موسوعة التفسير

سُورةُ النَّصْرِ
الآيات (1-3)

ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ

غريب الكلمات:

أَفْوَاجًا: أي: جماعاتٍ كثيرةً، فَوجًا بعْدَ فَوجٍ، وأصلُ (فوج): يدُلُّ على تجَمُّعٍ .
تَوَّابًا: التَّوَّابُ فعَّالٌ مِن تابَ يَتوبُ: أي: يُوفِّقُ العبدَ للتَّوبةِ، ويَقْبَلُها منه، وحقيقةُ التَّوبةِ الرُّجوعُ إلى اللهِ بالْتِزامِ فِعلِ ما يُحِبُّ، وتَرْكِ ما يَكْرَهُ، وأصلُ (توب): يدُلُّ على الرُّجوعِ .

المعنى الإجمالي:

 افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ مخاطِبًا نَبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم، بقَولِه تعالى:
إذا نصَرَك اللهُ -يا محمَّدُ- على أعدائِك، وتحقَّق لك فَتحُ مكَّةَ، ورأَيتَ العَرَبَ يَدخُلونَ في الإسلامِ جماعاتٍ كثيرةً؛ فنَزِّهْ رَبَّك عن النَّقائِصِ والعُيوبِ تَنزيهًا مُقتَرِنًا بحَمْدِه، واطلُبْ منه محوَ ذُنوبِك؛ إنَّ اللهَ مُتَّصِفٌ أزَلًا وأبدًا بالتَّوبةِ على عِبادِه.

تفسير الآيات:

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1).
أي: إذا نصَرَك اللهُ -يا محمَّدُ- على أعدائِك، وتحقَّق لك فَتحُ مكَّةَ .
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2).
أي: ورأَيتَ العَرَبَ -يا محمَّدُ- يَدخُلونَ في الإسلامِ الَّذي أرسلَك اللهُ به جماعاتٍ كثيرةً، فَوجًا بعْدَ فَوجٍ .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((لَمَّا نزَلَت: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أتاكم أهلُ اليَمَنِ، هم أرَقُّ قُلوبًا، الإيمانُ يَمانٍ، الفِقهُ يَمانٍ، الحِكمةُ يَمانيَةٌ )) .
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3).
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ.
أي: فنَزِّهْ -يا محمَّدُ- رَبَّك عن النَّقائِصِ والعُيوبِ تنزيهًا مُقتَرِنًا بحَمْدِه، وهو وَصْفُه بصِفاتِ الكَمالِ محبَّةً له وتعظيمًا، واطلُبْ منه محوَ ذُنوبِك .
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُكثِرُ مِن قَولِ: سُبحانَ اللهِ وبحَمْدِه، أستَغفِرُ اللهَ وأتوبُ إليه. فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَراك تُكثِرُ مِن قَولِ: سُبحانَ اللهِ وبحَمْدِه، أستَغفِرُ اللهَ وأتوبُ إليه. فقال: خَبَّرَني ربِّي أنِّي سأرى علامةً في أمَّتي، فإذا رأيتُها أكثَرْتُ مِن قَولِ: سُبحانَ اللهِ وبحَمْدِه، أستَغفِرُ اللهَ وأتوبُ إليه، فقد رأيتُها: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَتحُ مكَّةَ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)) .
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُكثِرُ أن يقولَ في رُكوعِه وسُجودِه: سُبحانَك اللَّهمَّ رَبَّنا وبحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغفِرْ لي؛ يَتأوَّلُ القُرآنَ ) .
وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (كان عُمَرُ يُدخِلُني مع أشْياخِ بَدْرٍ، فقال بعضُهم: لِمَ تُدخِلُ هذا الفتى معنا ولنا أبناءٌ مِثْلُه؟! فقال: إنَّه مِمَّن قد عَلِمتُم، فدعاهم ذاتَ يومٍ ودعاني معهم، وما رُئِيتُه دعاني يَومَئذٍ إلَّا لِيُريَهم مِنِّي ، فقال: ما تَقولون في: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا حتَّى ختَمَ السُّورةَ؟ فقال بعضُهم: أُمِرْنا أن نحمَدَ اللهَ ونَستَغفِرَه إذا نصَرَنا وفَتَح علينا، وقال بعضُهم: لا ندري، أو لم يَقُلْ بعضُهم شيئًا، فقال لي: يا ابنَ عبَّاسٍ، أكذاك تقولُ؟ قُلتُ: لا، قال: فما تقولُ؟ قلتُ: هو أجَلُ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أعْلَمَه اللهُ له: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَتحُ مكَّةَ، فذاك علامةُ أجَلِك، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا، قال عُمَرُ: ما أعلَمُ منها إلَّا ما تَعلَمُ) .
إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا.
أي: إنَّ اللهَ مُتَّصِفٌ أزَلًا وأبدًا بالتَّوبةِ على عِبادِه، فيُوَفِّقُهم إليها، ويَقْبَلُها منهم .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء: 16].
وقال سُبحانَه وتعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى: 25] .

الفوائد التربوية:

1- قال اللهُ تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا الأمورُ الفاضِلةُ تُختَمُ بالاستغفارِ، كالصَّلاةِ والحَجِّ، وغيرِ ذلك، فأمْرُ اللهِ لرَسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم بالحَمدِ والاستغفارِ في هذه الحالِ إشارةٌ إلى أنَّ أجَلَه قد اقترب؛ فلْيَستعِدَّ ويتهيَّأْ للقاءِ رَبِّه، ويختِمْ عُمُرَه بأفضَلِ ما يجِدُه صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليه . فالواجبُ على الإنسانِ أن يَحرِصَ في آخِرِ عُمُرِه على الإكثارِ مِن طاعةِ الله، ولا سيَّما ما أوجَب اللهُ عليه، وأن يُكثِرَ مِن الاستِغفارِ والحَمدِ .
2- في قَولِه تعالى: إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا إشارةٌ إِلى أنَّه سُبحانَه يَقْبَلُ تَوبةَ المستغفِرينَ المُنيبينَ إليه؛ فهو تَرغيبٌ في الاستغفارِ، وحَثٌّ على التَّوبةِ .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال اللهُ تبارك وتعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا الإخبارُ بذلك كُلِّه قبْلَ وُقوعِه إخبارٌ بغَيبٍ؛ فهو مِن أعلامِ النُّبُوَّةِ .
2- في قَولِه تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إعلامٌ منه سُبحانَه لنَبِيِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بدُنُوِّ أجَلِه، وهذا مِن أدَقِّ الفَهمِ وألطَفِه، ولا يُدْرِكُه كلُّ أحدٍ؛ فإنَّه سُبحانَه لم يُعَلِّقِ الاستغفارَ بعَمَلِه، بل عَلَّقَه بما يُحدِثُه هو سُبحانَه مِن نِعمةِ فَتْحِه على رَسولِه ودُخولِ النَّاسِ في دِينِه، وهذا ليس بسَبَبٍ للاستغفارِ؛ فعُلِمَ أنَّ سببَ الاستغفارِ غيرُه، وهو حُضورُ الأجَلِ الَّذي مِن تمامِ نعمةِ اللهِ على عَبْدِه توفيقُه للتَّوبةِ النَّصوحِ والاستغفارِ بيْن يَدَيه؛ لِيَلْقَى ربَّه طاهِرًا مُطهَّرًا مِن كلِّ ذنْبٍ، فيَقْدَمَ عليه مسرورًا راضيًا مَرْضيًّا عنه، ويدُلُّ عليه أيضًا قولُه: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ، وهو صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُسَبِّحُ بحَمدِه دائمًا، فعُلِمَ أنَّ المأمورَ به مِن ذلك التَّسبيحِ بعْدَ الفتحِ ودُخولِ النَّاسِ في هذا الدِّينِ أمرٌ أكبَرُ مِن ذلك المتقدِّمِ، وذلك مُقَدِّمةٌ بيْن يَدَي انتقالِه إلى الرَّفيقِ الأعلى، وأنَّه قد بَقِيت عليه مِن عُبوديَّةِ التَّسبيحِ والاستِغفارِ الَّتي تُرَقِّيه إلى ذلك المقامِ بقيَّةٌ، فأَمَرَه بتوفيتِها، ويدُلُّ عليه أيضًا أنَّه سُبحانَه شَرَعَ التَّوبةَ والاستغفارَ في خواتيمِ الأعمالِ؛ فشَرَعَها في خاتمةِ الحجِّ وقيامِ اللَّيلِ، وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا سَلَّمَ مِن الصَّلاةِ استغفرَ ثلاثًا ، فعُلِمَ أنَّ التَّوبةَ مَشروعةٌ عَقِيبَ الأعمالِ الصَّالحةِ، فأَمَرَ رسولَه بالاستِغفارِ عَقِيبَ توفيتِه ما عليه مِن تبليغِ الرِّسالةِ والجِهادِ في سبيلِه حينَ دَخَلَ النَّاسُ في دِينِه أفواجًا، فكأنَّ التَّبليغَ عبادةٌ قد أكمَلَها وأدَّاها؛ فشُرِعَ له الاستِغفارُ عَقِيبَها .
3- قَولُ اللهِ تعالى: وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا لم يقلْ: (في دينِ الرَّبِّ)، ولا سائِرِ الأسماءِ؛ لأنَّ هذا الاسمَ أعظَمُ الأسماءِ -على قولٍ-؛ لدَلالتِه على الذَّاتِ والصِّفاتِ، فكأنَّه يقولُ: هذا الدِّينُ إن لم يكُنْ له خَصلةٌ سِوى أنَّه دينُ اللهِ، فإنَّه يكونُ واجِبَ القَبولِ. وقيل غير ذلك .
4- قَولُ اللهِ تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يدُلُّ على فَضلِ التَّسبيحِ والتَّحميدِ؛ حيثُ يُجعَلُ كافيًا في أداءِ ما وَجَب عليه مِن شُكرِ نِعمةِ النَّصرِ والفَتحِ .
5- قَولُ اللهِ تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا فيه استِحبابُ التَّسبيحِ في الرُّكوعِ والسُّجودِ ، عن عائشةَ رضيَ الله عنها قالت: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُكثِرُ أن يقولَ في رُكوعِه وسُجودِه: سُبحانَك اللَّهُمَّ رَبَّنا وبحَمْدِك، اللَّهُمَّ اغفِرْ لي؛ يَتأوَّلُ القُرآنَ)) .
6- في قَولِه تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ اقتِرانُ التَّسبيحِ بالحَمدِ، فالباءُ هنا للمُصاحَبةِ؛ وذلك لأنَّه إذا كان التَّسبيحُ مصحوبًا بالحَمدِ فإنَّه به يَتحقَّقُ الكَمالُ؛ لأنَّ الكَمالَ لا يَتحقَّقُ إلَّا بانتفاءِ العيوبِ، وثُبوتِ صِفاتِ الكَمالِ؛ فانتِفاءُ العُيوبِ مأخوذٌ مِن قَولِه: فَسَبِّحْ؛ لأنَّ التَّسبيحَ معناه التَّنزيهُ عن كلِّ نَقصٍ وعَيبٍ، وثبوتُ الكمالاتِ مأخوذٌ مِن قولِه: بِحَمْدِ؛ لأنَّ الحمدَ هو وَصفُ المحمودِ بالصِّفاتِ الكامِلةِ .
7- في قَولِه تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا إشارةٌ إلى قُربِ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويحتَمِلُ أن يكونَ فيه إشارةٌ إلى أنَّ قِلَّةَ الفُتوحِ في زمانِه صلَّى الله عليه وسلَّم لا صُنْعَ له فيه؛ لأنَّ سبَبَه قِصَرُ مُدَّتِه، فمعنى المغفرةِ له: رَفْعُ الملامةِ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم .
8- قال اللهُ تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا أمَرَ بالتَّسبيحِ والحَمدِ؛ لِيَكونَ شُكرًا على النَّصرِ والفَتحِ وظُهورِ الإسلامِ، وأمَرَه بذلك وبالاستغفارِ عندَ اقترابِ أجَلِه؛ ليَكونَ ذلك زادًا للآخِرةِ وعُدَّةً للِقاءِ اللهِ .
9- في قَولِه تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا أمْرُه سُبحانَه للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالتَّسبيحِ بحَمْدِه، والاستغفارِ في هذه الحالِ، وهذا لا يَقتضي أنَّه لا يُشرَعُ في غَيرِها، أو لا يُؤمَرُ به غَيرُه، بل يَقتضي أنَّ هذا سَبَبٌ لِمَا أُمِرَ به -وإنْ كان مأمورًا به في مواضعَ أُخَرَ- كما يُؤْمَرُ الإنسانُ بالحَمدِ والشُّكرِ على نِعمةٍ وإنْ كان مأمورًا بالشُّكرِ على غيرِها، وكما يُؤمَرُ بالتَّوبةِ مِن ذَنْبٍ وإنْ كان مأمورًا بالتَّوبةِ مِن غيرِه، لكنْ هو أُمِرَ أنْ يَختِمَ عمَلَه بهذا، فغيرُه أحوَجُ إلى هذا منه، وقد يَحتاجُ العَبدُ إلى هذا في غيرِ هذه الحالِ، كما يَحتاجُ إلى التَّوبةِ؛ فهو محتاجٌ إلى التَّوبةِ والاستِغفارِ مُطلقًا .
10- في قَولِه تعالى: وَاسْتَغْفِرْهُ سؤالٌ: أنَّ اللهَ تبارك وتعالى أنزَلَ على نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [الفتح: 1-2] ، والفَتحُ قد حَصَل، فيكونُ المعلولُ حاصلًا، وهو المغفرةُ، فكيف يدعو بالمغفِرةِ؟
الجوابُ: أنَّ هذا مِن بابِ كَمالِ التَّذَلُّلِ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم للهِ عزَّ وجلَّ، وأنَّ هذا مِن بابِ التَّأكيدِ لِمَا ثَبَتَ، والتَّوكيدُ لِمَا ثَبَتَ أمرٌ معلومٌ في اللُّغةِ العربيَّةِ .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
- قولُه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ عُطِفَ الفتْحُ على النَّصرِ؛ لأنَّهما مُتغايِرانِ؛ فالنَّصرُ الإغاثةُ والإظهارُ على العدُوِّ، ومنه: نصَرَ اللهُ الأرضَ؛ غاثَها، والفتحُ: فتْحُ البلادِ .
- والمُرادُ بالفتْحِ: فتْحُ مكَّةَ، كما يُشعِرُ به التَّعريفُ بلامِ العهْدِ، وهو المعهودُ في قَولِه تعالَى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح: 1- 3] ؛ فإضافةُ نَصْرُ إلى اللَّهِ تُشعِرُ بتَعظيمِ هذا النَّصرِ، وأنَّه نصْرٌ عَزيزٌ، خارقٌ للعادةِ، اعْتَنى اللهُ بإيجادِ أسبابِه، ولم تَجْرِ على مُتعارَفِ تَولُّدِ الحَوادثِ عن أمثالِها ، فمعناه: نَصرٌ لا يَليقُ إلَّا باللهِ، ولا يَليقُ أن يَفعَلَه إلَّا اللهُ، أو لا يليقُ إلَّا بحِكمتِه، ويُقالُ: (هذا صَنعةُ زَيدٍ)، إذا كان زيدٌ مَشهورًا بإحكامِ الصَّنعةِ، والمرادُ منه تعظيمُ حالِ تلك الصَّنعةِ، فكذا هاهنا. أو: لأنَّه إجابةٌ لدُعائِهم: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة: 214] ، فيقولُ: هذا الَّذي سألْتُموه .
وقيل: مُتعلَّقُ النَّصرِ والفتْحِ مَحذوفٌ؛ وهو نصْرُ رَسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم والمؤمنينَ على أعْدائِهم، وفتْحُ مكَّةَ وغيرِها عليهم؛ كالطَّائفِ ومُدنِ الحِجازِ وكثيرٍ مِن اليمَنِ. وقيل: نصْرُه صلَّى الله عليه وسلَّم على قُرَيشٍ، وفتْحُ مكَّةَ .
وقيلَ: المرادُ: جِنسُ نصْرِ الله تعالَى ومُطلَقُ الفتْحِ؛ فإنَّ فتْحَ مكَّةَ لَمَّا كانَ مِفْتاحَ الفُتوحِ ومَناطَها -كما أنَّ نفْسَها أمُّ القُرَى وإمامُها- جُعِلَ مَجيئُه بمَنزلةِ مَجيءِ سائرِ الفُتوحِ، وعُلِّقَ بهِ أمْرُه عليه السَّلامُ بالتَّسبيحِ والحمْدِ .
2- قولُه تعالَى: وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا النَّاسُ: اسمُ جمْعٍ يدُلُّ على جَماعةٍ مِن الآدَميِّينَ، والتَّعريفُ في هذه الآيةِ قيل: هو للاستِغراقِ العُرفيِّ، أي: جَميعَ النَّاسِ الَّذين يَخطُرون بالبالِ؛ لعَدَمِ إرادةِ مَعهودينَ مُعيَّنينَ، ولاستحالةِ دُخولِ كلِّ إنسانٍ في دِينِ اللهِ بدَليلِ المُشاهَدةِ، فالمعْنى: ورَأيتَ العرَبَ، أو: ورَأيتَ ناسًا كَثيرينَ .
3- قولُه تعالَى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا قُرِنَ التَّسبيحُ بالحمْدِ بباءِ المُصاحَبةِ -على قولٍ- المُقتضيةِ أنَّ التَّسبيحَ لاحقٌ للحمْدِ؛ لأنَّ باءَ المُصاحَبةِ بمعْنى (مع)، فهي مِثلُ (مع) في أنَّها تَدخُلُ على المَتبوعِ، فكان حمْدُ اللهِ على حُصولِ النَّصرِ والفتْحِ ودُخولِ النَّاسِ في الإسلامِ شيئًا مَفْروغًا منه لا يحتاجُ إلى الأمرِ بإيقاعِه؛ لأنَّ شَأنَ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قدْ فَعَلَه، وإنَّما يحتاجُ إلى تَذكيرِه بتَسبيحٍ خاصٍّ لم يَحصُلْ مِن قبْلُ في تَسبيحاتِه، وباستغفارٍ خاصٍّ لم يَحصُلْ مِن قبْلُ في استِغفارِه . والحمْدُ مُضافٌ للمَفعولِ، أي: فسَبِّحْه حامدًا له، أي: نزِّهْه عمَّا لا يَليقُ به، وأثبِتْ له ما يَليقُ به، فهي داخلةٌ في حيِّزِ الأمرِ. وقيل: الباءُ للاستعانةِ، والحمدُ مُضافٌ إلى الفاعلِ، أي: سبِّحْه بما حَمِدَ به نفْسَه، كقولِه: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ إذ ليس كلُّ تسبيحٍ بمحمودٍ .
- والأمرُ بالاستغفارِ مع التَّسبيحِ في قَولِه: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ تَكميلٌ للأمرِ بما هو قِوامُ أمْرِ الدِّينِ؛ مِن الجمْعِ بيْن الطَّاعةِ، والاحتراسِ مِن المَعصيةِ، ولأنَّ الاستغفارَ مِن التَّواضُعِ للهِ وهضْمِ النَّفْسِ، فهو عِبادةٌ في نفْسِه .
- وتَقديمُ التَّسبيحِ والحمْدِ على الاستِغفارِ؛ لأنَّ التَّسبيحَ راجعٌ إلى وَصْفِ اللهِ تعالَى بالتَّنزُّهِ عن النَّقصِ، وهو يَجمَعُ صِفاتِ السَّلبِ، فالتَّسبيحُ مُتمحِّضٌ لجانبِ اللهِ تعالَى، ولأنَّ الحمْدَ ثَناءٌ على اللهِ لإنعامِه، وهو أداءُ العبْدِ ما يَجِبُ عليه لشُكرِ المُنعِمِ، فهو مُستلزِمٌ إثباتَ صِفاتِ الكَمالِ لله الَّتي هي مَنشَأُ إنعامِه على عَبْدِه، فهو جامعٌ بيْنَ جانبِ اللهِ وحظِّ العبْدِ، وأمَّا الاستغفارُ فهو حظٌّ للعبْدِ وَحْدَه؛ لأنَّه طلَبُه مِن اللهِ أنْ يَعفُوَ عمَّا يُؤاخِذُه عليه .
- وأيضًا في تَقديمِ الأمرِ بالتَّسبيحِ والحمْدِ على الأمرِ بالاستِغفارِ تَمهيدٌ لإجابةِ استغفارِه، على عادةِ العرَبِ في تَقديمِ الثَّناءِ قبْلَ سُؤالِ الحاجةِ؛ فإنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكُنْ يَخْلو عن تَسبيحِ اللهِ، فأُرِيدَ تَسبيحٌ يُقارِنُ الحمْدَ على ما أُعطِيَه مِن النَّصرِ والفتْحِ ودُخولِ الأُمَّةِ في الإسلامِ .
- وعطْفُ الأمرِ باستِغفارِ اللهِ تعالَى على الأمرِ بالتَّسبيحِ مع الحمْدِ يَقْتضي أنَّه مِن حيِّزِ جَوابِ إِذَا، وأنَّه استغفارٌ يَحصُلُ مع الحمْدِ، فيدُلُّ على أنَّه استغفارٌ خاصٌّ؛ لأنَّ الاستغفارَ الَّذي يعُمُّ طلَبَ غُفرانِ التَّقصيرِ ونحوه مَأمورٌ به مِن قبْلُ، وهو مِن شَأنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فقدْ قال: ((إنَّه لَيُغَانُ على قَلْبي، وإنِّي لَأَستَغفِرُ اللهَ في اليَومِ مِئةَ مَرَّةٍ)) ، فكان تَعليقُ الأمرِ بالتَّسبيحِ وبالاستغفارِ على حُصولِ النَّصرِ والفتْحِ إيماءً إلى تَسبيحٍ واستغفارٍ يَحصُلُ بهما تَقرُّبٌ لم يُنْوَ مِن قبْلُ، وهو التَّهيُّؤُ لِلِقاءِ اللهِ، وأنَّ حَياتَه الدُّنيويَّةَ أوشَكَت على الانتهاءِ، وانتهاءِ أعمالِ الطَّاعاتِ والقُرُباتِ الَّتي تَزيدُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في رفْعِ دَرَجاتِه عندَ ربِّه، فكان هذا إيذانًا باقترابِ وَفاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بانتقالِه مِن حَياةِ تَحمُّلِ أعباءِ الرِّسالةِ إلى حَياةٍ أبَديَّةٍ في العُلويَّاتِ المَلَكيَّةِ، والكلامُ مِن قَبيلِ الكِنايةِ الرَّمزيةِ ، وهي لا تُنافي إرادةَ المعْنى الصَّريحِ بأنْ يُحمَلَ الأمرُ بالتَّسبيحِ والاستغفارِ على معْنى الإكثارِ مِن قَولِ ذلك .
- وكان مُقْتضى الظَّاهرِ أنْ يقولَ: (فسَبِّحْ بحَمْدِه)؛ لتَقدُّمِ اسمِ الجَلالةِ في قَولِه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ، فعُدِلَ عن الضَّميرِ إلى الاسمِ الظَّاهرِ -وهو رَبِّكَ- لِما في صِفةِ (ربّ) وإضافتِها إلى ضَميرِ المُخاطَبِ مِن الإيماءِ إلى أنَّ مِن حِكمةِ ذلك النَّصرِ والفتْحِ ودُخولِ النَّاسِ في الإسلامِ نِعمةً أنعَمَ اللهُ بها عليه إذ حَصَلَ هذا الخيرُ الجليلُ بواسطتِه، فذلك تَكريمٌ له وعِنايةٌ به، وهو شَأنُ تَلطُّفِ الرَّبِّ بالمَربوبِ؛ لأنَّ مَعناهُ السِّيادةُ المَرفوقةُ بالرِّفقِ والإبلاغِ إلى الكَمالِ .
- قولُه: إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا تَذييلٌ للكلامِ السَّابقِ كلِّه، وتَعليلٌ لِما يَقْتضي التَّعليلَ فيه مِن الأمرِ باستغفارِ ربِّه باعتبارِ الصَّريحِ مِن الكلامِ السَّابقِ .
- وتَوَّابٌ: مِثالُ مُبالَغةٍ مِن: تابَ عليه، أيْ: مُبالِغًا في قَبولِ تَوبتِهم .
- وقد اشتَمَلَت جُملةُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا على أربعةِ مُؤكِّداتٍ؛ هي: (إنَّ)، و(كان)، وصِيغةُ المُبالَغةِ في التَّوَّابِ، وتَنوينُ التَّعظيمِ فيه، وحيثُ كان التَّوكيدُ بـ(إنَّ) هنا غيرَ مَقصودٍ به ردُّ إنكارٍ ولا إزالةُ تَردُّدٍ -إذ لا يُفرَضانِ في جانبِ المُخاطَبِ صلَّى الله عليه وسلَّم- فقدْ تَمحَّضَ (إنَّ) لإفادةِ الاهتمامِ بالخبَرِ بتَأكيدِه، وقدْ تَقرَّرَ أنَّ مِن شَأنِ (إنَّ) إذا جاءت على هذا الوجْهِ أنْ تُغنِيَ غَناءَ فاءِ التَّرتيبِ والتَّسبُّبِ، وتُفيدَ التَّعليلَ ورَبْطَ الكلامِ بما قبْلَه كما تُفيدُه الفاءُ. وإذ قدْ كان الكلامُ تَذييلًا وتَعليلًا للكلامِ السَّابقِ؛ تعيَّنَ أنَّ حذْفَ مُتعلَّقِ تَوَّابًا يُقدَّرُ بنَحْوِ: على التَّائبينَ، وهذا المُقدَّرُ مُرادٌ به العُمومُ، وهو عُمومٌ مَخصوصٌ بالمَشيئةِ تُخصِّصُه أدِلَّةُ وَصْفِ الرُّبوبيَّةِ. ولَمَّا ذُكِرَ دَليلُ العُمومِ عَقِبَ أمْرِه بالاستغفارِ أفاد أنَّه إذا استَغفَرَه غَفَرَ له، دَلالةً تَقْتضيها مُستتبَعاتُ التَّراكيبِ، فأفادتْ هذه الجُملةُ تَعليلَ الأمرِ بالاستِغفارِ؛ لأنَّ الاستغفارَ طَلَبُ الغَفْرِ، فالطَّالبُ يَترقَّبُ إجابةَ طَلَبِه، وأمَّا ما في الجُملةِ مِن الأمرِ بالتَّسبيحِ والحمْدِ فلا يَحتاجُ إلى تَعليلٍ؛ لأنَّهما إنشاءُ تَنزيهٍ وثَناءٍ على اللهِ تعالى. ومِن وَراءِ ذلك أفادَتِ الجُملةُ إشارةً إلى وَعْدٍ بحُسنِ القَبولِ عندَ اللهِ تعالَى حِينَما يَقدَمُ على العالَمِ القُدسيِّ، وهذا معنًى كِنائيٌّ؛ لأنَّ مَن عُرِفَ بكَثرةِ قَبولِ تَوبةِ التَّائبينَ شَأنُه أنْ يُكرِمَ وِفادةَ الوافِدينَ الَّذين سَعَوا جُهودَهم في مَرْضاتِه بمُنْتهى الاستطاعةِ؛ فهذه الجُملةُ بمَدلولِها الصَّريحِ ومَدلولِها الكِنائيِّ ومُستتبَعاتِها؛ تَعليلٌ لِما تَضمَّنَتْه الجُملةُ الَّتي قبْلَها مِن معنًى صَريحٍ أو كِنائيٍّ يُناسِبُه التَّعليلُ بالتَّسبيحِ والحمْدِ باعتبارِهِما تَمهيدًا للأمرِ بالاستغفارِ لا يَحتاجانِ إلى التَّعليلِ، أو يُغْني تَعليلُ المُمهَّدِ له بِهما عن تَعليلِهما، ولكنَّهما باعتبارِ كَونِهما رمْزًا إلى مُداناةِ وَفاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يكونُ ما في قَولِه: إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا مِن الوعْدِ بحُسنِ القَبولِ تَعليلًا لمَدلولِهِما الكِنائيِّ، وأمَّا الأمرُ بالاستغفارِ فمُناسَبةُ التَّعليلِ له بقَولِه: إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ناهِضةٌ باعتبارِ كِلْتا دَلالتَيْه الصَّريحةِ والكِنائيَّةِ، أي: إنَّه مُتقبِّلٌ استِغفارَك ومُتقبِّلُك بأحسَنِ قَبولٍ، شَأنَ مَن عُهِدَ منه الصَّفْحُ والتَّكرُّمُ .
- ومُقْتضَى الظَّاهرِ أنْ يُقالَ: (إنَّه كان غفَّارًا)، فيَجْري الوصْفُ على ما يُناسِبُ قولَه عزَّ وجلَّ: وَاسْتَغْفِرْهُ؛ كما قال تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [نوح: 10] ؛ فقيل: المرادُ مِن الاستغفارِ ليس قولَه: أستغفِرُ اللهَ، ولكنْ أن يَتوبَ إليه، ويَطلُبَ منه المغفرةَ بالتَّوبةِ. ويجوزُ أن يكونَ فيه إضمارٌ، كأنَّه قال: واستغفِرْه، وتُبْ إليه؛ إنَّه كان تَوَّابًا. ويجوزُ أن يكونَ احتِباكًا ، والأصلُ: واستغفِرْه إنَّه كان غَفَّارًا، وتُبْ إليه إنَّه كان تَوَّابًا، فاستُغنيَ بذِكْرِ الاستغفارِ في السُّؤالِ عن ذِكرِه في الجوابِ، وأحرى أن يُستغنى بذِكرِ التَّوبةِ في الجَوابِ عن ذِكرِها في السُّؤالِ. وقيل: اختيارُ تَوَّابًا على (غَفَّارًا) مع أنَّه الَّذي يَستدعيه وَاسْتَغْفِرْهُ ظاهِرًا؛ للتَّنبيهِ على أنَّ الاستغفارَ إنَّما يَنفعُ إذا كان مع التَّوبةِ .
ولأنَّ وصْفَ (توَّاب) أشَدُّ مُلاءَمةً لإقامةِ الفاصلةِ مع فاصلةِ أَفْوَاجًا؛ لأنَّ حرْفَ الجيمِ وحرْفَ الباءِ كِلَيْهما حرْفٌ مِن الحُروفِ المَوصوفةِ بالشِّدَّةِ، بخِلافِ حرْفِ الرَّاءِ؛ فهو مِن الحُروفِ الَّتي صِفتُها بيْن الشِّدَّةِ والرِّخوةِ . وقيل غيرُ ذلك .