موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الثَّاني والعِشرونَ: مَن تَيَقَّنَ الفِعلَ وشَكَّ في القَليلِ والكَثيرِ حملَ على القَليلِ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَةِ: "مَن تَيَقَّنَ الفِعلَ وشَكَّ في القَليلِ والكَثيرِ حملَ على القَليلِ" [529] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/275)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 55)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 50)، ((بريقة محمودية)) للخادمي (4/244). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
مَن فعَل فِعلًا مُتَيَقَّنًا مِنه، ثُمَّ شَكَّ فيما فعَله هَل هو الأقَلُّ أوِ الأكثَرُ، فيَجِبُ حَملُه على الأقَلِّ؛ لأنَّه المُتَيَقَّنُ. بخِلافِ إذا شَكَّ فيما عليه، فيَجِبُ حَملُه على الأكثَرِ؛ لأنَّه الذي تَبرَأُ به الذِّمَّةُ [530] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/275)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (10/977). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ مَن تَيَقَّنَ الفِعلَ وشَكَّ في القَليلِ أوِ الكَثيرِ حملَ على القَليلِ؛ لأنَّه المُتَيَقَّنُ، إلَّا أن تَشتَغِلَ الذِّمَّةُ بالأصلِ، فلا تَبرَأُ إلَّا بيَقينٍ، كَما لو نَسيَ أداءَ صَلاةٍ مِنَ المَفروضاتِ الخَمسةِ فيَلزَمُه كُلُّ الصَّلواتِ الخَمسِ [531] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/275)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 55). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا سَها أحَدُكُم في صَلاتِه فلم يَدْرِ واحِدةً صَلَّى أوِ اثنَتَينِ؟ فليَبنِ على واحِدةٍ، فإن لم يَدْرِ ثِنتَينِ صَلَّى أو ثَلاثًا؟ فليَبنِ على ثِنتَينِ، فإن لم يَدْرِ ثَلاثًا صَلَّى أو أربَعًا؟ فليَبنِ على ثَلاثٍ، وليَسجُدْ سَجدَتَينِ قَبلَ أن يُسَلِّمَ )) [532] أخرجه الترمذي (398) واللفظ له، وابن ماجه (1209)، وأحمد (1656). قال الترمذيُّ: حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ، وقال البغوي في ((شرح السنة)) (2/332): حسنٌ صحيحٌ، وصَحَّحه الشوكانيُّ في ((الدراري المضية)) (105)، وأحمد شاكر في تخريج ((سنن الترمذي)) (2/245)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (398). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّ الشَّكَّ بَينَ القَليلِ والكَثيرِ يوجِبُ الحَملَ على الأقَلِّ؛ لأنَّه المُتَيَقَّنُ [533] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (10/977). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لها بالقاعِدةِ الأُمِّ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ)؛ حَيثُ إنَّ القَليلَ هو القَدرُ المُتَيَقَّنُ، فيَجِبُ الحَملُ عليه.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
يَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ أمثِلةٌ كَثيرةٌ؛ مِنها:
1- مَن شَكَّ في طَوافِه هَل هذا الشَّوطُ السَّادِسُ أوِ السَّابعُ، فليَجعَلْه السَّادِسَ، ثُمَّ يَأتي بالسَّابعِ [534] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (10/978). .
2- لو كان عليه دَينٌ وشَكَّ في قَدرِه لزِمَه إخراجُ المُتَيَقَّنِ بَراءةً للذِّمَّةِ [535] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/275). .
3- إذا تَرَدَّدَ لفظُ الوصيَّةِ بَينَ الكَثيرِ والقَليلِ حُمِل على القَليلِ [536] يُنظر: ((نهاية المطلب)) للجويني (10/104)، ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (4/353). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ؛ مِنها:
1- لو تَحَقَّقَتِ المَرأةُ أنَّ عليها عِدَّةً وشَكَّت هَل هيَ عِدَّةُ طَلاقٍ أو وفاةٍ: لزِمَها الأكثَرُ.
2- لوِ اتَّخَذَ إناءً مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ وجَهِل الأكثَرَ مِنهما ولم يُمكِنْ تَمييزُه: وجَبَ عليه أن يُزَكِّيَ الأكثَرَ ذَهَبًا وفِضَّةً.
وإنَّما وجَبَ الأكثَرُ في هاتَينِ الصُّورَتَينِ؛ لأنَّ المُكَلَّفَ فيهما يُنسَب إلى التَّقصيرِ، بخِلافِ ما لو رَأى بَللًا وشَكَّ، فإنَّه يَتَخَيَّرُ [537] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/277). .

انظر أيضا: