موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّامِنُ: النَّوافِلُ تابِعةٌ للفرائِضِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "النَّوافِلُ تابِعةٌ للفرائِضِ" [1174] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/152)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (1/52). . وصيغةِ: "النَّوافِلُ تَبَعٌ للفرائِضِ" [1175] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/84)، ((العزيز)) للرافعي (1/238)، ((الكافي)) للسغناقي (2/743)، ((العدة)) لابن العطار (2/633)، ((الإعلام)) لابن الملقن (3/526)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (1/240). . وصيغةِ: "النَّوافِلُ فَرعُ الفرائِضِ" [1176] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (2/822). . وصيغةِ: "السُّنَنُ تابِعةٌ للفرائِضِ" [1177] يُنظر: ((الجوهرة النيرة)) للحداد (1/92)، ((شرح سنن أبي داود)) للعيني (5/450). . وصيغةِ: "فضلُ النَّافِلةِ تَبَعٌ لفَضلِ الفريضةِ" [1178] يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (5/171). . وصيغةِ: "ما أبطَلَ الفَرضَ أبطَلَ النَّفلَ" [1179] يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/311)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/473)، ((شرح دليل الطالب)) لعبد الله المقدسي (1/345). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ النَّوافِلَ تابِعةٌ في المَشروعيَّةِ للفرائِضِ؛ لأنَّها شُرِعَت لتَكميلِ الفرائِضِ جَبرًا للنُّقصانِ المُتَمَكِّنِ فيها، فكانت مُلحَقةً بأجزائِها، فمَن لم يُخاطَبْ بالفرضِ لم يُخاطَبْ بالنَّفلِ، كَما أنَّ النَّوافِلَ والفرائِضَ في حُكمِ جِنسٍ واحِدٍ، وهما صَلاتانِ مُتَّفِقَتانِ في الأفعالِ الظَّاهرةِ، وما يَصلُحُ للأصلِ يَصلُحُ للتَّابِعِ بالأَولى [1180] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (1/385)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/28)، ((العزيز)) للرافعي (2/187)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (1/360)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/263). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ تابِعٌ)؛ لأنَّ النَّوافِلَ تابِعةٌ للفرائِضِ في المَشروعيَّةِ؛ حَيثُ إنَّهما مِن جِنسٍ واحِدٍ، والتَّابِعُ تابِعٌ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ به العَبدُ يَومَ القيامةِ مِن عَمَلِه صَلاتُه، فإن صَلحَت فقد أفلَح وأنجَحَ، وإن فسَدَت فقد خابَ وخَسِرَ، فإنِ انتَقَصَ مِن فريضَتِه شَيءٌ قال الرَّبَّ عَزَّ وجَلَّ: انظُروا هَل لعَبدي مِن تَطَوُّعٍ؟ فيُكمَلُ بها ما انتَقَصَ مِنَ الفريضةِ، ثُمَّ يَكونُ سائِرُ عَمَلِه على ذلك )) [1181] أخرجه الترمذي (413) واللَّفظُ له، والنسائي (465). صَحَّحه لغيره الألباني في ((هداية الرواة)) (1280)، وصحَّحه بشواهده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((العواصم والقواصم)) (9/132)، وذَكَرَ ثُبوتَه ابنُ العراقي في ((طرح التثريب)) (3/34)، وقال النَّوويُّ في ((المجموع)) (4/55): إسنادُه صَحيحٌ بمعناه، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (1/374) إسنادُ النَّسائيِّ جَيِّدٌ. ورُويَ بلَفظ: عن أنَسِ بنِ حَكيمٍ الضَّبِّيِّ، قال: خاف مِن زيادٍ أوِ ابنِ زيادٍ، فأتى المَدينةَ فلقيَ أبا هرَيرةَ، قال: فنسَبني فانتَسَبتُ له، فقال: يا فتى، ألَا أُحَدِّثُك حَديثًا؟ قال: قُلتُ: بَلى رَحِمَك اللهُ، قال يونُسُ: وأحسَبُه ذَكَرَه عنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، قال: ((إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ النَّاسُ به يَومَ القيامةِ مِن أعمالهمُ الصَّلاةُ، قال: يَقولُ رَبُّنا عزَّ وجَلَّ لمَلائِكَتِه -وهو أعلمُ- انظُروا في صَلاةِ عَبدي أتَمَّها أم نَقَصَها، فإن كانت تامَّةً كُتِبَت له تامَّةً، وإن كان انتَقَصَ مِنها شَيئًا قال: انظُروا هَل لعَبدي مِن تَطَوُّعٍ؟ فإن كان له تَطَوُّعُ قال: أتِمُّوا لعَبدي فريضَتَه مِن تَطَوُّعِه، ثُمَّ تُؤخَذُ الأعمالُ على ذاكُم)) أخرجه من طُرُقٍ أُخرى: أبو داود (864) واللفظ له، وابن ماجه (1425)، وأحمد (9494). صَحَّحه بطرقه وشواهده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (9494)، وحَسَّنه البَغويُّ في ((شرح السنة)) (2/529)، وصَحَّحَ إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (981). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه دَلالةٌ على أنَّ النَّوافِلَ تابِعةٌ للفريضةِ، فكَأنَّها غَيرُ مُنقَطِعةٍ عنها؛ فقد دَلَّ الحَديثُ على أنَّها جُبرانٌ لنُقصانِ الفرائِضِ، وهيَ بمَثابةِ إكمالِ الفريضةِ [1182] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (1/181). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ تابِعٌ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- النَّوافِلُ فيما يَتَعَلَّقُ بالطَّهارةِ كالفرائِضِ؛ لأنَّ النَّوافِلَ تابِعةٌ للفريضةِ، فثُبوتُ حُكمِ الطَّهارةِ في الأصلِ يوجِبُ ثُبوتَه في التَّبَعِ [1183] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (1/181)، ((المبسوط)) للسرخسي (1/84). .
2- يَجوزُ أن يُجمَعَ بَينَ النَّوافِلِ وبَينَ فَرضٍ ونَوافِلَ في التَّيَمُّمِ؛ لأنَّ النَّوافِلَ تابِعةٌ، وهيَ في حُكمِ جِنسٍ واحِدٍ، وإذا صَلَحَت طَهارتُه للفريضةِ التي هيَ الأصلُ فلِلنَّوافِلِ أَولى، وإذا استَباحَ المَتبوعَ استَباحَ التَّابِعَ [1184] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (1/385)، ((العزيز)) للرافعي (1/238)، ((النجم الوهاج)) للدميري (1/465)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/263)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/299). .
3- المُستَحاضةُ تَتَوضَّأُ لكُلِّ صَلاةٍ مَكتوبةٍ، وتُصَلِّي بوُضوئِها ما شاءَت مِنَ النَّوافِلِ؛ لأنَّ النَّوافِلَ تابِعةٌ للفرائِضِ، فتَثبُتُ الطَّهارةُ في حَقِّ النَّوافِلِ بطَريقِ التَّبَعيَّةِ [1185] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (1/52). .
4- لا أذانَ ولا إقامةَ في النَّوافِلِ والسُّنَنِ؛ لأنَّ الأذانَ للإعلامِ بدُخولِ وقتِ الصَّلاةِ، والمكتوباتُ هيَ المُختَصَّةُ بأوقاتٍ مُعَيَّنةٍ دونَ النَّوافِلِ، ولأنَّ النَّوافِلَ تابِعةٌ للفرائِضِ، فجُعِلَ أذانُ الأصلِ أذانًا للتَّبَعِ تَقديرًا [1186] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/152). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها:
1- السُّنَنُ الرَّواتِبُ في السَّفَرِ لا تَتبَعُ الفرائِضَ في القَصرِ؛ لأنَّ الفرائِضَ تُقصَرُ في السَّفرِ تَخفيفًا [1187] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (9/185). .
2- صَلاةُ النَّوافِلِ تَجوزُ على الرَّاحِلةِ في السَّفرِ إلى أيِّ جِهةٍ تُوَجَّهُ، والرَّاكِبُ المُتَمَكِّنُ مِن تَوجيهِ الدَّابَّةِ إلى القِبلةِ يَلزَمُه الاستِقبالُ عِندَ الإحرامِ بالصَّلاةِ لا غَيرُ، فإن لم يَتَمَكَّنْ لم يُشتَرَطِ الاستِقبالُ في شَيءٍ. هذا حُكمُ النَّوافِلِ. أمَّا الفرائِضُ فلا تَجوزُ إلى غَيرِ القِبلةِ بحالٍ، ولا يَجوزُ أن يُصَلِّيَها ماشيًا وإن كان مُستَقبِلًا، ولا تَصِحُّ مِنَ الرَّاكِبِ المُخِلِّ بالقيامِ أوِ الرُّكوعِ أوِ السُّجودِ أو غَيرِها [1188] يُنظر: ((الرسالة)) للشافعي (ص: 126)، ((الإيضاح)) للنووي (ص: 78). .

انظر أيضا: