موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الرَّابعُ: يُتَسامَحُ في المَنافِعِ ما لا يُتَسامَحُ في الأعيانِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "يُتَسامَحُ في المَنافِعِ ما لا يُتَسامَحُ في الأعيانِ" [5534] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (3/472)، ((حاشية البجيرمي على الخطيب)) (3/471). ، وصيغةِ: المُسامَحةُ في المَنافِعِ أكثَرُ مِنها في الأعيانِ [5535] يُنظر: ((النجم الوهاج)) للدميري (4/511)، ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (2/236)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/248)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/277)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/463). ، وصيغةِ: المُسامَحةُ في المَنافِعِ أكثَرُ مِنَ الأعيانِ [5536] يُنظر: ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 267)، ((فتح الرحمن)) لابن رسلان (ص: 619)، ((غاية البيان)) للرملي (ص: 204). ، وصيغةِ: يُغتَفرُ في المَنافِعِ ما لا يُغتَفرُ في الأعيانِ [5537] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/482)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/167)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (3/216)، ((حاشية البجيرمي على شرح المنهج)) (2/318). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّه يُتَسامَحُ ويُتَساهَلُ في عُقودِ المَنافِعِ أكثَرَ مِنَ التَّسامُحِ في عُقودِ الأعيانِ، فيُغتَفرُ في المَنافِعِ ما لا يُغتَفرُ في الأعيانِ؛ ولذلك كان بَيعُ مَنافِعِ الأعيانِ -كالإجارةِ- جائِزًا عِندَ عامَّةِ أهلِ العِلمِ، مَعَ كَونِ المَنافِعِ مَعدومةً، وإنَّما أُجيزَت للحاجةِ الدَّاعيةِ إليها، وسُمِّيَت بَيعَ المَنافِعِ لوُجودِ مَعنى البَيعِ، وهو بَذلُ الأعواضِ في مُقابَلةِ المَنفعةِ [5538] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (4/420)، ((الاختيار)) للموصلي (2/50)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/482)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/167)، ((حاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب)) (3/236). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ (الحاجةُ العامَّةُ أوِ الخاصَّةُ تُنَزَّلُ مَنزِلةَ الضَّرورةِ)؛ حَيثُ إنَّ المَعقودَ عليه -وهيَ المَنافِعُ- مَعدومةٌ عِندَ العَقدِ، وعِندَ وُجودِها فهيَ أعراضٌ غَيرُ باقيةٍ، والقياسُ أن لا تَجوزَ؛ لِما فيها مِن إضافةِ العَقدِ إلى ما سَيوجَدُ، إلَّا أنَّها أُجيزَت للضَّرورةِ؛ لشِدَّةِ الحاجة إليها [5539] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/105)، ((الفتح المبين)) لابن حجر الهيتمي (ص: 527)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 431). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- جَوازُ بَعضِ العُقودِ التي تَقَعُ فيها الجَهالةُ، مِثلُ الإجارةِ والجَعالةِ والحَوالةِ؛ فتَجوزُ الإجارةُ مَعَ أنَّ المَنافِعَ مَعدومةٌ، وعِندَ وُجودِها فهيَ أعراضٌ غَيرُ باقيةٍ، وإنَّما تَقومُ بعَقدِ الإجارةِ على خِلافِ القياسِ لمَكانِ الحاجةِ الضَّروريَّةِ إليها. والجَعالةُ مَعَ ما فيها مِنَ الجَهالةِ. والحَوالةُ مَعَ ما فيها مِن بَيعِ الدَّينِ بالدَّينِ؛ لحاجةِ النَّاسِ إليها [5540] يُنظر: ((الفتح المبين)) لابن حجر الهيتمي (ص: 527)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 431). .
2- الاستِئجارُ على الرَّضاعِ يُعرَّفُ فيه المُدَّةُ والصَّبيُّ؛ لأنَّ الغَرَضَ يَختَلفُ به اختِلافًا ظاهرًا، والمَوضِعُ الذي فيه الرَّضاعُ، ولا يُبالى بما يَتَطَرَّقُ إليه مِن جَهالةٍ بسَبَبِ تَعَرُّضِ الصَّبيِّ للأمراضِ، وزيادةِ حاجَتِه ونُقصانِها، وهذا يَدُلُّ على نَوعٍ مِنَ التَّساهُلِ في الإجارةِ؛ للحاجةِ [5541] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (4/167). .
3- الوصيَّةُ بمَنافِعِ الدَّارِ وغَيرِها في المُستَقبَلِ جائِزةٌ، وإن كانتِ المَنافِعُ مَعدومةً في الحالِ؛ لأنَّ الشَّرعَ ألحَقَ تَوقُّعَ الوُجودِ مِنها حالًا على حالٍ بتَحَقُّقِ الوُجودِ في الأعيانِ؛ ولذلك صَحَّتِ الإجارةُ، ومَقصودُها المَنافِعُ التي سَتَكونُ [5542] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (11/124). ، فسومِحَ فيها بما لا يُتَسامَحُ في الأعيانِ؛ حَيثُ أُجيزَت في حالِ عَدَمِها.

انظر أيضا: