موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: الشُّروطُ لا تَسقُطُ بالسَّهوِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "الشُّروطُ لا تَسقُطُ بالسَّهوِ، بخِلافِ المُبطِلاتِ" [530] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/368)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (7/426)، ((بغية المقتصد)) للوائلي (7/3882). ، وبصيغةِ: "الشُّروطُ لا تَسقُطُ بالسَّهوِ ولا الجَهلِ" [531] يُنظر: ((حاشية الخلوتي)) (1/311)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/57). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ المُكَلَّفَ إذا نَسيَ شَرطًا مِن شُروطِ صِحَّةِ العِباداتِ أوِ العُقودِ فقد بَطَل تَصَرُّفُه، وعليه الإعادةُ إن كان في الوقتِ، والقَضاءُ إن كان خارِجَ الوقتِ، كَمَن صَلَّى إلى غَيرِ القِبلةِ ناسيًا، فقد بَطَلت صَلاتُه، ووجَبَت إعادَتُها؛ لأنَّ الشُّروطَ لا تَسقُطُ، سَواءٌ كان عَمدًا، أو سَهوًا، أو جَهلًا.
والنِّسيانُ والجَهلُ يُعذَرُ بهما المَرءُ في حَقِّ اللهِ تعالى في بابِ المَنهيَّاتِ دونَ المَأموراتِ؛ إذِ المَقصودُ مِنَ المَأموراتِ إقامةُ مَصالحِها، وذلك لا يَحصُلُ إلَّا بفِعلِها، والمَنهيَّاتُ مَزجورٌ عنها بسَبَبِ مَفاسِدِها؛ امتِحانًا للمُكَلَّفِ بالانكِفافِ عنها، وذلك إنَّما يَكونُ بالتَّعَمُّدِ لارتِكابها، ومَعَ النِّسيانِ والجَهلِ لم يَقصِدِ المُكَلَّفُ ارتِكابَ المَنهيِّ، فعُذِرَ بالجَهلِ فيه، فمَن نَسِيَ الماءَ، وهو في رَحلِه، وصَلَّى بالتَّيَمُّمِ، فإنَّه يُطالَبُ بفِعلِه؛ لأنَّه مِن بابِ المَأموراتِ الواجِبةِ عليه [532] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/362)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (7/426)، ((حاشية الخلوتي)) (1/311)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/81)، ((موسوعة أحكام الطهارة)) للدبيان (5/226). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الشَّرطُ أمْلَكُ)؛ لأنَّ الشَّرطَ إذا كان أمْلَكَ وأقوى فإنَّه لا يَسقُطُ بحالٍ، لا في السَّهوِ ولا في العَمدِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الشَّرطُ أمْلَكُ)؛ حَيثُ إنَّها مُتَفرِّعةٌ عنها ومُقَرِّرةٌ حُكمَها.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لابِسُ الخُفِّ إذا نَسيَ أن يَلبَسَه على طَهارةٍ، فمَسَحَ عليه في الوُضوءِ وصَلَّى، وجَبَ نَزعُه وإعادةُ الوُضوءِ والصَّلاةِ؛ فالشُّروطُ لا تَسقُطُ بالنِّسيانِ [533] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/362). .
2- التَّسميةُ على الذَّبحِ شَرطٌ، ولا تَسقُطُ بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوالِ، لا سَهوًا ولا جَهلًا ولا عَمدًا مَعَ الذِّكرِ، وهو رِوايةٌ عن أحمَدَ، وعن مالكٍ، واختارَه جَماعةٌ مِنَ السَّلفِ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ وغَيرِه، واستَدَلُّوا بأنَّ القُرآنَ والسُّنَّةَ قد دَلَّا على أنَّ ذلك شَرطٌ؛ فالذَّبيحةُ لا تُؤكَلُ إذا لم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عليها، وإذا فُقِدَ الشَّرطُ فُقِدَ المَشروطُ، فإذا فُقِدَتِ التَّسميةُ فإنَّه يُفقَدُ الحِلُّ [534] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/81). وينظر أيضًا: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (27/416). .
3- إذا سَها أو نَسيَ أو أخطَأ فعَقدَ على امرَأةٍ ذاتِ زَوجٍ، فالعَقدُ باطِلٌ؛ لأنَّ مِن شُروطِ صِحَّةِ النِّكاحِ خُلوَّ المَرأةِ عن مُبطِلاتِه [535] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (5/123). .

انظر أيضا: