موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ الأوَّلُ: العَلاقةُ بَينَ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ وأُصولِ الفِقهِ


رَغمَ التَّقارُبِ بَينَ العِلمَينِ ومَوضوعَيهما، والِارتِباطِ بَينَ جُذورِ الكَلِمَتَينِ، إلَّا أنَّ كُلًّا مِنهما عِلمٌ مُستَقِلٌّ، ومَعَ ذلك فإنَّ هناكَ ارتِباطًا وثيقًا بَينَهما، فكِلاهما مُندَرِجٌ تَحتَ لواءِ الشَّريعةِ، كما أنَّ القَواعِدَ الفِقهيَّةَ تُشبِهُ أُصولَ الفِقهِ مِن ناحيةِ أنَّ كُلًّا مِنهما قَواعِدُ تَندَرِجُ تَحتَها جُزئيَّاتٌ مُختَلِفةٌ.
قال القَرافيُّ: (الشَّريعةُ المُعَظَّمةُ المُحَمَّديَّةُ -زادَ اللهُ تعالى مَنارَها شَرَفًا وعُلوًّا- اشتَمَلَت على أُصولٍ وفُروعٍ، وأُصولُها قِسمانِ: أحَدُهما: المُسَمَّى بأُصولِ الفِقهِ... والقِسمُ الثَّاني: قَواعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقهيَّةٌ جَليلةٌ كَثيرةُ العَدَدِ عَظيمةُ المَدَدِ مُشتَمِلةٌ على أسرارِ الشَّرعِ وحِكَمِه، لكُلِّ قاعِدةٍ مِنَ الفُروعِ في الشَّريعةِ ما لا يُحصى ولَم يُذكَرْ مِنها شَيءٌ في أُصولِ الفِقهِ) [62] ((الفروق)) (1/ 2- 3). .
أبرَزُ الفَوارِقِ بَينَ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ وأُصولِ الفِقهِ:
1- القَواعِدُ الفِقهيَّةُ عِبارةٌ عَن قَضايا كُلِّيَّةٍ أو أغلَبيَّةٍ، فمَوضوعُها وجُزئيَّاتُها فُروعُ الفِقهِ ومَسائِلُه المُتَعَلِّقةُ بأفعالِ المُكَلَّفينَ. وأمَّا القَواعِدُ الأُصوليَّةُ فهيَ في مُجمَلِها تَنتَظِمُ مَجموعةَ الأدِلَّةِ الإجماليَّةِ التي يَدورُ عليها عِلمُ أُصولِ الفِقهِ، ويَنضَبِطُ بها ميزانُ الاستِنباطِ الصَّحيحِ عِندَ الفَقيهِ، شَأنُها في ذلك شَأنُ القَواعِدِ النَّحويَّةِ التي تَضبِطُ الإعرابَ وتُقيمُ النُّطقَ، فالقَواعِدُ الأُصوليَّةُ وسَطٌ بَينَ الأدِلَّةِ والأحكامِ يُستَنبَطُ بها الحُكمُ مِن دَليلِه التَّفصيليِّ [63] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لعلي الندوي (ص: 57)، ((توضيح الأحكام)) للبسام (1/ 52)، مقدمة تحقيق ((الأشباه والنظائر لابن الملقن)) لمصطفى الأزهري (1/ 39). .
2- القَواعِدُ الفِقهيَّةُ مُتَأخِّرةٌ في وُجودِها عَنِ الفُروعِ؛ لأنَّها جَمعٌ لأشتاتِها ورَبطٌ بَينَها، أمَّا القَواعِدُ الأُصوليَّةُ فالفَرضُ العَقليُّ يَقتَضي وُجودَها قَبلَ الفُروعِ؛ لأنَّها الوسيلةُ التي يَتَوصَّلُ بها المُجتَهِدُ إلى استِنباطِ الأحكامِ (الفُروعِ) [64] يُنظر: ((مالك حياته وعصرهـ)) لمحمد أبو زهرة (ص: 275- 276)، ((القواعد الفقهية)) لعلي الندوي (ص: 59- 60)، مقدمة تحقيق ((الأشباه والنظائر لابن الملقن)) لمصطفى الأزهري (1/ 39). .
3- القَواعِدُ الفِقهيَّةُ أغلَبيَّةٌ يَكونُ الحُكمُ فيها على أغلَبِ الجُزئيَّاتِ، وتَكونُ لها المُستَثنَياتُ، أمَّا القَواعِدُ الأُصوليَّةُ فهيَ كُلِّيَّةٌ تَنطَبِقُ على جَميعِ جُزئيَّاتِها ومَوضوعاتِها [65] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لعلي الندوي (ص: 59). .

انظر أيضا: