المَطلبُ العِشرونَ: القادِرُ على اليَقينِ لا يَعمَلُ بالظَّنِّ ولا يَجوزُ له الاجتِهادُ جَزمًا
أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِاستُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَةِ: "القادِرُ على اليَقينِ لا يَعمَلُ بالظَّنِّ ولا يَجوزُ له الاجتِهادُ جَزمًا"
[501] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/129)، ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 95)، ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (8/173)، وقد أشار ابنُ السُّبكيِّ إلى اشتهارِ هذه الصِّيغةِ عندَ الفُقَهاءِ، فقال: (قاعدةٌ تكَرَّر ذِكرُها على ألسِنةِ الفُقَهاءِ: "القادِرُ على اليقينِ لا يَعمَلُ بالظَّنِّ). ((الأشباه والنظائر)) (1/129). ، وصيغةِ: "القادِرُ على اليَقينِ لا يَتبَعُ الظَّنَّ"
[502] يُنظر: ((نفائس الأصول)) للقرافي (9/3818). ، وصيغةِ: "القادِرُ على اليَقينِ يَحرُمُ عليه العَمَلُ بالظَّنِّ"
[503] يُنظر: ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (2/441)، ((بديع النظام)) للساعاتي (2/670)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/299). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ القادِرُ على اليَقينِ لا يَجوزُ له أن يَأخُذَ بالظَّنِّ، والمُجتَهِدُ القادِرُ على النَّصِّ لا يَجتَهِدُ
[504] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/354). .
وكَما لا يَجوزُ للقادِرِ على اليَقينِ الاجتِهادُ مَعَ القُدرةِ على اليَقينِ، لا يَجوزُ له الرُّجوعُ إلى قَولِ الغَيرِ ولا اعتِمادُ قَولِ غَيرِه أيضًا
[505] يُنظر: ((فتح العزيز)) للرافعي (3/226)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/217). .
وقد قَسَّمَ ابنُ السُّبكيِّ حالَ المُكَلَّفِ مَعَ اليَقينِ إلى صورٍ ثَلاثٍ
[506] ((الأشباه والنظائر)) (1/129). .
ويُؤخَذُ مِن كَلامِه أنَّ القادِرَ على اليَقينِ: تارةً يُجزَمُ بعَدَمِ جَوازِ أخذِه بالظَّنِّ، كالمَكِّيّ في القِبلةِ، والمُجتَهدِ إذا وجَدَ النَّصَّ.
وتارةً يُجزَمُ بجَوازِ أخذِه بالظَّنِّ، كالطَّهارةِ بماءٍ قَليلٍ على شاطِئِ البَحرِ، وكَونِ ماءِ البَحرِ مُتَيَقَّنَ الطَّهارةِ، المُراد به الظَّنُّ الأقوى.
وتارةً يَجري فيه خِلافٌ، وأصلُ الخِلافِ أنَّ الصَّحابيَّ رَضِيَ اللهُ عنه في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هَل له الاجتِهادُ؟ فالجُمهورُ على جَوازِه.
ومِنَ الصُّورِ التي يَجري فيها الخِلافُ هنا: هَل يَجوزُ الاجتِهادُ مَعَ قُدرَتِه على ماءٍ طَهورٍ بيَقينٍ؟ فيه وجهانِ، وليسَ مُرادُهم باليَقينِ هنا القَطعيَّ، بَل ما يَغلِبُ على الظَّنِّ
[507] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/102)، ((القواعد)) للحصني (3/334)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 184). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِيُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِيَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ أمثِلةٌ كَثيرةٌ؛ مِنها:
1- القادِرُ على مَعرِفةِ القِبلةِ بيَقينٍ لا يَجوزُ له الاجتِهادُ فيها، والمَعرِفةُ يَقينًا قد تَحصُلُ بالمُعايَنةِ، وقد تَحصُلُ بغَيرِ المُعايَنةِ، كالنَّاشِئِ بمَكَّةَ يَعرِفُ القِبلةَ بأماراتٍ تُفيدُه اليَقينَ، والغائِبُ عنِ القِبلةِ لا يَعتَمِدُ على خَبَرِ مَن أخبَرَه عن عِلمٍ، ولا على الاجتِهادِ إلَّا إذا لم يَقدِرْ على مَعرِفةِ القِبلةِ يَقينًا
[508] يُنظر: ((فتح العزيز)) للرافعي (3/226)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/217)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (7/2893)، ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 95). .
2- مَن شَكَّ في دُخولِ الوقتِ فلا يُصَلِّي حتَّى يَتَيَقَّنَ دُخولَه، فإن تَعَذَّرَ اليَقينُ عَمِلَ بالاجتِهادِ. فإنِ اجتَهَدَ وهو قادِرٌ على اليَقينِ لم تَصِحَّ صَلاتُه، كَمَن صَلَّى بالاجتِهادِ عِندَ حُضورِ الكَعبةِ، أو عَمِل بالقياسِ مَعَ وُجودِ النَّصِّ، سَواءٌ أخطأَ أو أصابَ
[509] يُنظر: ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (2/250). .