موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّالثُ: ما لزِمَ مِن عُقودِ المَنافِعِ لم يَصِحَّ اشتِراطُ الخيارِ فيه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما لزِمَ مِن عُقودِ المَنافِعِ لم يَصِحَّ اشتِراطُ الخيارِ فيه" [5525] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/394)، ((تكملة المطيعي على المجموع)) (15/43). ، وصيغةِ: "العَقدُ على مَنفعةٍ لا يَصِحُّ اشتِراطُ الخيارِ فيه" [5526] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3618). ، وصيغةِ: "ما عُقِدَ على مُدَّةٍ لا يَجوزُ فيه شَرطُ الخيارِ" [5527] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (11/232). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ ما لزِمَ مِن عُقودِ المَنافِعِ لا يَقبَلُ خيارَ الشَّرطِ، فلم يَصِحَّ اشتِراطُ الخيارِ فيه؛ لأنَّه يَتَضَمَّنُ تَعطيلَ المَنافِعِ؛ فإنَّ اشتِراطَ الثَّلاثةِ يَتَضَمَّنُ إتلافَ بَعضِ المَعقودِ عليه -فيما ليس بتابعٍ للمَعقودِ عليه- مَعَ بَقاءِ العَقدِ في جَميعِه، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرط في ابتياعِ جَوادَينِ أنَّه إن تَلِف أحَدُهما في يَدِ البائِعِ لم يَبطُلِ البَيعُ، ولأنَّ المَعقودَ عليه إذا لم يَبقَ جَميعُه في مُدَّةِ الخيارِ لم يَصِحَّ اشتِراطُ الخيارِ [5528] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/394)، ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (5/32)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (11/232)، ((تكملة المطيعي على المجموع)) (15/43). .
ووَجهُ تَفريعِ هذه القاعِدةِ مِن قاعِدةِ (المَنافِعُ لها حُكمُ الأعيانِ) أنَّها تَخصيصٌ لعُمومِها؛ فعُقودُ الأعيانِ -كالبَيعِ- يَصِحُّ اشتِراطُ الخيارِ فيها، بخِلافِ عُقودِ المَنافِعِ؛ فإنَّها لا يَصِحُّ اشتِراطُ الخيارِ فيها كما يَنُصُّ عليه لفظُ القاعِدةِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بأنَّ دُخولَ خيارِ الشَّرطِ فيما لزِمَ مِن عُقودِ المَنافِعِ يُفضي إلى فوتِ بَعضِ المَنافِعِ المَعقودِ عليها، وهذا لا يَجوزُ؛ لأنَّه يُنافي مُقتَضى العَقدِ [5529] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/394)، ((المغني)) لابن قدامة (6/48). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- عَقدُ الإجارةِ مِنَ العُقودِ اللَّازِمةِ، وما لزِمَ مِن عُقودِ المَنافِعِ لم يَصِحَّ اشتِراطُ الخيارِ فيه؛ لأنَّ المَنفعةَ في الإجارةِ تَفوتُ بمُضيِّ الزَّمَنِ، فألزَمنا العَقدَ لئَلَّا يَتلَفَ جُزءٌ مِنَ المَعقودِ عليه لا في مُقابَلةِ العِوَضِ. واشتِراطُ الثَّلاثةِ يَتَضَمَّنُ إتلافَ بَعضِ المَعقودِ عليه -فيما ليس بتابعٍ للمَعقودِ عليه- مَعَ بَقاءِ العَقدِ في جَميعِه، فلم يَصِحَّ [5530] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/394)، ((فتح الوهاب)) لزكريا الأنصاري (1/199). .
2- إذا شُرِط الخيارُ في الوقفِ فسَدَ؛ لأنَّه شَرطٌ يُنافي مُقتَضى العَقدِ، فالأصلُ في الوقفِ اللُّزومُ، والخيارُ يَمنَعُه، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرط أنَّ له بَيعَه مَتى شاءَ، ولأنَّه ليس بعَقدِ مُعاوَضةٍ، فلم يَصِحَّ اشتِراطُ الخيارِ فيه [5531] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/192)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (16/391)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (16/547). .
3- الصُّلحُ على المَنفَعةِ لا خيارَ فيه على الأصَحِّ؛ لأنَّه إجارةٌ، وكَذلك الصُّلحُ عن دَمِ العَمدِ لا خيارَ فيه أيضًا [5532] يُنظر: ((النجم الوهاج)) للدميري (4/110)، ((تحرير الفتاوى)) لابن العراقي (1/733). .
4- عَقدُ النِّكاحِ مِنَ العُقودِ الوارِدةِ على المَنفعةِ، ولا خيارَ فيه [5533] يُنظر: ((القواعد)) للحصني (4/125). .

انظر أيضا: