المَبحَثُ الخامِسُ: العَلاقةُ بَينَ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ ومَقاصِدِ الشَّريعةِ
المُرادُ بمَقاصِدِ الشَّريعةِ: الغايةُ مِنها والأسرارُ التي وضَعَها الشَّارِعُ عِندَ كُلِّ حُكمٍ مِن أحكامِها
[83] يُنظر: ((مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها)) لعلال الفاسي (ص: 7). .
وقيلَ هيَ: المَعاني والحِكَمُ المَلحوظةُ للشَّارِعِ في جَميعِ أحوالِ التَّشريعِ أو مُعظَمِها، بحَيثُ لا تَختَصُّ مُلاحَظَتُها بنَوعٍ خاصٍّ مِن أحكامِ الشَّريعةِ. فيَدخُلُ في هذا أوصافُ الشَّريعةِ وغايَتُها العامَّةُ والمَعاني التي لا يَخلو التَّشريعُ عَن مُلاحَظَتِها، ويَدخُلُ في هذا أيضًا مَعانٍ مِنَ الحِكَمِ ليسَت مَلحوظةً في سائِرِ أنواعِ الأحكامِ، ولَكِنَّها مَلحوظةٌ في أنواعٍ كَثيرةٍ منها
[84] يُنظر: ((مقاصد الشريعة الإسلامية)) لابن عاشور (3/ 165). .
والقَواعِدُ المَقاصِديَّةُ هيَ: (قَضيَّةٌ كُلِّيَّةٌ تُعَبِّرُ عَن إرادةِ الشَّارِعِ مِن تَشريعِ الأحكامِ، وتُستَفادُ عَن طَريقِ الاستِقراءِ للأحكامِ الشَّرعيَّةِ)
[85] ((القواعد الكلية والضوابط الفقهية)) لمحمد شبير (ص: 31). .
فمِن خِلالِ التَّعريفِ بمَقاصِدِ الشَّريعةِ وقَواعِدِها نَجِدُ أنَّها تَتَّفِقُ مَعَ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ في أنَّ كُلًّا مِنهما قَضيَّةٌ كُلِّيَّةٌ، وغايَتُهما واحِدةٌ، وهيَ الوُقوفُ على الحُكمِ الشَّرعيِّ في الوقائِعِ والمُستَجَدَّاتِ، وأنَّهما يُفيدانِ في مَعرِفةِ حُكمِ الشَّريعةِ وأسرارِها، ولَكِنَّهما يَفتَرِقانِ مِن عِدَّةِ وُجوهٍ
[86] ((القواعد الكلية والضوابط الفقهية)) لمحمد شبير (ص: 31). ، منها:
1- أنَّ القاعِدةَ المَقاصِديَّةَ حَقيقَتُها بَيانُ حِكَمِ الشَّريعةِ وأسرارِها التي تَوخَّاها الشَّارِعُ مِن أُصولِ التَّشريعِ. ومِثالُ ذلك: (مَقصودُ الشَّارِعِ مِن مَشروعيَّةِ الرُّخصةِ الرِّفقُ بالمُكَلَّفِ عَن تَحَمُّلِ المَشاقِّ)
[87] ((الموافقات)) للشاطبي (1/ 521). ، فهذه القاعِدةُ تُقَرِّرُ الحِكمةَ والغايةَ مِن تَشريعِ الرُّخَصِ، ولا تَقتَصِرُ على بَيانِ الحُكمِ الكُلِّيِّ للرُّخَصِ، وهذا يُؤَدِّي إلى سُرعةِ الامتِثالِ مِن قِبَلِ المُكَلَّفِ.
أمَّا القاعِدةُ الفِقهيَّةُ فتَقتَصِرُ على بَيانِ الحُكمِ الشَّرعيِّ الكُلِّيِّ الذي تَندَرِجُ تَحتَه جُزئيَّاتٌ مُتَعَدِّدةٌ، فإذا كانَ مَوضوعُ القاعِدةِ المَقاصِديَّةِ أهدافَ الشَّريعةِ وغاياتِها العامَّةَ، فإنَّ مَوضوعَ القاعِدةِ الفِقهيَّةِ فِعلُ المُكَلَّفِ
[88] يُنظر: ((القواعد الكلية والضوابط الفقهية)) لمحمد شبير (ص: 31- 32). .
2- القاعِدةُ المَقاصِديَّةُ لها مِنَ الحُجِّيَّةِ والقوةِ بحَيثُ يُمكِنُ الاستِنادُ إليها في الاستِدلالِ؛ لأنَّ المَعنى العامَّ كالنَّصِّ العامِّ سَواءً بسَواءٍ مِن حَيثُ القوةُ والِاعتِبارُ وصَلاحيَّتُه في الاستِدلالِ، ولِأنَّه يَستَنِدُ إلى الاستِقراءِ.
قال الشَّاطِبيُّ: (العُمومُ إذا ثَبَتَ فلا يَلزَمُ أن يَثبُتَ مِن جِهةِ صيَغِ العُمومِ فقَط، بَل له طَريقانِ: أحَدُهما: الصِّيَغُ إذا ورَدَت، وهو المَشهورُ في كَلامِ أهلِ الأُصولِ. والثَّاني: استِقراءُ مَواقِعِ المَعنى حَتَّى يَحصُلَ مِنه في الذِّهنِ أمرٌ كُلِّيٌّ عامٌّ؛ فيَجري في الحُكمِ مَجرى العُمومِ المُستَفادِ مِنَ الصِّيَغِ)
[89] ((الموافقات)) (4/ 57). .
أمَّا القاعِدةُ الفِقهيَّةُ فلا يَصِحُّ الاعتِمادُ عليها وحدَها في الاستِدلالِ إلَّا إذا كانَت تَستَنِدُ إلى نَصٍّ شَرعيٍّ
[90] يُنظر: ((القواعد الكلية والضوابط الفقهية)) لمحمد شبير (ص: 32). .
3- القَواعِدُ المَقاصِديَّةُ حاكِمةٌ على القَواعِدِ الفِقهيَّةِ ومُقدَّمةٌ عليها عِندَ التَّعارُضِ؛ لأنَّ القَواعِدَ المَقاصِديَّةَ تُعَبِّرُ عَن أهدافِ التَّشريعِ وغاياتِه. أمَّا القَواعِدُ الفِقهيَّةُ فتُعَبِّرُ عَن وسائِلِ تلك الأهدافِ والغاياتِ. والغايةُ مُقدَّمةٌ على الوسيلةِ، كما قال المَقَّريُّ: (مُراعاةُ المَقاصِدِ مُقدَّمةٌ على رِعايةِ الوسائِلِ أبَدًا)
[91] ((القواعد)) (ص: 365). ويُنظر أيضًا: ((القواعد الكلية والضوابط الفقهية)) لمحمد شبير (ص: 32). .