موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعَ الأوَّلُ: المُسلِمونَ عِندَ شُروطِهم


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المُسلمونَ عِندَ شُروطِهم" [523] يُنظر: ((الأصل)) لمحمد بن الحسن (3/550)، ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/401)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (14/253)، ((المبسوط)) للسرخسي (11/157)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/172)، ((المغني)) لابن قدامة (13/152)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 121). ، وبصيغةِ: "كُلُّ مَن شَرطَ على نَفسِه شَرطًا أُلزِمَ حُكمَه عِندَ وُجودِ شَرطِه" [524] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (3/475). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
أصلُ هذه القاعِدةِ نَصُّ حَديثٍ نَبَويٍّ، وقد سَبَقَ الاستِدلالُ به في القاعِدةِ الأُمِّ (الشَّرطُ أملَكُ)، وظاهِرُ القاعِدةِ يَقتَضي لُزومَ الوفاءِ بكُلِّ شَرطٍ إلَّا ما خُصَّ بدَليلٍ؛ لأنَّه يَقتَضي أن يَكونَ كُلُّ مُسلمٍ عِندَ شَرطِه. فكُلُّ مَن عَقَد عَقدًا مِنَ العُقودِ التي أثبَتَتها الشَّريعةُ، وجَعَلت له حُكمًا مِنَ اللهِ تعالى، وبَينَ العَبدِ وبَينَ العِبادِ بَعضِهم مِن بَعضٍ، فصَحَّ ذلك مِنه وانعَقدَ عليه ولزِمَه أن يوفيَ به، وليسَ له أن يَعمَلَ فيما وقَعَ عَقدُه عليه ما يُخالفُ العَقدَ فلا يُلائِمُه. ولا يَجوزُ مِن شُروطِ المُسلمينَ شَرطٌ أحَلَّ حَرامًا أو حَرَّمَ حَلالًا [525] يُنظر: ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (8/30)، ((المنهاج)) للحليمي (2/512)، ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (6/402)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/259)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/90). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الشَّرطُ أمْلَكُ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ الشُّروطَ التي اشتَرَطَها المُسلمونَ في عُقودِهم ومُعامَلاتِهم يَجِبُ عليهمُ الوفاءُ بها ما دامَت موافِقةً لشَرعِ اللهِ تعالى، وليسَ لهم مُخالفتُها؛ لأنَّ الشَّرطَ أمْلَكُ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ الإجماعِ:
ومِمَّن نَقَله: ابنُ تَيميَّةَ [526] قال: (في السُّنَنِ عنه أنَّه قال: "المُسلمونَ عِندَ شُروطِهم إلَّا شَرطًا أحَلَّ حَرامًا أو حَرَّمَ حَلالًا" وكُلُّ ما كان مِنَ الشُّروطِ التي بَينَ القَبائِلِ والمُلوكِ والشُّيوخِ والأحلافِ وغَيرِ ذلك فإنَّها على هذا الحُكمِ باتِّفاقِ عُلماءِ المُسلِمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (11/90). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الشَّرطُ أمْلَكُ)؛ حَيثُ إنَّها مُتَفرِّعةٌ عنها ومُقَرِّرةٌ حُكمَها.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- مَنِ استَأجَرَ أجيرًا وشَرَط له أُجرةً مُحَدَّدةً على عَمَلٍ مُحَدَّدٍ، فيَجِبُ على الأجيرِ الوفاءُ بالشَّرطِ، وأداءُ العَمَلِ المَطلوبِ على أكمَلِ وَجهٍ مُستَطاعٍ بحَسَبِ الشَّرطِ، ويَجِبُ على المُستَأجِرِ صاحِبِ العَمَلِ أداءُ الأجرِ المُتَّفَقِ عليه عِندَ تَمامِ العَمَلِ، أو بحَسَبِ الشَّرطِ المُتَّفَقِ عليه، وأن لا يُماطِلَ الأجيرَ في أداءِ أجرِه إذا أدَّى عَمَلَه على الوَجهِ المَطلوبِ [527] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (9/9). .
2- ليسَ للمُستَأجِرِ ولا للمُؤَجِّرِ نَقضُ الإجارةِ إلَّا مِن عُذرٍ؛ لأنَّ المُسلمينَ عِندَ شُروطِهم، ومِن عُذرِ المُستَأجِرِ: أن يُفلِسَ، فيَقومَ مِنَ السُّوقِ، ومِن عُذرِ المُؤَجِّرِ: أن يَلحَقَه دَينٌ فيَحتاجُ إلى الدَّارِ [528] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/401). وينظر أيضًا: ((المبسوط)) للسرخسي (16/2). .
3- إذا وُجِدَ شَرطٌ في المُضارَبةِ يَنُصُّ على أنَّه ليسَ للمُضارِبِ الحَقُّ مِن مُزاولةِ العَمَلِ خارِجَها، أو مِن مُزاولةِ نَوعٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الأعمالِ، كالأعمالِ التي يَقومُ بها في الشَّرِكةِ، فإنَّه يَجِبُ الوفاءُ بهذا الشَّرطِ، ولا تَجوزُ مُخالفتُه [529] يُنظر: ((شركات العقد)) لصالح البقمي (ص: 164). .

انظر أيضا: