موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ التَّاسِعُ: ما جازَ فرضُه جازَ نَفلُه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما جازَ فرضُه جازَ نَفلُه" [1189] يُنظر: ((المغني)) (5/27)، ((الكافي)) (1/471) كلاهما لابن قدامة، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (8/63)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/326). . وصيغةِ: "كُلُّ طَهارةٍ صَحَّت بنيَّةِ استِباحةِ الفَرضِ صَحَّت بنيَّةِ استِباحةِ النَّفلِ" [1190] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (1/277). . وصيغةِ: "كُلُّ هَيئةٍ جاز الفَرضُ عليها للعَجزِ عَمَّا هو أكمَلُ مِنها جاز النَّفلُ عليها مَعَ القُدرةِ على الأكمَلِ، كالقُعودِ" [1191] يُنظر: ((التعليقة)) للقاضي حسين (2/983). . وصيغةِ: "ما جازَتِ الاستِنابةُ في فَرضِه جازَت في نَفلِه" [1192] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (5/22)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (8/95). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ ما جازَ فِعلُه في الفَرضِ جازَ فِعلُه في النَّفلِ؛ لأنَّ الأدنى يَتبَعُ الأعلى في نَظَرِ الشَّرعِ، ولأنَّ النَّوافِلَ كالأجزاءِ للفرائِضِ، فجازَ فيها ما يَجوزُ في الفرائِضِ. لا العَكسُ؛ فلَيسَ كُلُّ ما جازَ في النَّفلِ جازَ في الفرضِ؛ فإنَّ النَّفلَ يَجوزُ تَركُ القيامِ فيه مَعَ القُدرةِ عليه، ولا يَجوزُ ذلك في الفَرضِ [1193] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى (2/344)، ((المغني)) لابن قدامة (5/27)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/351)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/340). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ تابِعٌ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّه لمَّا كان النَّفلُ تابِعًا للفَرضِ، فكُلُّ ما جازَ فرضُه جازَ نَفلُه؛ لأنَّ التَّابِعَ تابِعٌ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقواعدِ التَّاليةِ:
- قاعِدةُ: (النَّوافِلُ تابِعةٌ للفرائِضِ).
- وقاعِدةُ: (يَدخُلُ القَويُّ على الضَّعيفِ، ولا عَكسَ) [1194] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 158). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- يَجوزُ حَملُ الطِّفلِ في صَلاةِ النَّافِلةِ كَما يَجوزُ في الفريضةِ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَمَلَ أُمامةَ في صَلاةٍ كان يَؤُمُّ النَّاسَ فيها في المَسجِدِ [1195] لفظُه: عن أبي قتادةَ الأنصاريِّ، قال: ((رَأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَؤُمُّ النَّاسَ، وأُمامةُ بنتُ أبي العاصِ -وهيَ ابنةُ زَينَبَ بنتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على عاتِقِه، فإذا رَكَعَ وضَعَها، وإذا رَفعَ مِنَ السُّجودِ أعادَها)). أخرجه البخاري (516)، ومسلم (543) واللَّفظُ له. ، وهو ظاهرٌ في الفريضةِ، وإذا جازَ في الفريضةِ كان في النَّافِلةَ أَولى؛ فإنَّه يَجوزُ في النَّافِلةِ ما لا يَجوزُ في الفريضةِ [1196] يُنظر: ((العدة)) لابن العطار (1/492). .
2- إذا نَوى استِباحةَ الفَرضِ بالتَّيَمُّمِ استَباحَ النَّفلَ؛ فإنَّه إذا نَوى استِباحةَ الأعلى يَستَبيحُ به ما دونَه؛ لأنَّ الأدنى يَتبَعُ الأعلى في الاستِباحةِ [1197] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (4/58)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/351)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/340)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (1/392). .
3- تَجوزُ الاستِنابةُ في حَجِّ التَّطَوُّعِ بشَرطِ أن يَكونَ مِمَّن قد أدَّى حَجَّةَ الإسلامِ، وهو عاجِزٌ عنِ الحَجِّ بنَفسِه، فيَصِحُّ أن يَستَنيبَ في حَجِّ التَّطَوُّعِ؛ لأنَّ الاستِنابةَ جائِزةٌ في حَجِّ الفريضةِ، وما جازَتِ الاستِنابةُ في فَرضِه جازَت في نَفلِه، كالصَّدَقةِ [1198] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (5/22)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (8/95)، ((الفقه الميسر)) لعبد الله الطيار وآخرين (4/34). .

انظر أيضا: