موسوعة التفسير

سورةُ طه
الآيات (77-79)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ

غريب الكلمات:

أَسْرِ: أي: سِرْ بِهم لَيلًا، والسُّرَى: سَيرُ اللَّيلِ، وأصلُ (سير): يدُلُّ على مُضِيٍّ وجَرَيانٍ [684] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/572)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 63)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/120)، ((المفردات)) للراغب (ص: 408). .
يَبَسًا: أي: يابِسًا، واليَبَسُ: المكانُ يكونُ فيه ماءٌ فيَذهَبُ، وأصلُ (يبس): يدُلُّ على جَفافٍ [685] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 280)، ((تفسير ابن جرير)) (16/120)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 515)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/154)، ((المفردات)) للراغب (ص: 889). .
دَرَكًا: أي: تَبِعةً أو لَحاقًا، وأصلُ (درك): لحوقُ الشَّيءِ بالشَّيءِ، ووُصولُه إليه [686] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 281)، ((تفسير ابن جرير)) (16/121)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 220)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/269)، ((المفردات)) للراغب (ص: 312)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 453). .
فَغَشِيَهُمْ: أي: أصابَهم وغطَّاهُم، والغِشاوةُ: الغِطاءُ والسَّاتِرُ، مِن غَشِيَ الشَّيءَ، أي: غطَّاه وستَرَه [687] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 40)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 75)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/425)، ((المفردات)) للراغب (ص: 607)، ((تفسير القرطبي)) (11/229)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 56). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: ولقد أوحَينا إلى موسى أن يَخرُجَ ليلًا ببني إسرائيلَ مِن أرضِ «مصرَ»، فيتَّخِذَ لهم في البَحرِ طريقًا يابسًا، غيرَ خائفٍ مِن فِرعَونَ وجُنودِه أن يَلحَقوهم، ولا من البَحرِ أن يغرَقَ فيه.
 ولَمَّا عَلِمَ فِرعونُ بخُروجِ موسى وبني إسرائيلَ مِن مِصرَ، أتبَعَهم بجُنودِه، فأصاب فِرعَونَ وجُندَه مِن البَحرِ شَيءٌ عظيمٌ لا يعلَمُ كُنهَه إلَّا اللهُ تعالى، فغَرِقوا جميعًا ونجا موسى وقَومُه، وأضلَّ فِرعَونُ قَومَه عن طَريقِ الحقِّ بما زيَّنه لهم من الكُفرِ والتَّكذيبِ، ولم يسلُكْ بهم طريقَ الهدايةِ!

تفسير الآيات:

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بيَّنَ الله سُبحانَه استكبارَ فِرعَونَ المُدعَّى في قَولِه فَكَذَّبَ وَأَبَى، وختَمَه سُبحانَه بأنَّه يُهلِكُ العاصيَ كائنًا مَن كان، ويُنجِّي الطائِعَ؛ أتبعَ ذلك شاهدًا مَحسوسًا عليه، كفيلًا ببيانِ أنَّه لم يُغنِ عن فِرعَونَ شَيءٌ مِن قُوَّتِه ولا استِكبارِه، فقال [688] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/316). :
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي.
أي: ولقد أوحَينا إلى موسى أنْ سِرْ ليلًا من أرضِ مِصرَ مع قَومِك بني إسرائيلَ؛ لِتُخرِجَهم من قَبضةِ فِرعَونَ الذي امتنعَ مِن إرسالِهم، وأبى قَبولَ الحقِّ الذي جاءَه مِن عندِ ربِّه [689] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/120)، ((الوسيط)) للواحدي (3/216)، ((تفسير ابن كثير)) (5/307)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/69). .
كما قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ [الشعراء: 52] .
وقال سُبحانَه: فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ [الدخان: 23] .
فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا.
أي: فاتَّخِذْ -يا موسى- لبني إسرائيلَ طَريقًا في البَحرِ يابسًا، لا ماءَ فيه ولا طينَ [690] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/120)، ((تفسير القرطبي)) (11/227)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/270)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/69). قال البقاعي: ( فَاضْرِبْ لَهُمْ أي: اعمَلْ بضربِ البحرِ بعصاك، ولذلك سمَّاه ضربًا. ولما كان ضربُ البحرِ بالعصا سببًا لوجودِ الطريقِ الموصوفة، أوقَع الفعل عليها فقال: طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا). ((نظم الدرر)) (12/316-317). وقال ابن عاشور: (الضربُ: هنا بمعنى الجعلِ كقولهم: ضرب الذهبَ دنانيرَ. وفي الحديث: «واضربوا لي معكم بسهمٍ»، وليس هو كقولِه: أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ [الشعراء: 63] ؛ لأنَّ الضربَ هنالك متعدٍّ إلى البحرِ وهنا نصب طريقًا). ((تفسير ابن عاشور)) (16/270). .
لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى.
أي: لا تخافُ -يا موسى- أن يُدرِكَكم فِرعَونُ وجُندُه، فينالَكم بسوءٍ، ولا تخشى الغرَقَ في البَحرِ [691] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/121)، ((تفسير القرطبي)) (11/228)، ((تفسير ابن كثير)) (5/307)، ((تفسير السعدي)) (ص: 510)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/71). .
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78).
أي: فلَحِقَ فِرعَونُ ومعه جنودُه موسى ومَن معه حين قَطَعوا البَحرَ، فأصاب فِرعَونَ وجُندَه مِن البَحرِ شَيءٌ عظيمٌ يفوقُ الوَصفَ، فغَرِقوا جميعًا [692] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/123)، ((البسيط)) للواحدي (14/478)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/209)، ((تفسير السعدي)) (ص: 510)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/71، 72). .
كما قال تعالى: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا [يونس: 90] .
وقال سُبحانَه: فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ [الشعراء: 60] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ [الشعراء: 64 - 66] .
وقال تبارك وتعالى: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ [الدخان: 24] .
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79).
أي: وصَرَف فِرعَونُ قَومَه القِبطَ عن طَريقِ الحقِّ، ولم يهْدِهم إليه، فلم يُحصِّلوا الخيرَ والنَّجاةَ [693] يُنظر: ((تفسير مقاتل)) (3/34)، ((تفسير ابن جرير)) (16/123)، ((تفسير القرطبي)) (11/229)، ((تفسير السعدي)) (ص: 510)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/272)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/73). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي، فيه سؤالٌ: ما الحكمةُ في أن يسري بهم ليلًا؟
والجوابُ أنَّ ذلك لوجوهٍ:
الوجه الأول: أن يكون اجتماعُهم لا بمشهدٍ من العدوِّ، فلا يمنعُهم عن استكمالِ مرادِهم في ذلك.
الوجه الثاني: ليكونَ عائقًا عن طلبِ فِرعَون ومتَّبِعيه.
الوجه الثالث: ليكونَ إذا تقارَب العسكرانِ، لا يرَى عسكرُ موسى عسكرَ فِرعَون، فلا يهابوهم [694] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (٢٢/80). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فيه دَلالةٌ على أنَّ موسى-عليه السَّلامُ- في تلك الحالةِ كَثُرَ مُستجيبوه، فأراد اللهُ تعالى تمييزَهم من طائفةِ فِرعَونَ وخلاصَهم، فأوحى إليه أن يسريَ بهم ليلًا [695] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (٢٢/80). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى افتتاحُ الجُملةِ بالقسَمِ وحرْفِ التَّحقيقِ (قد)؛ للاهتمامِ بالقِصَّةِ؛ لِيُلْقِيَ السَّامعونَ إليها أذهانَهم. وتَغييرُ الأسلوبِ في ابتداءِ هذه الجُملةِ مُؤذنٌ بأنَّ قِصَصًا طُوِيَت بين ذِكْرِ القِصَّتَينِ؛ فلوِ اقْتُصِرَ على حرْفِ العطْفِ، لَتُوهِّمَ أنَّ حِكايةَ القصَّةِ الأُولى لم تزَلْ مُتَّصلةً، فيُتَوَهَّمُ أنَّ الأمْرَ بالخُروجِ وقَعَ مُواليًا لانتهاءِ مَحْضرِ السَّحرةِ، مع أنَّ بينَ ذلك قِصَصًا كثيرةً ذُكِرَت في سُورةِ (الأعرافِ) وغيرِها؛ فجُملةُ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى ابتدائيَّةٌ، والواوُ عاطفةٌ قِصَّةً على قِصَّةٍ، وليست عاطفةً بعْضَ أجزاءِ قِصَّةٍ على بعْضٍ آخرَ [696] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/31)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/269- 270). .
- قولُه: أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فيه التَّعبيرُ عنهم بعُنوانِ كونِهم عِبادًا له تعالى؛ لتَشريفِهم، وتَقريبِهم، ولإظهارِ المَرْحمةِ والاعتناءِ بأمْرِهم، والتَّنبيهِ على غايةِ قُبْحِ صَنِيعِ فِرعونَ بهم؛ حيث استعْبَدَهم وهم عِبادُه عَزَّ وجَلَّ، وفعَلَ بهم من فُنونِ الظُّلمِ ما فعَلَ، والإيماءِ إلى تَخليصِهم من استعبادِ القبْطِ [697] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/361)، ((تفسير أبي السعود)) (6/31)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/270). .
- وقولُه: لَا تَخَافُ دَرَكًا وعْدٌ لمُوسى، وقدِ اقْتُصِرَ على وعْدِه دونَ بَقِيَّةِ قومِه؛ لأنَّه قُدوتُهم، فإذا لم يَخَفْ هو تَشَجَّعوا، وقوِيَ يَقينُهم، فهو خَبرٌ مُرادٌ به البُشرى [698] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/270). .
- وتَقديمُ نفْيِ الخوفِ المذكورِ؛ للمُسارَعةِ إلى إزاحةِ ما كانوا عليه مِن الخوفِ العظيمِ، حيث قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [699] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/31- 32). [الشعراء: 61] .
- وفي قولِه: وَلَا تَخْشَى حُذِفَ مفعولُه؛ لإفادةِ العُمومِ، أي: لا تَخْشى شيئًا، وهو عامٌّ مُرادٌ به الخُصوصُ، أي: لا تَخْشى شيئًا ممَّا يُخْشى من العدُوِّ ولا من الغرَقِ [700] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/271). .
- قَولُه: لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى أي: لا تخافُ إدراكَ فِرعَونَ، ولا تخشى غرَقًا في البحر، وإلَّا فالخَوفُ والخَشيةُ مُترادِفانِ، وغايَرَ بينهما لفظًا؛ رعايةً للبلاغةِ [701] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 366). .
2- قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ
- قولُه: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ الفاءُ فَصيحةٌ، مُعرِبةٌ عن مُضمَرٍ قد طُوِيَ ذِكْرُه؛ ثِقَةً بغايةِ ظُهورِه، وإيذانًا بكَمالِ مُسارَعةِ مُوسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى الامتثالِ بالأمْرِ، أي: ففعَلَ ما أُمِرَ بهِ؛ مِن الإسراءِ بهم، وضَرْبِ الطَّريقِ وسُلوكِه، فأتبَعَهم فِرعونُ بجُنودِه بَرًّا وبحْرًا [702] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/32)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/271). .
- قولُه: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ فيه إبهامٌ، أي: علاهم وغمَرَهم من الأمْرِ الهائلِ الَّذي ليس في طَوقِهم احتمالُه، ما لا يُمْكِنُ إدراكُ كُنْهِه، ولا سَبْرِ غَورِه، وهو مِن جوامعِ الكَلمِ الَّتي يَقِلُّ لَفْظُها، ويتشعَّبُ القولُ في مَعناها، حيثُ أوجزَ فهَوَّلَ بقولِه: مَا غَشِيَهُمْ، أي: أمرٌ لا تَحتمِلُ العقولُ وصْفَه حقَّ وصْفِه، ومِن المعلومِ أنَّهم غَشِيَهم غاشٍ؛ فتعيَّن أنَّ المقصودَ منه التهويلُ، أي: بلَغَ من هولِ ذلك الغرقِ أنَّه لا يُستطاعُ وصفُه؛ فالتعبيرُ بالاسمِ المُبهَم الذي هو الموصولُ يدلُّ على تعظيمِ الأمرِ، وتَفخيمِ شأنِه [703] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/78)، ((تفسير أبي حيان)) (7/363)، ((تفسير أبي السعود)) (6/32)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/318)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/272)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/72)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/227). .
- وكرَّر فِعل (غَشي) على معنى التعظيمِ والمعرفةِ بالأمرِ [704] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/229). .
3- قوله تعالى: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى
- قولُه: وَمَا هَدَى تَقريرٌ لإضلالِه، وتأكيدٌ له؛ فعطْفُ وَمَا هَدَى على وَأَضَلَّ إمَّا من عطْفِ الأعَمِّ على الأخصِّ؛ لأنَّ عدَمَ الهُدى يصدُقُ بترْكِ الإرشادِ من دونِ إضلالٍ، وإمَّا أنْ يكونَ تأكيدًا لَفظيًّا بالمُرادِفِ، مُؤكِّدًا لنفْيِ الهُدى عن فِرعونَ لقومِه؛ فيكونَ قولُه: وَمَا هَدَى تأكيدًا لـ (أَضَلَّ) بالمُرادِفِ؛ إذ رُبَّ مُضِلٍّ قد يُرشِدُ مَن يُضِلُّه إلى بَعضِ مَطالِبِه، أو يهديه بعْدَ إضلالِه. وفيه نوعُ تَهكُّمٍ به في قولِه: وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر: 29] ، أي: في قولِه: وَمَا هَدَى تلميحٌ إلى قِصَّةِ قولِه المحكيِّ في سُورة (غافِر)، وما هنا في سُورةِ (طه) مِن قولِه: بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى [طه: 63] ، أي: هي هُدًى؛ فإنَّ نفْيَ الهِدايةِ عن شخْصٍ مُشْعِرٌ بكونِه ممَّن يُتصوَّرُ منه الهدايةُ في الجُملةِ، وذلك إنَّما يُتصوَّرُ في حَقِّه بطَريقِ التَّهكُّمِ [705] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/78)، ((تفسير البيضاوي)) (4/34)، ((تفسير أبي السعود)) (6/32)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 366)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/272- 273)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/227). . وقيل: لَمَّا كان إثباتُ الفِعلِ لا يُفيدُ العُمومَ، نفَى ضِدَّه؛ ليُفيدَه، مع كونِه أوكدَ وأوقعَ في النفْسِ وأروعَ لها، فقال: وَمَا هَدَى أي: ما وقَع منه شيءٌ من الهدايةِ، لا لنَفْسِه ولا لأحدٍ مِن قومه [706] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/318). .