موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الثَّامِنَ عَشَرَ: الإقرارُ يُحمَلُ على الأقَلِّ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَةِ: "الإقرارُ يُحمَلُ على الأقَلِّ" [484] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/219)، ((فتاوى الرملي)) (4/171). ، وصيغةِ: "الإقرارُ يُحمَلُ على أدنى ما يَقَعُ عليه الاسمُ" [485] يُنظر: ((الفواكه العديدة)) للمنقور (1/168). ، وصيغةِ: "الإقرارُ يُحمَلُ على اليَقينِ" [486] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (5/378)، ((فتاوى السبكي)) (2/505)، ((النجم الوهاج)) للدميري (5/554)، ((تحرير الفتاوى)) لابن العراقي (3/760)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/483). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ الواجِبَ في الحُقوقِ على المُقِرِّ إذا أقَرَّ بالعَدَدِ المَجهولِ وماتَ ولم يُبَيِّنْ: هو أقَلُّ العَدَدِ، ولا يُزادُ عليه إلَّا بدَليلٍ صحيحٍ يُثبِتُ الزِّيادةَ على أقَلِّ الجَمعِ، ومِثالُه: أن يَقولَ المُقِرُّ مَثَلًا: (له عِندي شَيءٌ) أو يَقولَ: (له عِندي ريالاتٌ)، قال ابنُ عَقيلٍ: (الجَمعُ يُحمَلُ على الأقَلِّ في الإقرارِ والأمرِ، ولا يُحمَلُ على ما زادَ على الثَّلاثةِ إلَّا بدَليلٍ) [487] ((الواضح)) (2/510). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ عنِ القاعِدةِ الأُمِّ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ)؛ حَيثُ إنَّ الأقَلَّ مُتَيَقَّنٌ، والأكثَرُ مِنه مَشكوكٌ فيه، فيَثبُتُ اليَقينُ ولا يَزولُ بالشَّكِّ؛ ولذلك ذَكَرَها كَثيرٌ مِنَ الفُقَهاءِ بلفظِ "الإقرارُ يُحمَلُ على اليَقينِ"؛ ولذلك قال الكاسانيُّ: (يُحمَلُ على الأقَلِّ مِنها؛ لأنَّ الأقَلَّ مُتَيَقَّنٌ به، والزِّيادةَ مَشكوكٌ فيها ... فمَتى وقَعَ الشَّكُّ في ثُبوتِه فلا يَثبُتُ مَعَ الشَّكِّ) [488] ((بدائع الصنائع)) (7/219). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعدِ التَّاليَةِ:
1- قاعِدةُ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ)؛ حَيثُ إنَّها مُتَفرِّعةٌ عنها.
2- قاعِدةُ: (الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ)؛ حَيثُ إنَّ الأقَلَّ مُتَيَقَّنٌ، والأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ مِمَّا زادَ عليه [489] يُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/292). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إن قال المُقِرُّ: له عِندي شَيءٌ. أو له عِندي عَشرةٌ، قُبِل تَفسيرُه مِن أيِّ مالٍ كان، سَواءٌ مِمَّا يَثبُتُ في الذِّمَّةِ أو لا، وإن لم يُفسِّرِ المُقِرُّ لفظَ (شَيء) أو لفظَ (عَشرة) في الإقرارِ المَذكورِ حتَّى ماتَ أو جُنَّ أو تَعَذَّرَ مِنه التَّفسيرُ: وجَبَ للمُقَرِّ له ما يُسَمَّى شَيئًا وما يُسَمَّى عَشَرةً مِن أدنى مالٍ مِمَّا له قيمةٌ في القِيميِّ، ولا يُتَسامَحُ بمِثلِه في المِثليِّ؛ لأنَّ الإقرارَ يُحمَلُ على الأقَلِّ [490] يُنظر: ((موسوعة الفقه الإسلامي)) المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مصر (22/197). .
2- لو قال المُقِرُّ: لفُلانٍ عليَّ دَراهِمُ أو دَنانيرُ، لا يُصَدَّقُ في أقَلَّ مِن ثَلاثةٍ؛ لأنَّ الثَّلاثةَ أقَلُّ الجَمعِ الصَّحيحِ، فكان ثابتًا بيَقينٍ، وفي الزِّيادةِ عليها شَكٌّ، وحُكمُ الإقرارِ لا يَلزَمُ بالشَّكِّ [491] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/219). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ
فوائِدُ:
كَما يُحمَلُ الإقرارُ على أقَلِّ العَدَدِ فكذلك تُحمَلُ الوصيَّةُ أيضًا على الأقَلِّ؛ قال إمامُ الحَرَمَينِ: (تُحمَلُ الوصيَّةُ بالمالِ على أقَلِّ ما يُتَمَوَّلُ، كما يُحمَلُ الإقرارُ عليهـ) [492] ((نهاية المطلب)) (11/190). .

انظر أيضا: