موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني عَشَرَ: كُلُّ ما كان مِن ضَروراتِ الشَّيءِ كان مُلحَقًا به


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ ما كان مِن ضَروراتِ الشَّيءِ كان مُلحَقًا به" [1216] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/223). . وصيغةِ: "ما كان مِن ضَروراتِ الشَّيءِ يَكونُ حُكمُه حُكمَ ذلك الشَّيءِ" [1217] يُنظر: ((النهاية)) للسغناقي (11/273). . وصيغةِ: "ما كان مِن ضَروراتِ الشَّيءِ يَكونُ ثابِتًا بإثباتِه" [1218] يُنظر: ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص: 402). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ ما كان مِن ضَروراتِ الشَّيءِ يَكونُ حُكمُه حُكمَ ذلك الشَّيءِ؛ لأنَّه تابِعٌ له، فيَثبُتُ بإثباتِه ويَأخُذُ حُكمَه؛ ولِهذا قيلَ: إنَّ الأمرَ بالشَّيءِ أمرٌ بما لا صِحَّةَ له بدونِه، كالأمرِ بالصَّلاةِ: أمرٌ بالوُضوءِ، وتَحصيلِ شَرائِطِها [1219] يُنظر: ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص: 402)، ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (1/391)، ((النهاية)) للسغناقي (11/273)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/147). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ تابِعٌ)؛ لأنَّ ما كان مِن ضَروراتِ الشَّيءِ فهو تابِعٌ له، فيَكونُ حُكمُه حُكمَ ذلك الشَّيءِ، والتَّابِعُ تابِعٌ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ تابِعٌ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- الأمرُ بغَسلِ الوَجهِ في الوُضوءِ يَقتَضي غَسلَ جُزءٍ مِنَ الرَّأسِ؛ لأنَّه مِن ضَروراتِه؛ لأنَّ الأمرَ بغَسلِ الوَجهِ مَعَ مَنعِ أخذِ جُزءٍ مِنَ الرَّأسِ يُفضي إلى التَّناقُضِ، وشَرطُ رَفعِ التَّناقُضِ ألَّا يَكونَ مِن ضَروراتِ الشَّيءِ ولَوازِمِه [1220] يُنظر: ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (1/391). .
2- لا يَخرُجُ المُعتَكِفُ مِن مُعتَكَفِه في الاعتِكافِ الواجِبِ ليلًا ولا ونَهارًا إلَّا لِما لا بُدَّ له مِنه مِنَ الغائِطِ والبَولِ وحُضورِ الجُمعةِ؛ لأنَّ الاعتِكافَ لمَّا كان لُبثًا وإقامةً فالخُروجُ يُضادُّه، ولا بَقاءَ للشَّيءِ مَعَ ما يُضادُّه، فكان إبطالًا له، إلَّا أنَّه يَجوزُ له الخُروجُ لحاجَتِه؛ إذ لا بُدَّ مِنها مَعَ تَعَذُّرِ قَضائِها في المَسجِدِ، فدَعَتِ الضَّرورةُ إلى الخُروجِ، ولأنَّ في الخُروجِ لهذه الحاجةِ تَحقيقَ هذه القُربةِ؛ لأنَّه لا يَتَمَكَّنُ المَرءُ مِن أداءِ هذه القُربةِ إلَّا بالبَقاءِ، ولا بَقاءَ بدونِ القوتِ عادةً، ولا بُدَّ لذلك مِنَ الاستِفراغِ على ما عليه مَجرى العادةِ، فكان الخُروجُ لها مِن ضَروراتِ الاعتِكافِ ووسائِلِه، وما كان مِن وسائِلِ الشَّيءِ كان حُكمُه حُكمَ ذلك الشَّيءِ، فكان المُعتَكِفُ في حالِ خُروجِه عنِ المَسجِدِ لهذه الحاجةِ كَأنَّه في المَسجِدِ [1221] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/114). .
3- لا يَجوزُ القَضاءُ على الغائِبِ إذا لم يَكُنْ عنه خَصمٌ حاضِرٌ، فإن كان، يَجوزُ؛ لأنَّه يَكونُ قَضاءً على الحاضِرِ حَقيقةً ومَعنًى، والخَصمُ الحاضِرُ: الوكيلُ والوصيُّ والوارِثُ ومَن كان بَينَه وبَينَ الغائِبِ اتِّصالٌ فيما وقَعَ فيه الدَّعوى؛ لأنَّ الوكيلَ والوصيَّ نائِبانِ عنه بصَريحِ النِّيابةِ، والوارِثُ نائِبٌ عنه شَرعًا، وحَضرةُ النَّائِبِ كحَضرةِ المَنوبِ عنه، فلا يَكونُ قَضاءً على الغائِبِ مَعنًى. وكَذا إذا كان بَينَ الحاضِرِ والغائِبِ اتِّصالٌ فيما وقَعَ فيه الدَّعوى، بأن كان ذلك سَبَبًا لثُبوتِ حَقِّ الغائِبِ؛ لأنَّ الحاضِرَ يَصيرُ مُدَّعًى عليه فيما هو حَقُّه، ومِن ضَرورةِ ثُبوتِ حَقِّه ثُبوتُ حَقِّ الغائِبِ، فكان الكُلُّ حَقَّ الحاضِرِ؛ لأنَّ كُلَّ ما كان مِن ضَروراتِ الشَّيءِ كان مُلحَقًا به، فيَكونُ قَضاءً على الحاضِرِ [1222] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/223). .

انظر أيضا: