موسوعة التفسير

سُورةُ يُونُس
الآيات (71-73)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ

غريب الكلمات:

كَبُرَ: أي: شَقَّ، وعَظُمَ وصَعُبَ. وأصلُ (كبر): يدلُّ على خِلافِ الصِّغَر [922] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 393)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/153)، ((المفردات)) للراغب (ص: 696)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 155). .
مَقَامِي: أي: لُبثي وطولُ مُكثي بينَ أظهرِكم، وقيل: المرادُ بالمَقامِ القيامُ؛ أي: قيامي لوعظِكم؛ لأنَّ الواعظَ يقومُ حالَ وعظِه، والمَقامُ يكونُ مصدرًا، واسمَ مكانِ القيامِ، وزمانِه، وأصلُ (قوم): يدلُّ على انْتِصابٍ أو عَزْمٍ [923]  يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/43)، ((البسيط)) للواحدي  (11/259)، ، ((تفسير ابن عطية)) (3/131)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 155)، ((المفردات)) للراغب (ص: 691)، ((تفسير الشوكاني)) (2/525). .
فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ: أي: فأعِدُّوا أمْرَكم، واعْزِموا على ما تُقْدِمون عليه في أمري، يُقالُ: أَجْمَعْتُ على كذا، بمعنَى: عَزَمْتُ عليه، وأَجْمَعْتُ كذا: أكثرُ ما يُقالُ فيما يكونُ جمعًا يُتوصَّلُ إليه بالفكرةِ، وأصل (جمع): يَدُلُّ عَلَى تَضَامِّ الشَّيْءِ [924] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/231)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/479)،  ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 155)، ((المفردات)) للراغب (ص: 201). .
غُمَّةً: أي: مُلتَبِسًا مُشكِلًا مُبهَمًا. وأصلُ (غم): يدُلُّ على تَغطيةٍ وإطباقٍ [925] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 198)، ((تفسير ابن جرير)) (12/232)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 354)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/377). .
اقْضُوا إِلَيَّ: أي: أمضُوا إليَّ ما في أنفُسِكم وافرُغُوا منه. وأصلُ (قضي): يدلُّ على إنفاذِ أمرٍ لجِهَتِه [926] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 198)، ((تفسير ابن جرير)) (12/233)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 106)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/99)، ((المفردات)) للراغب (ص: 675). .
تُنْظِرُونِ: أي: تؤخِّرونِ، وأصلُ (نظر): يدلُّ على انتظارٍ [927] ينظر ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 106)، ((المفردات)) للراغب (ص: 813)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 231). .

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ
وَشُرَكَاءَكُمْ: مَنصوبٌ عطفًا على أَمْرَكم بتقديرِ حذفِ مُضافٍ، أي: وأمْرَ شركائِكم، وإنَّما قُدِّر مضافٌ محذوفٌ؛ لأنَّ الأكثَرَ أنَّ فِعلَ (أَجْمع) يُستعمَلُ في المعاني، و (جَمَع) يُستعمَل في الأعيانِ، فيُقال: أجمعَ أمْرَه، وجَمَع شُركاءَه. وقيل: إنَّه منصوبٌ بإضمارِ فعلٍ لائقٍ، أي: واجْمَعوا أو ادْعُوا شُركاءَكم. وقيل: إنَّه مفعولٌ معه، والواوُ هنا واو المعيَّةِ [928] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/349-350)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/680-681)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/240-242)، ((تفسير الألوسي)) (8/69). .

المعنى الإجمالي:

يأمُرُ اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يتلوَ على كفَّارِ مَكَّةَ خبَرَ نُوحٍ عليه السَّلامُ مع قومِه حين قال لهم: إنْ كان عَظُمَ عليكم وُجودي بين أظهُرِكم، وتذكيري إيَّاكم بحُجَجِ اللهِ وبراهينِه، فعلى اللهِ توكَّلتُ، فأعِدُّوا أمْرَكم، وادعُوا شُرَكاءَكم لإعانتِكم، ثمَّ لا تجعَلوا أمْرَكم عليكم مُستَتِرًا مُشكِلًا، ثمَّ أَمضُوا إليَّ ما في أنفُسِكم، ولا تُمهِلوني، فإن أعرَضتُم عن دَعوتي، فإنَّني لم أسأَلْكم عليها أجرًا؛ لأنَّ ثوابي عند ربِّي وأجري عليه سُبحانَه، وأُمِرتُ أن أكونَ مِن المُسلِمينَ.
ثمَّ أخبَرَ تعالى أنَّ نوحًا كذَّبَه قومُه، فنجَّاه اللهُ هو ومَن معه في السَّفينةِ، وجعَلَهم يَخْلُفونَ المكَذِّبينَ في الأرضِ، وأغرقَ الذين جَحَدوا حُجَجَه، ثمَّ أمرَ الله تعالى نبيَّه مُحمَّدًا أن يتأمَّلَ كيف كان عاقبةُ القَومِ الذين أنذَرَهم رسولُهم عذابَ اللهِ وبأسَه؟

تفسير الآيات:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ (71).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالى الدَّلائِلَ على وحدانيَّتِه، وذكَرَ ما جرى بين الرَّسولِ والكفَّارِ؛ ذكَرَ قَصصًا مِن قَصَصِ الأنبياءِ، وما جرى لهم مع قَومِهم من الخِلافِ؛ وذلك تسليةً للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولِيَتأسَّى بمَن قَبلَه من الأنبياءِ، فيَخِفَّ عليه ما يلقَى مِن التَّكذيبِ، وقِلَّةِ الأتباعِ، ولِيَعلمَ المتلوُّ عليهم هذا القَصَصُ عاقبةَ مَن كذَّبَ الأنبياءَ، وما منح اللهُ نبيَّه مِن العلمِ بهذا القَصَصِ، وهو لم يُطالِعْ كتابًا، ولا صَحِبَ عالِمًا، وأنَّها طِبقُ ما أخبَرَ به، فدلَّ ذلك على أنَّ الله أوحاه إليه، وأعلَمَه به، وأنَّه نبيٌّ لا شَكَّ فيه [929] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/86). .
وأيضًا فهي انتقالٌ مِن مُقارعةِ المُشرِكينَ بالحُجَج السَّاطعةِ على بُطلانِ دِينِهم، وبالدَّلائِلِ الواضحةِ على تفنيدِ أكاذيبِهم وتكذيبِهم، وما تخلَّلَ ذلك مِن الموعظةِ والوعيدِ بالعذابِ العاجِلِ والآجِلِ، إلى التَّعريضِ لهم بذِكرِ ما حَلَّ بالأُمَم المُماثلةِ أحوالُها لأحوالِهم؛ استِقصاءً لطرائِقِ الحِجاجِ على أصحابِ اللَّجاجِ، ففي ذِكرِ عاقِبةِ قَومِ نُوحٍ عليه السَّلامُ تعريضٌ للمُشرِكينَ بأنَّ عاقِبتَهم كعاقبةِ أولئك، أو أنَّهم إنَّما يُمتَّعونَ قليلًا، ثم يُؤخَذونَ أخذةً رابيةً، كما مُتِّعَ قَومُ نوحٍ زمنًا طويلًا، ثمَّ لم يُفلِتوا من العذابِ في الدُّنيا، فذكَرَ قِصَّةَ نُوحٍ مع قومِه عِظةً للمُشرِكينَ، ومُلقيًا بالوَجَلِ والذُّعرِ في قلوبهم، وفي ذلك تأنيسٌ للرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم وللمُسلمينَ بأنَّهم أُسوةٌ بالأنبياءِ والصَّالحينَ مِن أقوامِهم [930] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/234-235). .
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ.
أي: واقرأْ- يا مُحمَّدُ- على قَومِك المُشرِكينَ خَبَرَ نوحٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مع قَومِه الذينَ كذَّبوه فأهلَكَهم اللهُ؛ لِيَحذَرَ قومُك من أن يُصيبَهم اللهُ بعِقابِه [931] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/230)، ((تفسير القرطبي)) (8/362)، ((تفسير ابن كثير)) (4/283)، ((تفسير السعدي)) (ص: 369)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/235). .  
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ.
أي: حين قال لِقَومِه: يا قومي، إن كان عَظُم وثقُلَ عليكم لُبثِي بين أظهُرِكم، وشَقَّ عليكم وَعظي إيَّاكم بالدَّلائِلِ والبراهينِ الإلهيَّةِ، فعَزَمتُم على أن تنالوني بسوءٍ- فَعَلى اللهِ اعتمَدْتُ؛ فهو مَن ينصُرُني، ويمنَعُ أذاكم عني [932] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/230)، ((البسيط)) للواحدي (11/259)، ((تفسير ابن عطية)) (3/131)، ((تفسير القرطبي)) (8/362)، ((تفسير ابن كثير)) (4/283)، ((تفسير السعدي)) (ص: 369). .
كما قال تعالى: قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ * قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 116 - 118] .
فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ.
أي: فأعِدُّوا أمْرَكم، واعزِموا جميعًا على إيذائي، وادعُوا مَن تدعونَ مِن دونِ اللهِ لإعانتِكم [933] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/231، 232)، ((البسيط)) للواحدي (11/259)، ((تفسير ابن عطية)) (3/132)، ((تفسير ابن كثير)) (4/283)، ((تفسير السعدي)) (ص: 369)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/238، 239). .
ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً .
أي: ثمَّ لا يكُنْ أمرُكم خفيًّا مُشكِلًا، فيه لبسٌ عليكم [934] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/232)، ((تفسير القرطبي)) (8/363)، ((تفسير ابن كثير)) (4/283)، ((تفسير السعدي)) (ص: 369). قال القرطبي: (أي: لِيَكنْ أمرُكم ظاهرًا مُنكَشِفًا، تتمَكَّنونَ فيه ممَّا شِئتُم، لا كمَن يخفَى أمرُه، فلا يقدِرُ على ما يُريدُ). ((تفسير القرطبي)) (8/363). وقال ابنُ كثير: (أي: ولا تجعَلوا أمَركم عليكم مُلتَبِسًا، بل افصِلوا حالَكم معي). ((تفسير ابن كثير)) (4/283). وقال محمد رشيد رضا: (أي: خفيًّا فيه شيءٌ مِن الحَيرةِ أو اللَّبسِ الذي يقتضي التردُّدَ في الإنفاذِ، بعد العزمِ والإجماعِ، بل كونوا على عِلمٍ وبصيرةٍ فيه؛ لكيلا تتحَوَّلوا عنه بظهورِ الخطأِ أو التردُّدِ في كونِه هو الصَّوابَ). ((تفسير المنار)) (11/376). .
ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ.
أي: ثمَّ أَمضُوا ما تحدِّثونَ أنفسَكم به فيَّ، وأنفِذوا قضاءَكم نَحوِي، وافرُغُوا مِن أمري، ولا تُمهِلوني [935] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/233)، ((البسيط)) للواحدي (11/270)، ((تفسير ابن عطية)) (3/132)، ((تفسير ابن كثير)) (4/283)، ((تفسير السعدي)) (ص: 369). .
فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72).
فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ.
أي: قال نوحٌ لِقَومِه: فإن أعرَضْتُم- يا قومِ- عن دَعوتي لكم إلى توحيدِ اللهِ وطاعتِه، فإنِّي لم أسألْكم على دَعوتي مالًا، حتى تُعرِضوا عن الحَقِّ [936] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/235، 236)، ((تفسير ابن عطية)) (3/132)، ((تفسير القرطبي)) (8/365)، ((تفسير ابن كثير)) (4/283)، ((تفسير السعدي)) (ص: 370)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/241). .
إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ.
أي: ما ثَوابي على دَعوتِكم إلى الحَقِّ إلَّا على اللهِ الذي أرسَلَني إليكم، ولا أريدُ ثوابًا مِن غيرِه [937] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/236)، ((تفسير ابن عطية)) (3/133)، ((تفسير القرطبي)) (8/365)، ((تفسير السعدي)) (ص: 370). .
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
أي: وأمَرَني اللهُ أن أكونَ مِن المُستَسلمينَ له، الموحِّدينَ المُنقادينَ له بالطَّاعةِ، وأنا مُمتَثِلٌ ما أمَرَني به [938] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/236)، ((تفسير القرطبي)) (8/365)، ((تفسير ابن كثير)) (4/283، 284)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/241، 242). .
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا حكى الكَلِماتِ التي جَرَت بينَ نوحٍ وأولئك الكُفَّار، ذكَرَ ما إليه رجعَتْ عاقِبةُ تلك الواقِعةِ، أمَّا في حقِّ نوحٍ وأصحابِه فأمرانِ؛ أحدُهما: أنَّه تعالى نجَّاهم مِن الكُفَّارِ. الثاني: أنَّه جعَلَهم خلائِفَ بمعنى أنَّهم يَخلُفونَ مَن هلك بالغَرَق، وأمَّا في حَقِّ الكُفَّار فهو أنَّه تعالى أغرَقَهم وأهلَكَهم [939] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/286). .
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ.
أي: فكذَّب نوحًا قومُه، فنجَّيناه مِن الغَرَق هو ومَن معه على دينِه، ممَّن حُمِلَ معه في السَّفينةِ [940] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/236)، ((تفسير ابن عطية)) (3/133)، ((تفسير القرطبي)) (8/365)، ((تفسير ابن كثير)) (4/284)، ((تفسير القاسمي)) (6/50). قال ابن عطية: (الفُلك: السَّفينةُ، والمفسِّرونَ وأهلُ الآثارِ مُجمِعونَ على أنَّ سَفينةَ نُوحٍ كانت واحدةً). ((تفسير ابن عطية)) (3/133). وكلمة (فُلْك) تُستعمَلُ للواحدِ وللجمعِ. يُنظر: المصدر السابق، و((المفردات)) للراغب (ص: 645). .
وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ.
أي: وجَعَلْنا مَن نجَّينا في السَّفينةِ مع نوحٍ خلائِفَ في الأرضِ، يخلُفُ بَعضُهم بعضًا بعد إغراقِ قَومِ نُوحٍ [941] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/236)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 241)، ((تفسير ابن كثير)) (4/284)، ((تفسير السعدي)) (ص: 370). .
وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا.
أي: وأغرَقْنا بالطُّوفانِ قَومَ نوحٍ؛ لأنهم كذَّبوا برسالةِ نوحٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [942] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/236)، ((تفسير الشوكاني)) (2/526)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/378). .
كما قال تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ [الأعراف: 64] .
وقال سُبحانه: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ [الفرقان: 37] .
فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ.
أي: فانظُرْ- يا محمَّدُ- كيف كان آخِرُ أمرِ القَومِ الذين أنذَرَهم نوحٌ عِقابَنا على شِرْكِهم باللهِ وتكذيبِهم لِرَسولِه؛ أعقَبَهم ذلك أنَّا أهلَكْناهم [943] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/236)، ((تفسير القرطبي)) (8/365)، ((تفسير ابن كثير)) (4/284). قال ابن عطية: (قوله: فَانْظُرْ مخاطبةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُشارِكُه في معناها جميعُ الخَلقِ). ((تفسير ابن عطية)) (3/133). .
كما قال تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمران: 137] .

الفوائد التربوية :

قولُ الله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أي: ما أنصَحُكم إلَّا لوجهِ اللهِ تعالى، لا لغَرَضٍ من أغراضِ الدُّنيا، وهكذا ينبغي لكلِّ مَن ينفَعُ النَّاسَ بعِلمٍ أو إرشادٍ إلى طريقِ الله تعالى [945] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (2/30). . فالآية فيها إشارةٌ إلى أنَّه ما أخَذَ منهم مالًا على دَعوتِهم إلى دِينِ اللهِ تعالى، ومتى كان الإنسانُ فارغًا مِن الطَّمَعِ كان قَولُه أقوَى تأثيرًا في القَلبِ [946] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/285). ، ففي الآيةِ بيانٌ عن إخلاصِ الدُّعاةِ إلى اللهِ جلَّ وعَزَّ، مِن تَرْكِ الأجرِ؛ لتتوَفَّرَ الدَّواعي إلى الحَقِّ، وذلك أنَّ النَّاصِحَ إذا طلَبَ على نُصحِه أجرًا ربَّما كان ذلك سببًا لامتناعِ النَّاسِ عن القَبولِ منه والإقبالِ عليه، وإذا لم يَطلُبِ الأجرَ كان ذلك أدعى إلى قَبولِ قَولِه [947] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (11/271، 272). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُه تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ هذا مِن أقوى آياتِ النبوَّةِ؛ أن يقولَ النبيُّ لِقَومِه، وهم متعاوِنونَ عليه: افعلوا بي ما شِئتُم [948] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (11/271). .
2- قال الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ .. هذا وإن كان خبرًا مِن اللهِ تعالى عن نوحٍ، فإنَّه حَثٌّ مِن الله لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على التأسِّي به، وتعريفٌ منه سبيلَ الرَّشادِ فيما قلَّدَه من الرِّسالةِ، والبلاغِ عنه [949] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/235). .
3- في قولِه تعالى: فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ بيانُ أنَّ تَوَكُّلَ نوحٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على اللهِ يَدفعُ عنه شرَّ أعدائِه، فقَولُ نوحٍ: فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ لولا أنَّ تَحقيقَه هذه الكَلِمةَ- وهو توكُّلُه على اللهِ- يَدفَعُ ما تحدَّاهم به، ودعاهم إليه تعجيزًا لهم من مناجَزَتِه، لكان قد طلَبَ منهم أن يُهلِكوه، وهذا لا يجوزُ، وهذا طلَبُ تعجيزٍ لهم، فدلَّ على أنَّه بتوكُّلِه على اللهِ يُعجِزُهم عمَّا تحدَّاهم به [950] يُنظر: ((جامع الرسائل)) لابن تيمية  (1/96). .
4- قال الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ...، ومعنى كَبُرَ عَلَيْكُمْ: ثَقُل عليكم، وشقَّ عليكم، وعَظُمَ أمرُه عندَكم، وسبَبُ هذا الثِّقلِ أمرانِ: أحدهما: أنَّه عليه السَّلامُ مكَثَ فيهم ألفَ سَنَةٍ إلَّا خمسينَ عامًا. والثاني: أنَّ أولئك الكُفَّارَ كانوا قد ألِفُوا تلك المذاهِبَ الفاسِدةَ والطَّرائِقَ الباطلةَ، والغالِبُ أنَّ مَن ألِفَ طريقةً في الدِّينِ، فإنَّه يَثقُلُ عليه أن يُدعى إلى خلافِها، ويُذكرَ له ركاكتُها، فإن اقتَرَن بذلك طولُ مُدَّةِ الدعاءِ، كان أثقَلَ، وأشَدَّ كراهيةً، فإن اقتَرَن به إيرادُ الدلائِلِ القاهرةِ على فسادِ تلك المذاهبِ، كانت النُّفرةُ أشَدَّ، فهذا هو السَّبَبُ في حصولِ ذلك الثِّقلِ [951] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/283). .
5- بيَّنَ نُوحٌ عليه السَّلامُ أنَّه لا يَخافُ من قومِه بوجهٍ مِن الوجوهِ؛ وذلك لأنَّ الخَوفَ إنَّما يحصُلُ بأحدِ شَيئينِ؛ إمَّا بإيصالِ الشَّرِّ أو بِقَطعِ المنافِعِ، فبيَّنَ أنَّه لا يخافُ شَرَّهم بقوله: إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ، وبيَّن أنَّه لا يخافُ أن يقطَعوا عنه خيرًا؛ لأنَّه ما أخَذ منهم شيئًا، وذلك في قولِه: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ [952] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/285). .
6- في قَولِه تعالى عن نوحٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بيانُ أنَّ الإسلامَ هو دينُ الرُّسُلِ كلِّهم؛ أوَّلِهم وآخرِهم، وأنَّهم كلَّهم بُعِثوا بالإسلامِ [953] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (27/149). .
7- قولُه: فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فيه توعُّدٌ للكفَّارِ بمحمَّدٍ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وضربُ مثالٍ لهم في أنَّهم بحالِ هؤلاء مِن التَّكذيبِ، فسيَكونُ حالُهم كحالِهم في التَّعذيبِ [954] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/89). .
8- قولُه: فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ تعظيمٌ لما جَرى عليهم، وتحذيرٌ لِمَن أنذَرَهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن مِثلِه، وتسليةٌ له [955] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/360)، ((تفسير أبي حيان)) (6/89). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ
في افتتاحِ خطابِ نوحٍ عليه السَّلامُ لقومِه بقولِه: يَا قَوْمِ إيذانٌ بأهمِّـيَّةِ ما سيُلْقيه إليهم؛ لأنَّ النِّداءَ طلَبُ الإقبالِ، واختيارُ التَّعبيرِ عنهم بوصفِ كونِهم قَوْمَه تَحْبيبٌ لهم في نفسِه؛ لِيَأخُذوا قولَه مأخَذَ قولِ النَّاصحِ المتطلِّبِ الخيرَ لهم؛ لأنَّ المرءَ لا يُريدُ لقومِه إلَّا خيرًا [956] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/236). .
قَولُ الله تعالى: إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ... خَصَّ بالذِّكرِ مِن أحوالِه فيهم تذكيرَه إيَّاهم بآياتِ اللهِ؛ لأنَّ ذلك من أهَمِّ شُؤونِه مع قَومِه، فعَطْفُه مِن عَطفِ الخاصِّ على العامِّ [957] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/237). .
قولُه: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ: صيغةُ الأمرِ في قولِه: فَأَجْمِعُوا مُستعمَلةٌ في التَّسويةِ، أي: إنَّ عَزْمَهم لا يَضيره بحيث هو يُغْريهم بأخذِ الأُهْبَةِ التَّامَّةِ لِمُقاوَمتِه، وزاد ذِكْرَ شُركائِهم؛ لِلدَّلالةِ على أنَّه لا يَخْشاها؛ لأنَّها في اعتِقادِهم أشدُّ بَطشًا مِن القومِ، وذلك تَهكُّمٌ بهم [958] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/359)، ((تفسير أبي حيان)) (6/88)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/239). .
قولُه: ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً فيه إظهارُ الأمرِ في موقعِ الإضمارِ؛ لزيادةِ تقريرٍ يَقتَضيها مقامُ الأمرِ بالإظهارِ، الَّذي يَستلزِمُه النَّهيُ عن التَّستُّرِ والإسرارِ [959] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/165). .
2- قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
قولُه: إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ فيه تعميمٌ لنفيِ تَطلُّبِه أجرًا على دَعوتِهم، سواءٌ مِنهم أو مِن غيرِهم؛ فالقَصرُ بالنَّفيِ والاستثناءِ (إنْ... إلَّا) حقيقيٌّ، وبه يَحصُلُ تأكيدُ جملةِ: فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ مع زيادةِ التَّعميمِ [960] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/241). .
3- قوله تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ
قولُه: فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فيه تقديمُ ذِكْرِ إنجائِه قبل ذِكرِ الإغراقِ الَّذي وقَع الإنجاءُ منه؛ للإشارةِ إلى أنَّ إنجاءَه أهمُّ عندَ اللهِ تعالى مِن إغراقِ مُكذِّبيه، ولإظهارِ كمالِ العنايةِ بشأنِ المقدَّمِ، ولتعجيلِ المَسرَّةِ للمُسلِمين السَّامعين لهذه القصَّةِ، وللإيذانِ بسَبقِ الرَّحمةِ على الغضَبِ [961] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/165- 166)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/243). ، وأيضًا لأنَّه هو الأهَمُّ في سياقِ صِدقِ الوعدِ والوعيدِ مِن وَجهينِ؛ أوَّلُهما: تقديمُ مِصداقِ الوعدِ لِتَسليةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتسريةِ حُزنِه على قومِه، وثانيهما: كونُه هو الأظهَرَ في الحُجَّةِ على أنَّهما- أي: الوعدَ والوعيدَ- مِن الله تعالى القادِرِ على إيقاعِهما، على خلافِ ما يعتَقِدُ المُشرِكونَ المكَذِّبون، المَغرورون بكَثرتِهم وقلَّةِ أتباعِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وخلافِ الأصلِ المعهودِ في المصائبِ العامَّةِ في العادةِ، وهو أنَّها تُصيبُ الصَّالحَ والطَّالِحَ على سواءٍ، فلا تمييزَ فيها ولا استثناءَ، ولكنَّه هو الذي جَرَت به سنَّةُ الله تعالى في مُكَذِّبي الرُّسُل مِن بَعدِ نوحٍ، فكان آيةً لهم، فلولا أنَّ الأمرَ بِيَدِ اللهِ على وَفقِ وَعدِه ووعيدِه، لَما هلَكَ الألوفُ الكثيرونَ، ونجا أفرادٌ قليلون لهم صِفةٌ خاصَّةٌ أخرَجَهم منهم تصديقًا لخبَرِ رسولِهم، وما سِيقَ هذا النبأُ هنا إلَّا لتقريرِ هذا المَعنى [962] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/378). .
وتعريفُ قومِ نوحٍ بطريقِ الموصوليَّةِ في قولِه: وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا؛ للإيماءِ إلى سبَبِ تَعذيبِهم بالغرَقِ، وأنَّه التَّكذيبُ بآياتِ اللهِ؛ إنذارًا للمُشرِكين مِن العرَبِ؛ ولذلك ذُيِّل بقولِه: فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ، أي: المنذَرين بالعذابِ، المكذِّبين بالإنذارِ [963] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/243). .