرَها الموتَ ويومَ الحشرِ؛ يُذَكِّرها مآلَه كلَّما رَكَنَتْ إلى الدُّنيا، وأرادتِ الانغماسَ فيها، فلْيُذَكِّرْها اليومَ المشهودَ الَّذي يُجْمَعُ له النَّاسُ [657] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة سبأ)) (ص: 248). .
2- قَولُ الله تعالى: قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ كذا كُلُّ مَن تقرَّبَ إلى شَخصٍ بمعصيةِ الله، يُقَسِّي اللهُ قَلْبَه عليه، ويُبَغِّضُه فيه؛ فيُجافيه ويُعاديه [658] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/520، 521). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ جوازُ المسألةِ عمَّا السَّائِلُ أعلَمُ به مِن المَسؤولِ [659] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (3/691). .
2- في قَولِه تعالى: ثُمَّ يَقُولُ إثباتُ القولِ والكلامِ للهِ تعالى، وهو كلامٌ حقيقيٌّ بحروفٍ وأصواتٍ مسموعةٍ؛ وهو غيرُ مخلوقٍ، كما هو مذهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ [660] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة سبأ)) (ص: 249). .
3- في قَولِه تعالى حكايةً عن الملائكةِ: قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بيانُ ما عندَ الملائكةِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن تعظيمِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، حيثُ قالوا: سُبْحَانَكَ أي: تنزيهًا عن أنْ يكونَ لك شريكٌ، لا مِنَّا ولا مِن غيْرِنا [661] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة سبأ)) (ص: 254). .
4- قَولُ الله تعالى: قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ فيه سُؤالٌ: لو قال قائِلٌ: جَميعُهم كانوا تابعينَ للشَّياطينِ، فما وجْهُ قَولِه: أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ؛ فإنَّه يُنبئُ أنَّ بَعضَهم لم يؤمِنْ بهم، ولم يُطِعْ لهم؟
الجوابُ مِن وَجهَينِ:
الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّ الملائِكةَ احتَرَزوا عن دعوى الإحاطةِ بهم، فقالوا: أَكْثَرُهُمْ؛ لأنَّ الَّذين رأَوْهم واطَّلَعوا على أحوالِهم كانوا يَعبُدونَ الجِنَّ ويُؤمِنونَ بهم، ولعلَّ في الوجودِ مَن لم يُطلِعِ اللهُ الملائِكةَ عليه مِنَ الكُفَّارِ.
الوَجهُ الثَّاني: هو أنَّ العبادةَ عمَلٌ ظاهِرٌ، والإيمانَ عمَلٌ باطِنٌ، فقالوا: بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ؛ لاطِّلاعِهم على أعمالِهم، وقالوا: أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ عندَ عمَلِ القَلبِ؛ لئلَّا يَكونوا مُدَّعينَ اطِّلاعَهم على ما في القُلوبِ؛ فإنَّ القَلبَ لا اطِّلاعَ عليه إلَّا لله، كما قال تعالى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [662] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/212). [الأنفال: 43] .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ عَطفٌ على جُملةِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ [سبأ: 31] ؛ استِكمالًا لتصويرِ فَظاعةِ حالِهم يومَ الوَعدِ الَّذي أنكَروه، تَبَعًا لِما وُصِفَ مِن حالِ مُراجعةِ المُستَكبرينَ منهم والمُستَضعَفينَ، فوصَفَ هنا افتِضاحَهم بتَبرُّؤِ الملائكةِ منهم، وشَهادتِهم عليهم بأنَّهم يَعبُدونَ الجِنَّ [663] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/221). . وذلك على قولٍ.
- وفيه الاقتصارُ على تَقريرِ الملائكةِ واستِشهادِهم على المُشرِكينَ؛ لأنَّهم أشرَفُ شُركائِهم، وهم الصَّالِحون للخِطابِ منهم، ولأنَّ عِبادتَهم مَبدَأُ الشِّركِ وأصلُه، ولأنَّ إبطالَ إلهيَّةِ الملائكةِ يُفِيدُ إبطالَ إلهيَّةِ ما هو دُونَها ممَّن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ بدَلالةِ الفَحْوى، أي: بطَريقِ الأَوْلى؛ فإنَّ ذلك التَّقريرَ مِن أهَمِّ ما جُعِلَ الحشرُ لِأجْلِه. وتَوجيهُ الخِطابِ إلى الملائكةِ بهذا الاستفهامِ مُستعمَلٌ في تَقريعِ المُشركينَ والتَّعريضِ بهم، على طَريقةِ المَثَلِ: (إيَّاكِ أعْني واسْمَعي يا جارهْ)! والغرَضُ مِن ذلك أنْ يقولَ ويَقولوا، ويَسأَلَ ويُجِيبوا؛ فيَكونَ تَقريعُهم أشَدَّ، وتَعيِيرُهم أبلَغَ، وخَجَلُهم أعظَمَ، وهو أنَّه ألْزَمُ، ويكونَ اقتصاصُ ذلك لُطْفًا لِمَن سَمِعَه، وزاجرًا لِمَن اقتُصَّ عليه [664] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/588، 589)، ((تفسير البيضاوي)) (4/249)، ((تفسير أبي حيان)) (8/556)، ((تفسير أبي السعود)) (7/136، 137)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/222)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/104). .
- وتَقديمُ المَفعولِ إِيَّاكُمْ على يَعْبُدُونَ؛ للاهتمامِ، ولرِعايةِ الفاصلةِ [665] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/222). .
2- قَولُه تعالى: قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ
- قولُه: قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا ... حُكِيَ قولُ الملائكةِ دُونِ عاطفٍ؛ لِوُقوعِه في المُحاوَرةِ؛ ولذلك جِيءَ فيه بصِيغةِ الماضي قَالُوا؛ لأنَّ ذلك هو الغالبُ في الحِكايةِ، مع ما فيه مِن الدَّلالةِ على التَّحقُّقِ، أي: أنت الَّذي نُواليهِ مِن دُونِهم، لا مُوالاةَ بيْنَنا وبيْنَهم، وجوابُ الملائكةِ يَتضمَّنُ إقرارًا، مع التَّنزُّهِ عن لَفظِ كَونِهم مَعبودينَ كما يَتنزَّهُ مَن يَحكي كُفرَ أحدٍ، فيقولُ: قال: هو مُشرِكٌ باللهِ، وإنَّما القائلُ قال: أنا مُشرِكٌ باللهِ؛ فمَوردُ التَّنزيهِ في قولِ الملائكةِ: سُبْحَانَكَ هو أنْ يكونَ غيرُ اللهِ مُستحِقًّا أنْ يُعبَدَ، مع لازمِ الفائدةِ، وهو أنَّهم يَعلَمون ذلك، فلا يُضَرُّون بأنْ يَكونوا مُعبودينَ. وقولُ الملائكةِ: سُبْحَانَكَ تَبرُّؤٌ مِن الرِّضا بأنْ يَعبُدَهم المُشرِكون؛ لأنَّ الملائكةَ لَمَّا جَعَلوا أنفُسَهم مُوالِينَ للهِ فقدْ كذَّبوا المُشرِكين الَّذين زَعَموا لهم الإلهيَّةَ؛ لأنَّ العابدَ لا يكونُ مَعبودًا [666] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/137)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/222). .
- و(مِن) في قولِه: مِنْ دُونِهِمْ صِلةٌ للتَّوكيدِ؛ فـ مِنْ دُونِهِمْ تأكيدٌ لِمَا أفادَتْه جُملةُ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِن الحَصرِ؛ لِتَعريفِ الجُزأينِ [667] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/223). .
- قولُه: بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ (بل) للإضرابِ الانتقاليِّ، انتقالًا مِن التَّبرُّؤِ منهم إلى الشَّهادةِ عليهم، وعلى الَّذين سَوَّلوا لهم عِبادةَ غيرِ اللهِ تعالى، وليس إضرابَ إبطالٍ؛ لأنَّ المُشرِكين المُتحدَّثَ عنهم كانوا يَعبُدون الملائكةَ. وفيه إشعارٌ لهم بما عَبَدوه وإنْ لم يُصرَّحْ به، والمعنى: بلْ كان أكثَرُ هؤلاء يَعبُدون الجِنَّ، وكان الجِنُّ راضِينَ بعِبادتِهم إيَّاهم [668] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/557)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 467)، ((تفسير أبي السعود)) (7/137)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/223). .
3- قَولُه تعالى: فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ
- قَولُه: فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا تَبكيتٌ للكُفَّارِ حينَ بيَّنَ لهم أنَّ مَن عَبَدوه لا يَنفَعُ ولا يَضُرُّ، وهو كَلامٌ مُوجَّهٌ مِن جانبِ اللهِ تعالى إلى الملائكةِ، والمَقصودُ به التَّعريضُ بضَلالِ الَّذين عَبَدوا الملائكةَ والجِنَّ؛ لأنَّ الملائكةَ يَعلَمون مَضمونَ هذا الخبَرِ، فلا تُقصَدُ إفادتُهم به، والمُرادُ إظهارُ عَجزهِم وقُصورِهم عندَ عَبَدتِهم، والتَّنصيصُ على ما يُوجِبُ خَيبةَ رَجائِهم بالكلِّيَّةِ. ويجوزُ أنْ يكونَ مِن خِطابِ الملائكةِ للفَريقينِ بعدَ أداءِ الشَّهادةِ عليهم؛ تَوبيخًا لهم، وإظهارًا للغَضَبِ عليهم؛ تَحقيقًا للتَّبرُّؤِ منهم [669] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/557)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/223). .
- قولُه: فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا فيه نِسبةُ عَدَمِ النَّفعِ والضَّرِّ إلى البَعضِ المُبهَمِ؛ للمُبالَغةِ فيما هو المَقصودُ الَّذي هو بَيانُ عدَمِ نَفْعِ الملائكةِ للعَبَدةِ، بنَظْمِه في سِلكِ عدَمِ نفْعِ العَبَدةِ لهم؛ كأنَّ نَفْعَ الملائكةِ لِعَبَدتِهم في الاستِحالةِ والانتِفاءِ كنَفْعِ العَبَدةِ لهم. وتَقييدُ هذا الحُكمِ بذلك اليومِ مع ثُبوتِه على الإطلاقِ؛ لانعِقادِ رَجائِهم على تَحقُّقِ النَّفعِ يَومَئذٍ [670] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/137). قال ابن عثيمين: (الحِكمةُ في أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال: فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وجعَلَه مُبهَمًا؛ لِيَشملَ العابدَ والمعبودَ، والتَّابعَ والمتبوعَ؛ فكلُّ أحدٍ يومَ القيامةِ لا يَملِكُ لأحدٍ نَفعًا ولا ضَرًّا). ((تفسير ابن عثيمين- سورة سبأ)) (ص: 255). .
- وقُدِّمَ الظَّرفُ على عامِلِه في قولِه: فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا؛ لأنَّ النَّفعَ والضَّرَّ يَومَئذٍ قد اختَصَّ صَغيرُهما وكَبيرُهما باللهِ تعالى، خِلافَ ما كان في الدُّنيا مِن نفْعِ الجِنِّ عُبَّادَهم ببَعضِ المنافعِ الدُّنيويَّةِ، ونَفْعِ المُشركينَ الجِنَّ بخِدمةِ وَساوِسِهم، وتَنفيذِ أغراضِهم مِن الفِتنةِ والإضلالِ، وكذلك الضُّرُّ في الدُّنيا أيضًا. وقُدِّمَ النَّفعُ في حيِّزِ النَّفيِ تأييسًا لهم؛ لأنَّهم كانوا يَرجُون أنْ يَشفَعوا لهم يَومَئذٍ [671] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/224). .
- وعَطْفُ نَفْيِ الضَّرِّ على نَفْيِ النَّفعِ، مع أنَّه لا بَحْثَ عنه أصلًا؛ إمَّا لِتَعميمِ العَجزِ، والدَّلالةِ على سَلْبِ مَقدرتِهم على أيِّ شَيءٍ؛ فإنَّ بَعضَ الكائناتِ يَستطيعُ أنْ يَضُرَّ، ولا يَستطيعُ أنْ يَنفَعَ؛ كالعَقربِ [672] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/137)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/223). ، أو لِحَملِ عدَمِ النَّفعِ على تَقديرِ العِبادةِ، وعدَمِ الضَّرِّ على تقديرِ تَرْكِها، فالعبادةُ أيضًا تقعُ لدَفعِ ضرِّ المعبودِ، فبُيِّن أنَّهم ليس فيهم ذلك الوجهُ الَّذي يَحسُنُ لأجْلِه عبادتُهم [673] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/212)، ((تفسير أبي السعود)) (7/137). ؛ تحقيقًا لقطعِ جميعِ الأسبابِ الَّتي كانت في دارِ التَّكليفِ مِن دارِ الجزاءِ الَّتي المقصودُ فيها تمامُ إظهارِ العَظَمةِ لله وحْدَه على أتمِّ الوُجوهِ [674] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/522). ، أو لأنَّ المُرادَ دفْعُ الضَّرِّ، على حَذْفِ المُضافِ [675] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/137). .
- وأيضًا قولُه: وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ عطْفٌ على قولِه: ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ [سبأ: 40] ، وقد وقَعَ الإخبارُ عن هذا القَولِ بعدَ الإخبارِ عن الحِوارِ الَّذي يَجري بيْنَ الملائكةِ وبيْنَ المُشرِكين يَومَئذٍ؛ إظهارًا لاستِحقاقِهم هذا الحُكمَ الشَّديدَ، ولِكَونِه كالمَعلولِ لِقَولِه: لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا [676] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/224). .
- قولُه: ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ وَصْفُ النَّارِ بالَّتي كانوا يُكذِّبون بها؛ لِمَا في صِلةِ الموصولِ مِن إيذانٍ بغَلَطِهم وتَنْديمِهم [677] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/224). .
- قولُه: وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ فيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ عُلِّقَ التَّكذيبُ هنا بنَفْسِ النَّارِ؛ فجِيءَ باسمِ الموصولِ المناسِبِ لها فقِيل: الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ، ولم يُعلَّقْ بالعذابِ كما في آيةِ سُورةِ (السَّجدةِ)، حيثُ قيل: وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [السجدة: 20] ؛ ووجْهُ ذلك: أنَّ القولَ المُخبَرَ عنه هنا هو قولُ اللهِ تعالى وحُكمُه، وقد أذِنَ بهم إلى جهنَّمَ وشاهَدُوها، كما قال تعالى آنفًا: وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ [سبأ: 33] ؛ فإنَّ الَّذي يَرَى هو ما به العذابُ. وأمَّا القولُ المَحكِيُّ في سُورةِ (السَّجدةِ) فهو قولُ مَلائكةِ العذابِ؛ بدليلِ قولِه: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ؛ فجاء كلٌّ على ما يُناسِبُه [678] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/224، 225). .
- وتَقديمُ المَجرورِ بِهَا؛ للاهتِمامِ، والرِّعايةِ على الفاصلةِ [679] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/225). .