موسوعة التفسير

سورةُ الحَجِّ
مقدمة السورة

أسماء السورة:

سُمِّيَت هذه السُّورةُ بسورةِ (الحَجِّ) [1]   سُمِّيَت سورةَ الحَجِّ؛ لاشتِمالِها على مناسكِ الحَجِّ، وتَعظيمِ الشَّعائِرِ، وتأذينِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ للنَّاسِ بالحَجِّ، وقد نزلَتْ قبلَ أن يُفْرضَ الحجُّ على المسلمينَ بالاتِّفاقِ. يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/323)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/179). .
فعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: ((في سُورةِ الحَجِّ سَجدتانِ)) [2]   أخرجه الحاكم (3472)، والبيهقي (3893) موقوفًا. صحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (2/423)، وابن حزم في ((المحلى)) (5/107). .
وعن عبدِ الله بنِ ثعلبةَ: (أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضي اللَّه عنه صلَّى بهم بالجابيةِ [3]   الجابِيةُ: مدينةٌ بالشَّامِ. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/2769). ، فقرأ سورةَ الحجِّ، فسجَد فيها سَجْدتينِ) [4]   أخرجه الشافعي في ((الأم)) (8/694)، والحاكم (3471)، والبيهقي (3887). صحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (2/423)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (8/387). .

فضائل السورة وخصائصها:

فُضِّلَت هذه السُّورةُ على سائِرِ السُّوَرِ بسَجدَتينِ:
كما دلَّ على ذلك قولُ ابنِ عباسٍ، وفعلُ عُمرَ -فيما تقدَّم- رضي الله عنهم أجمعينَ [5]   أمَّا السجدةُ الأُولَى ففي قولِه :أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج: 18] . وقد أجمَع العلماءُ على السجودِ فيها، وممن نقَل الإجماعَ: ابنُ حزمٍ، وابنُ قُدامةَ، وابنُ حَجَرٍ. يُنظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 31)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/272)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/551). أمَّا السجدةُ الثانيةُ ففي قولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77] ، وفيها خلاف، والسجودُ فيها مذهبُ الشافعيَّةِ والحنابلةِ وبعضِ المالكيَّةِ، وهو اختيارُ ابنِ المُنذِرِ، وابنِ تيميَّةَ، والشَّوكانيِّ، وابنِ عُثيمينَ. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/62)، ((الإقناع)) للحَجَّاوي (1/155)، ((المنتقى))‏ للباجي (1/351)، ((الأوسط)) لابن المنذر (5/272)، ((جامع المسائل)) لابن تيمية (3/355)، ((تفسير الشوكاني)) (3/470)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/96). .

بيان المكي والمدني:

اختلف العُلَماءُ في هذه السُّورةِ على أقوال:
الأوَّل: أنَّها مَدَنيَّةٌ [6]   ممن اختار أنَّ السُّورةَ مَدَنيَّةٌ كلُّها: عبد الرزاق، والماوَرْدي، والواحدي. يُنظر: ((تفسير عبد الرزاق)) (2/396)، ((تفسير الماوردي)) (4/5)، ((الوسيط)) للواحدي (3/257). وقيل: مدنية إلَّا أربَعَ آياتٍ منها نزَلَت بمكَّة، وهي قولُه تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى [الحج: 52] إلى قَولِه تعالى: أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [الحج: 55]. وممن قال اختار هذا القولَ: يحيى بنُ سلام، وابن أبي زمنين، وابن جزي، وأبو السعود. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/353)، ((تفسير القرآن العزيز)) لابن أبي زمنين (3/166)، ((تفسير ابن جزي)) (2/32)، ((تفسير أبي السعود)) (6/91). .
الثاني: أنَّها مكِّيَّةٌ [7]   وممن اختار أنَّ السورةَ مكِّيَّةٌ: عبدُ القاهر الجرجاني، وابن كثير، والنسفي. يُنظر: ((درج الدرر في تفسير الآي والسور)) لعبد القاهر الجرجاني (3/1245)، ((تفسير ابن كثير)) (5/389)، ((تفسير النسفي)) (2/426). وقيل: مكيَّةٌ غَيرَ سِتِّ آياتٍ، وهي قَولُه تعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ ... إلى قَولِه تعالى: إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج: 19- 24]، ونقل الاتفاقَ على ذلك: الفيروزابادي. يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/323). وممن اختار هذا القولَ: البغويُّ، والزمخشري، والبيضاوي. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/322)، ((تفسير الزمخشري)) (3/141)، ((تفسير البيضاوي)) (4/64). وقيل: مكيَّةٌ سوى ثلاثِ آياتٍ، هي قوله تعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ [الحج: 19] إلى تمامِ ثلاثِ آياتٍ. وممن قال بهذا القولِ: السمرقنديُّ، ومكي، والرازي. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/447)، ((الهداية الى بلوغ النهاية)) لمكي (7/4833)، ((تفسير الرازي)) (23/199). .
الثَّالث: أنَّها مختلِطةٌ [8]   وممن اختار أنَّ السورةَ مختلطةٌ؛ منها المكِّيُّ، ومنها المدنيُّ: ابنُ عطية، والقرطبي -ونسباه للجمهورِ-، ومحمد رشيد رضا. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/105)، ((تفسير القرطبي)) (12/1)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/240). قال ابنُ عاشور: (أرادوا أنَّ كثيرًا منها مكيٌّ، وأنَّ مثلَه أو يقاربُه مدنيٌّ، وأنَّه لا يتعيَّنُ ما هو مكيٌّ منها، وما هو مدنيٌّ؛ ولذلك عبَّروا بقولِهم: هي مختلطةٌ). ((تفسير ابن عاشور)) (17/180). .

مقاصد السورة:

مِن أهَمِّ مقاصِدِ سُورةِ الحَجِّ:
بَيانُ التَّوحيدِ، وإقامةُ الأدلةِ عليه، وإثباتُ البَعثِ [9]   يُنظر: ((التفسير الوسيط)) لطنطاوي (9/270). .

موضوعات السورة:

مِن أهَمِّ الموضوعاتِ التي اشتَمَلت عليها السُّورةُ:
1- افتُتِحَت السُّورةُ بالأمرِ بتقوى اللهِ، والحَديثِ عن أهوالِ القيامةِ، وأحوالِ النَّاسِ فيه.
2- بيانُ الأدِلَّةِ على أنَّ البَعثَ حَقٌّ.
3- ذِكرُ جِدالِ المُشرِكينَ، وعِبادةِ المُنافِقينَ.
4- بَيانُ حُكمِ اللهِ بين العِبادِ، والفَصلِ بينهم، وأنَّ كُلَّ شَيءٍ في الكَونِ يَسجُدُ لله، وأنَّ كَثيرًا مِنَ النَّاسِ حَقَّ عليه العَذابُ.
5- عَقْدُ مُقارَنةٍ بين خَصمَينِ اختَصَموا في رَبِّهم مِنَ المُؤمِنينَ والكافِرينَ، مع بيانِ عاقِبةِ كُلٍّ منهما.
6- الحَديثُ عن فريضةِ الحَجِّ وما جَعَل اللهُ فيه من المنافِعِ، وصَدِّ المُشرِكينَ عن المسجدِ الحَرامِ.
7- التَّحذيرُ مِنَ الشِّركِ.
8- الإذْنُ للمُسلِمينَ بالقِتالِ، وضَمانُ النَّصرِ والتَّمكينِ في الأرضِ لهم.
9- تَسليةُ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم عمَّا أصابه مِن تكذيبٍ.
10- عَرضُ نماذِجَ مِن تكذيبِ المكَذِّبينَ مِن قَبلُ، ومِن مَصارِعِ المكَذِّبينَ ومَشاهِدِ القُرى المُدَمَّرةِ على الظَّالِمينَ.
11- عَرضُ طَرَفٍ مِن كَيدِ الشَّيطانِ للرُّسُلِ والنبيِّينَ في دَعوتِهم، وتثبيتِ اللهِ لِدَعوتِه، وإحكامِه لآياتِه.
12- التَّذكيرُ بألوانٍ مِن نِعَمِ اللهِ تعالى على الخَلقِ، وأنَّ الله اصطفى خَلْقًا مِنَ الملائِكةِ جعَلَهم رُسُلًا إلى النَّاسِ.
13- تَوجيهُ بَعضِ الإرشاداتِ إلى المؤمِنينَ بعِبادتِه سُبحانَه، وفِعلِ الخَيراتِ، والجِهادِ، وإقامةِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والاعتِصامِ باللهِ.