موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ السَّابِعُ: الهَواءُ تابِعٌ للقَرارِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الهَواءُ تابِعٌ للقَرارِ" [1160] يُنظر: ((المسائل الفقهية من الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (1/157)، ((المهذب)) للشيرازي (2/137)، ((البيان)) للعمراني (6/264)، ((المغني)) لابن قدامة (2/474)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/308)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (10/79)، ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (2/486)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/108)، ((نخب الأفكار)) للعيني (6/138)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/103، 115). . وصيغةِ: "الهَواءُ تابِعٌ لا يُفرَدُ بالعَقدِ" [1161] يُنظر: ((النجم الوهاج)) للدميري (4/447)، ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (2/204). . وصيغةِ: "مَن مَلَك أرضًا يَملِكُ هَواءَها إلى ما لا نِهايةَ له" [1162] يُنظر: ((البهجة)) للتسولي (2/22). . وصيغةِ: "مَنفعةُ الهَواءِ تابِعةٌ لمَنفعةِ القَرارِ" [1163] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/72)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (5/344)، ((حاشية الجمل)) (5/85). . وصيغةِ: "حُكمُ الأهويةِ تابِعٌ لحُكمِ الأبنيةِ" [1164] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (4/15)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/420)، ((منح الجليل)) لعليش (7/492)، ((لوامع الدرر)) للمجلسي الشنقيطي (11/100). . و"حُكمُ الأهويةِ حُكمُ ما تَحتَها" [1165] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (6/184)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/420). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الهَواءَ تابِعٌ للقَرارِ في كَونِه حَقًّا، كَتَبَعيَّةِ هَواءِ المِلْكِ لقَرارِه، فهَواءُ الوَقفِ وَقفٌ، وهَواءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ، وهَواءُ المَواتِ مَواتٌ، وهَواءُ المَملوكِ مَملوكٌ، وإنَّما يَكونُ الهَواءُ تابِعًا لقَرارِه؛ لأنَّ مَن مَلَكَ القَرارَ مَلَكَ الهَواءَ، فمَن مَلَكَ الارتِفاقَ بالطَّريقِ مِن غَيرِ إضرارٍ مَلَكَ الارتِفاقَ بالهَواءِ مِن غَيرِ إضرارٍ، فإذا ثَبَتَ له أن يَنتَفِعَ بالقَرارِ على وجهٍ لا يَضُرُّ بالمارَّةِ والمُجتازينَ وجَبَ أن يَنتَفِعَ بالهَواءِ على وَجهٍ لا يَضُرُّهم [1166] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (6/2960)، ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى (3/426)، ((المهذب)) للشيرازي (2/137)، ((البيان)) للعمراني (6/264)، ((الذخيرة)) للقرافي (6/184)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (10/365). .
قال القَرافيُّ: (مُقتَضى هذه القاعِدةِ أن يُمنَعَ بَيعُ هَواءِ المَساجِدِ والأوقافِ إلى عَنانِ السَّماءِ) [1167] ((الذخيرة)) (6/184)، ((الفروق)) (4/15). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ تابِعٌ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ مَن مَلَك القَرارَ مَلَكَ الهَواءَ؛ لأنَّ الهَواءَ تابِعٌ لقَرارِه، والتَّابِعُ تابِعٌ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن هِشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه: ((أنَّ أروى بنتَ أُوَيسٍ ادَّعَت على سَعيدِ بنِ زَيدٍ أنَّه أخَذَ شَيئًا من أرضِها، فخاصَمَته إلى مَروانَ بنِ الحَكمِ. فقال سَعيدٌ: أنا كُنتُ آخُذُ من أرضِها شَيئًا بَعدَ الذي سَمِعتُ من رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! قال: وما سَمِعتَ من رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: من أخَذَ شِبرًا من الأرضِ ظُلمًا طُوِّقَه إلى سَبعِ أرَضينَ. فقال له مَروانُ: لا أسألُك بَيِّنةً بَعدَ هذا)) [1168] أخرجه البخاري (3198)، ومسلم (1610) واللَّفظُ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه دَلالةٌ على أنَّ مَن مَلَكَ شَيئًا مِنَ الأرضِ مَلَك ما تَحتَه مِمَّا يُقابِلُه. وعلى ذلك فلَه أن يَنزِلَ بالحَفرِ ما شاءَ ما لم يَضُرَّ بمَن يُجاوِرُه. وكذلك: أن يَرفعُ في الهَواءِ المُقابِلِ لذلك القَدرِ مِنَ الأرضِ مِنَ البِناءِ ما شاءَ ما لم يَضُرَّ بأحَدٍ، فيُمنَعُ [1169] يُنظر: ((المفهم)) للقرطبي (4/535)، ((التوضيح)) لابن الملقن (15/606)، ((عمدة القاري)) للعيني (12/298). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ تابِعٌ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- سَطحُ المَسجِدِ يَتبَعُه في أحكامِه، وكذلك سَطحُ الدَّارِ؛ لأنَّ الهَواءَ تابِعٌ للقَرارِ، فعلى هذا كُلُّ طَريقٍ لا يُصَلَّى فيه لا يُصَلَّى في سَقفِه؛ لأنَّ الهَواءَ تابِعٌ للقَرارِ، بدَليلِ أنَّ الجُنُبَ يُمنَعُ مِنَ اللُّبثِ على سَطحِ المَسجِدِ؛ ولِذلك لو حَلَف لا يَدخُلُ دارًا، فدَخَلَ سَطحَها، حَنِثَ، فيَعودُ الضَّميرُ إلى الكُلِّ، وكَما لا تَصِحُّ الصَّلاةُ في المَقبَرةِ فكذلك سَطحُ المَقبَرةِ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ فيه، فلَو وجَدنا حُجرةً مَبنيَّةً في المَقبَرةِ فلا يَجوزُ أن نُصَلِّيَ على سَطحِها؛ لأنَّ الهَواءَ تابِعٌ للقَرارِ، والهَواءُ وما فوقَ هذا القَرارِ إلى سَماءِ الدُّنيا تابِعٌ للقَرارِ [1170] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/474)، ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (2/486)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/115)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/249). .
2- إن كانت لرَجُلٍ شَجَرةٌ في مِلكِه فانتَشَرَت أغصانُها فوقَ مِلْكِ جارِه، فلِلجارِ أن يُطالِبَ مالِكَ الشَّجَرةِ بإزالةِ ما انتَشَرَ فوقَ مِلكِه؛ لأنَّ الهَواءَ تابِعٌ للقَرارِ؛ فكَما يَلزَمُ تَفريغُ القَرارِ إذا شَغَلَه ملكه؛ فكذلك الهَواءُ التَّابِعُ له؛ إذ ليسَ له أن يَنتَفِعَ بقَرارِ أرضِ جارِه بغَيرِ إذنِه، فكذلك هَواءُ أرضِ جارِه [1171] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (6/264)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (10/79). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
1- إذا صَلَّى على سَطحِ الحُشِّ أو عَطَنِ الإبِلِ أو غَيرِها، فالرَّاجِحُ أنَّه تَصِحُّ الصَّلاةُ عليه؛ لأنَّ الهَواءَ تابِعٌ للقَرارِ في المِلكِ، أمَّا في الحُكمِ فلا؛ فقد نُهيَ عنِ الصَّلاةِ في الحُشِّ مِن أجلِ النَّجاسةِ، فإذا لم يَكُنْ نَجاسةٌ في سَطحِه فلا مانِعَ [1172] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/474)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/249). .
2- الصَّلاةُ على سَطحِ الحَمَّامِ صَحيحةٌ؛ لأنَّ الحَمَّامَ إن كانتِ العِلَّةُ فيه أنَّه مَأوى الشَّياطينِ؛ فإنَّ الشَّياطينَ لا تَأوي إلَّا إلى المَكانِ الذي تُكشَفُ فيه العَوراتُ. وإن كانتِ العِلَّةُ فيه خَوفَ النَّجاسةِ؛ فالسَّطحُ بَعيدٌ مِن هذه العِلَّةِ، وعلى هذا فتَصِحُّ الصَّلاةُ على سَطحِ الحَمَّامِ [1173] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/250). .

انظر أيضا: