الفرعُ الثَّاني عَشَرَ: داعي الطَّبعِ أقوى مِن داعي الشَّرعِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "داعي الطَّبعِ أقوى مِن داعي الشَّرعِ"
[992] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) (2/37) ((الفوائد)) (ص: 81) كلاهما للعز بن عبد السلام، ((الفوائد الجسام)) للبلقيني (ص: 374). ، وبصيغةِ: "داعيةُ الطَّبعِ تُجْزِئُ عن تَكليفِ الشَّرعِ"
[993] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/368)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/190)، ((حاشية العطار)) (2/248). ، وبصيغةِ: "الوازِعُ الطَّبَعيُّ أقوى مِنَ الوازِعِ الشَّرعيِّ"
[994] يُنظر: ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (1/94)، ((ترتيب الفروق)) للبقوري (2/259)، ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/755)، ((المهمات)) للإسنوي (4/214)، ((تحرير الفتاوى)) لابن العراقي (1/573)، ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (3/51)، ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (3/326). ، وبصيغةِ: "الوازِعُ الطَّبيعيُّ مُغنٍ عنِ الإيجابِ الشَّرعيِّ"
[995] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/368)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/190)، ((حاشية العطار)) (2/248). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.الوازِعُ الطَّبيعيُّ البَشَريُّ أقوى مِن حَثِّ الشَّرعِ؛ فإنَّ داعيةَ الطَّبعِ تُجْزِئُ عن تَكليفِ الشَّرعِ، كالمُقاتِلِ دونَ مالِه؛ فإنَّه لا يَقصِدُ بذلك وَجهَ اللهِ، وإنَّما يَقصِدُ صَونَ مالِه وحِفظَه، فهو يَفعَلُ ذلك بداعيةِ الطَّبعِ لا بداعيةِ الشَّرعِ؛ ولذلك يُقبَلُ الإقرارُ مِنَ البَرِّ والفاجِرِ؛ لكَونِه على خِلافِ الوازِعِ الطَّبيعيِّ، والشَّهادةُ لا تُقبَلُ إلَّا مِنَ العَدلِ؛ لأنَّ وازِعَها شَرعيٌّ فلا يُؤَثِّرُ إلَّا في المُتَّقينَ مِنَ النَّاسِ.
ولقوَّةِ داعي الطَّبعِ شَرع اللهُ العُقوباتِ الشَّرعيَّةَ على قَدرِ مَفسَدةِ الذَّنبِ، وتَقاضي الطَّبعِ له؛ فإن كان الوازِعُ عنه طَبيعيًّا، وليسَ في الطِّباعِ داعٍ إليه، اكتَفى فيه بالتَّحريمِ مَعَ التَّعزيرِ، ولم يُرَتِّبْ عليه حَدًّا، كَأكلِ المَيتةِ، وشُربِ الدَّمِ ونَحوِ ذلك، وما كان في الطِّباعِ داعٍ إليه رَتَّبَ عليه مِنَ العُقوبةِ بقَدرِ مَفسَدَتِه، وبقَدرِ داعي الطَّبعِ إليه، كالقَتلِ والزِّنا والسَّرِقةِ، وجَعَل عُقوبَتَها القِصاصَ والرَّجمَ والجَلدَ.
ولمَّا كان داعي الطَّبعِ إلى الزِّنا مِن أقوى الدَّواعي كانت عُقوبَتُه العُظمى مِن أشنعِ القِتلاتِ وأعظَمِها، وهيَ الرَّجمُ، وعُقوبَتُه الدُّنيا أعلى أنواعِ الجَلدِ مَعَ التَّغريبِ؛ فالجَلدُ للبِكرِ، والرَّجمُ للثَّيِّبِ
[996] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/37)، ((الفروق)) للقرافي (4/92)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/368)، ((طرح التثريب)) للعراقي (7/200)، ((الفوائد الجسام)) للبلقيني (ص: 374)، ((حاشية العطار)) (2/363)، ((موسوعة فقه القلوب)) للتويجري (4/2978). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الحُكمُ للغالبِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ داعيَ الطَّبعِ غالِبٌ، فكان أقوى؛ لأنَّ الحُكمَ للغالبِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكَريمِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ القُرآنِ الكَريمِ:قَولُ اللهِ تعالى:
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات: 12] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ المَعنى: كَرِهتُم أكلَ لحمِه مَيْتًا طَبعًا، فاكرَهوا غِيبَتَه عَقلًا، فإنَّها مِثلُ أكلِه؛ لأنَّ النُّفوسَ تَعافُ أكلَ لحمِ الإنسانِ مِن جِهةِ الطَّبعِ، فلتَكُنِ الغِيبةُ عنكُم بمَنزِلتِه في الكَراهةِ ولُزومِ اجتِنابِه مِن جِهةِ موجِبِ العَقلِ؛ إذ كانت دَواعي العَقلِ أحَقَّ بالاتِّباعِ مِن دَواعي الطَّبعِ؛ لأنَّ داعيَ الطَّبعِ أعمى جاهلٌ، وداعي العَقلِ بَصيرٌ عالمٌ
[997] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (3/542)، ((غرائب التفسير)) للكرماني (2/1124)، ((إيجاز البيان)) للنيسابوري (2/756). .
2- مِنَ القَواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الحُكمُ للغالبِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- تُقدَّمُ الأُمُّ على سائِرِ الأقارِبِ؛ لفَرطِ حُنوِّها وشَفقَتِها على طِفلِها، وتُقَدَّمُ الأُمُّ الجاهِلةُ بأحكامِ الحَضانةِ على العَمَّةِ العالِمةِ بأحكامِها؛ لأنَّ طَبعَها يَحُثُّها على مَعرِفةِ مَصالحِ الطِّفلِ وعلى القيامِ بها، وحَثُّ الطَّبعِ أقوى مِن حَثِّ الشَّرعِ
[998] يُنظر: ((الفوائد)) للعز بن عبد السلام (ص: 81). .
2- يُقدَّمُ الآباءُ والأجدادُ على الحُكَّامِ في النَّظَرِ في أموالِ الأطفالِ؛ لأنَّ فَرطَ الشَّفقةِ يَحُثُّهم على المُبالغةِ على جَلبِ المَصالِحِ ودَرءِ المَفاسِدِ
[999] يُنظر: ((الفوائد)) للعز بن عبد السلام (ص: 81). .
3- تُرَدُّ شَهادةُ الإنسانِ لنَفسِه ولو كان أعدَلَ النَّاسِ، ويُرَدُّ حُكمُه لنَفسِه ولو كان أقسَطَ النَّاسِ
[1000] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/37)، ((الفوائد الجسام)) للبلقيني (ص: 374). .
4- لا يُشتَرَطُ في نَظَرِ الإنسانِ لمَصالحِ نَفسِه العَدالةُ؛ لأنَّ طَبعَه يَحُثُّه على جَلبِ مَصالِحِ نَفسِه ودَرءِ المَفاسِدِ عنها، وتُشتَرَطُ العَدالةُ في نَظَرِه لغَيرِه لتَكونَ عَدالتُه وازعةً عنِ التَّقصيرِ في جَلبِ مَصالحِ المَولى عليه ودَفعِ المَفاسِدِ عنه. وقد يَسقُطُ شَرطُ العَدالةِ لكَونِ الطَّبعِ قائِمًا مَقامَها في جَلبِ المَصالحِ ودَرءِ المَفاسِدِ، كعَدالةِ المَولى في النِّكاحِ والحَضانةِ؛ لأنَّ طَبعَ المَولى والحاضِنِ يَحُثَّانِ على تَحصيلِ مَصالِحِ النِّكاحِ والحَضانةِ، ودَفعِ المَفاسِدِ عنِ المَولى عليهم، وشَفَقةُ القَرابةِ تَحُثُّ على القيامِ بمَصالحِ الأطفالِ ودَفعِ المَفاسِدِ عنهم
[1001] يُنظر: ((الفوائد)) للعز بن عبد السلام (ص: 81). وينظر أيضًا: ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (1/94)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/128). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ: الأنبياءُ عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ لعَدَمِ تَطَرُّقِ التُّهمةِ إليهم؛ للعِصمةِ
[1002] يُنظر: ((الفوائد الجسام)) للبلقيني (ص: 374). .