موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الحادي والثَّلاثونَ: الشَّكُّ في الزِّيادةِ كَتَحَقُّقِها


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "الشَّكُّ في الزِّيادةِ كَتَحَقُّقِها" [634] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/201)، ((شرح المنهج المنتخب)) لابن المنجور (1/426)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (1/412). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
إذا شَكَكنا في أنَّ بَراءةَ الذِّمَّةِ لا تَكونُ إلَّا بالإتيانِ بالزَّائِدِ، فيَجِبُ علينا الإتيانُ به، وليسَ المُرادُ الشَّكَّ في زيادَتِه ونَقصِه، وإنَّما المُرادُ الشَّكُّ في أصلِ وُجودِه وعَدَمِه، وهو مَعنى أنَّ الشَّكَّ في الزِّيادةِ كَتَحَقُّقِها [635] يُنظر: ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (1/412)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (5/135). ، وقدِ اشتَهَرَت هذه القاعِدةُ عِندَ المالكيَّةِ، والصَّحيحُ عِندَهم أنَّ تَوهُّمَ الزِّيادةِ كتَحَقُّقِها في كَونِها تَقتَضي السُّجودَ بَعدَ السَّلامِ [636] يُنظر: ((ذخيرة العقبى)) للأثيوبي (14/354). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ اليَقينَ ببَراءةِ الذِّمَّةِ لا يَتَحَقَّقُ إلَّا بالزِّيادةِ، فكان الإتيانُ بها واجِبًا.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بنَفسِ أدِلَّةِ القاعِدةِ الأُمِّ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
يَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ أمثِلةٌ؛ مِنها:
1- الشَّاكُّ في صَلاتِه يَجِبُ عليه البناءُ على اليَقينِ، فلو شَكَّ في عَدَدِ ما أتى به مِنَ الرَّكَعاتِ بَنى على اليَقينِ، وتَمَّمَ الصَّلاةَ وُجوبًا، وسَجَدَ؛ لاحتِمالِ الزِّيادةِ، كَمَن يَشُكُّ في أنَّه صَلَّى أربَعًا أو خَمسًا؛ لاحتِمالِ أن يَكونَ قد صَلَّى في الواقِعِ أربَعًا، وتَكونُ التي زادَها رَكعةً خامِسةً. فمَن بَنى على الثَّلاثِ وصَلَّى رَكعةً أُخرى فهو يَشُكُّ الآنَ أنَّها رابعةٌ أو خامِسةٌ، وهذا هو المُرادُ بالشَّكِّ في الزِّيادةِ [637] يُنظر: ((الإحكام)) لعبد الرحمن بن قاسم (1/273)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (3/426)، ((الفقه على المذاهب الأربعة)) للجزيري (1/417). .
2- إذا شَكَّ فيما عليه مِن صيامٍ، أو شَكَّت فيما عليها مِن عِدَّةٍ هَل هيَ عِدَّةُ طَلاقٍ أو وفاةٍ، يَنبَغي أن يَلزَمَ الأكثَرُ عليها وعلى الصَّائِمِ؛ أخذًا بالأحوطِ، وهذا بناءً على أنَّ الشَّكَّ في الزِّيادةِ كَتَحَقُّقِها [638] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 183). .
3- الشَّكُّ في حُصولِ التَّفاضُلِ في عُقودِ الرِّبا، كالشَّكِّ في الزِّيادةِ في عُقودِ الصَّرفِ، وما يَجري فيه الرِّبا، كَتَحَقُّقِ الزِّيادةِ، فيُعتَدُّ بالشَّكِّ فيها؛ احتياطًا للتَّحريمِ، فإذا وُجِدَت مُعامَلةٌ وشَكَكنا في أنَّ فيها رِبًا أو لا رِبا فيها، ولم نَجِدْ مُرَجِّحًا يُرَجِّحُ أحَدَ الاحتِمالَينِ، وجَبَ الأخذُ بالاحتياطِ وتَركُ هذه المُعامَلةِ؛ لأنَّ الشَّكَّ في الزِّيادةِ كتَحَقُّقِها [639] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/201)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (7/473)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/197). .
4- عِندَ المالكيَّةِ: أنَّ مَن شَكَّ: هَل طَلَّقَ واحِدةً، أم اثنَتَينِ، أم ثَلاثًا، فإنَّه يُلزَمُ بالأكثَرِ، فلو كان الأكثَرُ هيَ الثَّلاثَ، فلا تَحِلُّ له المَرأةُ إلَّا مِن بَعدِ زَوجٍ؛ لأنَّ الشَّكَّ في الزِّيادةِ كَتَحَقُّقِها، فيَنزِلُ المَشكوكُ فيه هنا بمَنزِلةِ المُتَحَقِّقِ، فيَقَعُ الطَّلاقُ للاحتياطِ [640] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/201)، ((موسوعة الإجماع)) مجموعة رسائل علمية بجامعة الملك سعود (3/524). .

انظر أيضا: