موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: ما ثَبَتَ ضِمنًا للشَّيءِ يَتَقدَّرُ بقَدرِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما ثَبَتَ ضِمنًا للشَّيءِ يَتَقدَّرُ بقَدرِه" [1223] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/116). . وصيغةِ: "ما يَثبُتُ ضِمنًا للشَّيءِ فثُبوتُه بثُبوتِ الأصلِ" [1224] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 1866). . وصيغةِ: "ما يَثبُتُ ضِمنًا للشَّيءِ يُعتَبَرُ حُكمُه بذلك الشَّيءِ" [1225] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (28/10). . وصيغةِ: "ما يَثبُتُ ضِمنًا للشَّيءِ يَبقى ببَقائِه ويَبطُلُ ببُطلانِه" [1226] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/161). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
قد يَثبُتُ الشَّيءُ ضِمنًا لغَيرِه، والفرقُ بَينَ ما يَثبُتُ ضِمنًا وما يَثبُتُ أصالةً: أنَّه يُغتَفرُ في الثُّبوتِ الضِّمنيِّ ما لا يُغتَفرُ في الأصليِّ. وما ثَبَتَ ضِمنًا لغَيرِه لا يَثبُتُ استِقلالًا؛ لأنَّه قد يَكونُ للشَّيءِ قَصدًا شُروطٌ مانِعةٌ، وأمَّا إذا ثَبَتَ ضِمنًا أو تَبَعًا لشَيءٍ آخَرَ يَكونُ ثُبوتُه ضَرورةَ ثُبوتِ مَتبوعِه أو ما هو ضِمنُه، فيَثبُتُ بثُبوتِ أصلِه، ويَكونُ تابِعًا له لا يَثبُتُ قَبلَه، ويُعتَبَرُ حُكمُه بذلك الشَّيءِ، ويَتَقدَّرُ بقَدرِه فلا يَزيدُ عليه؛ لأنَّ التَّابِعَ لا يَزيدُ على المَتبوعِ ولا يُجاوِزُه. كَما أنَّ الشَّيءَ إذا ثَبَتَ ضِمنًا لشَيءٍ آخَرَ فإنَّما يَثبُتُ بشُروطِ المُتَضَمِّنِ له لا بشُروطِ نَفسِه، وإذا بَطَلَ الأصلُ بطَل ما ثَبَتَ في ضِمنِه [1227] يُنظر: ((المبسوط)) (11/116) و(28/10)، ((شرح السير الكبير)) (ص: 1866) كلاهما للسرخسي، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (3/1008) و(5/2070)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/1340)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 285)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 340). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (التَّابِعُ تابِعٌ)؛ لأنَّ ما ثَبَتَ ضِمنًا لشَيءٍ يَثبُتُ بثُبوتِه، فيَكونُ تابِعًا له، فيَنبَغي أن يَتَقدَّرَ بقَدرِ الأصلِ؛ لأنَّ التَّابِعَ تابِعٌ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ تابِعٌ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا ادَّعى رَجُلٌ زَوجيَّةَ امرَأةٍ بَعدَ مَوتِها ليَرِثَها، فأقامَ رَجُلًا وامرَأتَينِ، فإنَّه لا يُقبَلُ؛ لكَونِ المالِ إنَّما يَثبُتُ ضِمنًا لثُبوتِ النِّكاحِ، ومِثلُ ذلك لا يَثبُتُ بالنِّساءِ [1228] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجى (4/206). ويُنظر أيضًا: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (6/260). .
2- إذا أقَرَّ المَريضُ بمالٍ لوارِثٍ لم يُقبَلْ إقرارُه، ولَو أقَرَّ بوارِثٍ قُبِلَ إقرارُه، واستَحَقَّ ذلك المالَ وغَيرَه، ويُغتَفَرُ في الثُّبوتِ الضِّمنيِّ ما لا يُغتَفَرُ في الأصليِّ [1229] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/1340). .
3- يُشتَرَطُ في الوقفِ أن يَكونَ المَوقوفُ عَقارًا، أو مالًا ثابِتًا، فلا يَصِحُّ وَقفُ المَنقولاتِ إلَّا ما تُعورِفَ عليه، مِثلُ كُتُبِ العِلمِ وأدَواتِ الجِنازةِ، ولَكِن لو وقَف عَقارًا -كَقَريةٍ، أو دارٍ بما فيها مِن مَنقولاتٍ- صَحَّ الوقفُ في هذه المَنقولاتِ أيضًا تَبَعًا للعَقارِ [1230] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 340). .
4- يَجوزُ استِئجارُ المُرضِعةِ، مَعَ أنَّه استِئجارٌ على استِهلاكِ العَينِ، فاللَّبَنُ هو المَقصودُ في هذا العَقدِ، لكِنَّه لا يَكونُ باطِلًا؛ لأنَّ المَعقودَ عليه إقامةُ مَصالِحِ الصَّبيِّ، وإقامةُ ما يَحتاجُ الصَّبيُّ، فيَكونُ اللَّبَنُ مَقصودًا عليه بكَونِه تَبَعًا لا قَصدًا، فيَثبُتُ ضِمنًا، ولا يَثبُتُ قَصدًا، فيَجوزُ [1231] يُنظر: ((شرح مشكلات القدوري)) لخواهر زاده (1/606). .

انظر أيضا: