الفرعُ الخامِسُ: لا يَجتَمِعُ على عَينٍ عَقدانِ لازِمانِ، بَل يَكونُ أحَدُهما على العَينِ، والآخَرُ على المَنفعةِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا يَجتَمِعُ على عَينٍ عَقدانِ لازِمانِ، بَل يَكونُ أحَدُهما على العَينِ، والآخَرُ على المَنفعةِ"
[5543] يُنظر: ((القواعد)) للحصني (4/179). ، وصيغةِ: "لا يَجوزُ أن يُجمَعَ على العَينِ عَقدانِ لازِمانِ في مَحَلٍّ واحِدٍ، ويَجوزُ باعتبارينِ"
[5544] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/410). ، وصيغةِ: "لا يَجتَمِعُ على عَينٍ واحِدةٍ عَقدانِ لازِمانِ"
[5545] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/357). ويُنظر أيضًا: ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/25)، ((القواعد)) للحصني (4/179). ، وصيغةِ: "لا يَجوزُ إيرادُ عَقدَينِ على عَينٍ في مَحَلٍّ واحِدٍ"
[5546] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 151). ، وصيغةِ: "لا يَجوزُ المَقامُ على العَقدِ المَفسوخِ، ولا ابتِداءُ العَقدِ على العَقدِ"
[5547] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (4/397). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.إيرادُ العَقدِ على العَقدِ ضَربانِ:
الأوَّلُ: أن يَكونَ قَبلَ لُزومِ الأوَّلِ وإتمامِه، فهو إبطالٌ للأوَّلِ إن صَدر مِنَ البائِعِ، كما لو باعَ المَبيعَ في زَمَنِ الخيارِ، أو آجَرَه فهو فسخٌ. ويَكونُ إمضاءً للأوَّلِ إن صَدَرَ مِنَ المُشتَري، وهذا إذا قَبَضَه، فلا يَصحُّ بَيعُ المَبيعِ قَبلَ قَبضِه، ولَو مِنَ البائِعِ.
الثَّاني: أن يَكونَ بَعدَ لُزومِه وتَمامِه، وهو ضَربانِ:
1- أن يَكونَ مَعَ غَيرِ العاقِدِ الأوَّلِ، فإن كان فيه إبطالٌ لحَقِّ الأوَّلِ لغا، كما إذا رَهَنَ دارَه، ثُمَّ باعَها بغَيرِ إذنِ المُرتَهِنِ، وكَذا لو آجَرَها مُدَّةً يَحِلُّ الدَّينُ قَبلَ انقِضائِها. وإن لم يَكُنْ فيه إبطالٌ للأوَّلِ صَحَّ على الأصَحِّ، كما لو آجَرَ دارَه ثُمَّ باعَها مِن آخَرَ يَصِحُّ؛ فإنَّ مَورِدَ البَيعِ العَينُ، والإجارةِ المَنفعةُ، ولا تَنفسِخُ الإجارةُ قَطعًا، فتَبقى في يَدِ المُستَأجِرِ حَتَّى تَنقَضيَ المُدَّةُ، ويَتَخَيَّرَ المُشتَري إن جَهلَ ولا أُجرةَ له.
2- أن يَكونَ مَعَ العاقِدِ الأوَّلِ، فإذا كان مَورِدُهما مُختَلفًا صَحَّ، كما لو آجَرَ دارَه ثُمَّ باعَها مِنَ المُستَأجِرِ صَحَّ، ولا تَنفسِخُ الإجارةُ، كما لو رَهَنَه دارًا ثُمَّ آجَرَها مِنه، فإنَّه يَجوزُ، ولا يَبطُلُ به الرَّهنُ؛ لأنَّ أحَدَهما ورَدَ على مَحَلٍّ غَيرِ الآخَرِ؛ فإنَّ الإجارةَ على المَنفعةِ، والرَّهنَ على الرَّقَبةِ.
وإن كان مَورِدُهما واحِدًا، كما لوِ استَأجَرَ الزَّوجُ زَوجتَه لإرضاعِ وَلَدِه مِنها، فالأصَحُّ أنَّه يَجوزُ، كما يَستَأجِرُها بَعدَ البَينونةِ، وكَما يَستَأجِرُها لغَيرِ ذلك، ويَكونُ الاستِئجارُ مِن حينِ تَركِه الاستِمتاعَ
[5548] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/410)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 151)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/747). ويُنظر أيضًا: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/357)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/25)، ((القواعد)) للحصني (4/179). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (المَنافِعُ لها حُكمُ الأعيانِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّه لا يَجوزُ أن يَجتَمِعَ على عَينٍ واحِدةٍ عَقدانِ لازِمانِ حَتَّى لا يَؤولَ إلى اجتِماعِ مالكَينِ على عَينٍ واحِدةٍ، بَل يَكونُ أحَدُهما على العَينِ، والآخَرُ على المَنفَعةِ؛ إذِ المَنافِعُ لها حُكمُ الأعيانِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ: (المَشغولُ لا يُشغَلُ)
[5549] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/412)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 151). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- يَجوزُ بَيعُ العَينِ المُستَأجَرةِ عِندَ الجُمهورِ، كما لو أجَّرَ دارَه ثُمَّ باعَها؛ لاختِلافِ المَورِدِ، حَيثُ يَكونُ أحَدُ العَقدَينِ على العَينِ، والآخَرُ على المَنفعةِ، فالبَيعُ في العَينِ، والإجارةُ في المَنفعةِ
[5550] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/25)، ((القواعد)) للحصني (4/179). .
2- تَجوزُ إجارةُ المَبيعِ قَبلَ القَبضِ؛ لأنَّ مورِدَ عَقدِ الإجارةِ غَيرُ مَورِدِ عَقدِ البَيعِ؛ فلا يَكونُ مُطالبًا ومُطالَبًا في شَيءٍ واحِدٍ؛ لأنَّه في البَيعِ مُطالَبٌ بتَسليمِ الرَّقَبةِ، وفي الإجارةِ بالمَنفعةِ، فلم يَتَّحِدا، فلم يَتَوالَ ضَمانَا عَقدَينِ في شَيءٍ واحِدٍ
[5551] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/301). .
3- إذا استَأجَرَ إنسانًا للخِدمةِ شَهرًا، فلا يَجوزُ أن يُستَأجَرَ تلك المُدَّةَ لخياطةِ ثَوبٍ أو عَمَلٍ آخَرَ؛ لأنَّه لا يَجوزُ أن يُجمَعَ على العَينِ عَقدانِ لازِمانِ في مَحَلٍّ واحِدٍ، ويَجوزُ باعتبارينِ، وهو مِن بابِ شَغلِ المَشغولِ، وهو لا يَجوزُ
[5552] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/412)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 152). .