موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الأوَّلُ: الشَّكُّ في المانِعِ لا أثَرَ له


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الشَّكُّ في المانِعِ لا أثَرَ له" [684] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (ص:193)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (2/516)، ((حاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع)) (2/256). . ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ "الشَّكُّ في المانِعِ لا يَمنَعُ مِن تَرتيبِ أحكامِ السَّبَبِ" [685] يُنظر: ((نفائس الأصول)) (5/2287). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
لكَي يَثبُتَ حُكمٌ مِنَ الأحكامِ يَجِبُ تَوافُرُ سَبَبِه وشُروطِ انعِقادِه، وأن تَنتَفيَ المَوانِعُ التي تَمنَعُ ثُبوتَه، فإذا وُجِدَ مانِعٌ يَنتَفي الحُكمُ، كالحَيضِ؛ فإنَّه مانِعٌ يَمنَعُ صِحَّةَ الصَّلاةِ والصَّومِ، فإذا ثَبَتَ حُكمٌ مِنَ الأحكامِ لتَوافُرِ أسبابِه وشُروطِه، وحَصَل شَكٌّ في وُجودِ مانِعٍ يَمنَعُ مِن ثُبوتِه، فإنَّ هذا المانِعَ لا يُلتَفَتُ إليه ولا يَمنَعُ ثُبوتَ الحُكمِ؛ لأنَّ الحُكمَ إذا ثَبَتَ بيَقينٍ لا يُؤَثِّرُ فيه الشَّكُّ، وهنا ثَبَتَ الحُكمُ، فلا تَأثيرَ للمانِعِ المَشكوكِ فيه، وإنَّما يُؤَثِّرُ المانِعُ إذا تُيُقِّنَ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الأصلُ عَدَمُ المانِعِ حتَّى يَثبُتَ) [686] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/365)، ((المجموع وتكملتهـ)) للنووي وآخرين (15/298)، ((الفروق)) للقرافي (1/111)، ((المنثور)) للزركشي (2/260)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (ص:193)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (2/516)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/122). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدةِ (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ) ويُضافُ إليها:
الإجماعُ: ومِمَّن نَقَله: القَرافيُّ [687] قال: (فكُلُّ مَشكوكٍ فيه ليسَ بمُعتَبَرٍ، ويَجِبُ اعتِبارُ الأصلِ السَّابقِ على الشَّكِّ، فإن شَكَكنا في... أو في المانِعِ لم نَنفِ الحُكمَ فهذه القاعِدةُ مُجمَعٌ عليها لا تَنتَقِضُ، وإنَّما وقَعَ الخِلافُ بَينَ العُلماءِ في وَجهِ استِعمالِها). ((الذخيرة)) (1/219). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا شَكَكنا في أنَّ زَيدًا قَبلَ وفاتِه ارتَدَّ أم لا، فإنَّا نُوَرِّثُ مِنه استِصحابًا للأصلِ، وهو الإسلامُ الثَّابتُ بيَقينٍ؛ لأنَّ الكُفرَ مانِعٌ مِنَ الإرثِ، وقد شَكَكنا فيه، فلا يُؤَثِّرُ في مَنعِ الحُكمِ، فنُوَرِّثُ ورَثَتَه مِنه [688] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/111). .
2- الشَّكُّ في الطَّلاقِ، بأن شَكَّ هَل طَلَّقَ زَوجَتَه أو لا، فلا يَقَعُ الطَّلاقُ؛ لأنَّ الطَّلاقَ مانِعٌ مِن إباحةِ الوَطءِ، والأصلُ عَدَمُ وُجودِه، والشَّكُّ لا يَرفَعُ الأصلَ الثَّابتَ [689] يُنظر: ((التوضيح في شرح مختص ابن الحاجب)) لخليل (1/326)، ((الشرح الكبير)) للدردير مع حاشية الدسوقي (2/402)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (ص:193). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءٌ:
قاعِدةُ (الشَّكُّ في المانِعِ لا أثَرَ لهـ) عامَّةٌ، ويُستَثنى مِنها الأُمورُ التي يَكونُ مَبناها على الاحتياطِ، فإنَّنا لا نُهمِلُ هذا الشَّكَّ أوِ الشُّبهةَ القائِمةَ، بَل نَعتَدُّ به احتياطًا، ومِن ذلك مَسائِلُ المُحرَّماتِ والمُصاهَرةِ والأنسابِ والفُروجِ ونَحوِها.
قال السَّرَخسيُّ عن حُرمةِ المُصاهَرةِ: (بابُ الحُرمةِ مَبنيٌّ على الاحتياطِ، فيَجوزُ إثباتُه مَعَ الاحتِمالِ) [690] ((المبسوط)) (17/ 100)، ونحوه: (5/ 133). .
وقال أيضًا: (النَّسَبُ يَثبُتُ بشُبهةِ النِّكاحِ إذا اتَّصَل به الدُّخولُ، وهذه الشُّبهةُ تَثبُتُ بالنِّكاحِ الفاسِدِ تارةً، وبإخبارِ المُخبِرِ أنَّها امرَأتُه تارةً؛ لأنَّ الشُّبهةَ تَعمَلُ عَمَلَ الحَقيقةِ فيما هو مَبنيٌّ على الاحتياطِ، وأمرُ النَّسَبِ مَبنيٌّ على الاحتياطِ) [691] ((المبسوط)) (17/ 99- 100). .

انظر أيضا: