موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّاني: العَقدُ على المَنفعةِ بعِوَضٍ يَبطُلُ بمَوتِ أحَدِ العاقِدينِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بصيغةِ: العَقدُ على المَنفعةِ بعِوَضٍ يَبطُلُ بمَوتِ أحَدِ المُتَعاقِدينِ [5513] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/143). ، وصيغةِ: العَقدُ على المَنفعةِ يَبطُلُ بمَوتِ مَن عقدَ له [5514] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3602). ، وصيغةِ: عُقودُ المَنافِعِ تَبطُلُ بمَوتِ مَن وقَعَ له العَقدُ [5515] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3602). ، وصيغةِ: عُقودُ المَنافِعِ تَبطُلُ بمَوتِ العاقِدِ [5516] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/401). ، وصيغةِ: العُقودُ المُختَصَّةُ بالمَنافِعِ تَبطُلُ بالمَوتِ [5517] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3601). ، وصيغةِ: كُلُّ عَقدٍ يُقصَدُ به المَنفعةُ حالَ الحَياةِ وجَبَ أن لا يَبقى بَعدَ مَوتِ مَن عقدَ له، ووجَبَ أن يَرتَفِعَ إذا ماتَ مَن عقدَ له [5518] يُنظر: ((شرح مختصر الكرخي)) (5/220)، ((التجريد)) (7/3597) كلاهما للقدوري. .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ العَقدَ على المَنفعةِ يَبطُلُ بمَوتِ مَن عقدَ له؛ لأنَّه عَقدٌ يُقصَدُ به المَنفعةُ حالَ الحَياةِ، فوجَبَ أن لا يَبقى بَعدَ مَوتِ مَن عقدَ له، كما أنَّه مَعنًى يَنقَضي بانقِضاءِ المُدَّةِ، فوجَبَ أن يَنقَطِعَ بمَوتِ المُستَحِقِّ ويَرتَفِعَ إذا ماتَ مَن عقدَ له؛ حَيثُ إنَّ حَقَّ الانتِفاعِ يَنتَهي بمَوتِ المُنتَفِعِ [5519] يُنظر: ((التجريد)) (7/3602)، ((شرح مختصر الكرخي)) (5/220) كلاهما للقدوري، ((مرشد الحيران)) لقدري باشا (ص: 8). .
ووجهُ تَفريعِ هذه القاعِدةِ مِن قاعِدةِ (المَنافِعُ لها حُكمُ الأعيانِ) أنَّها تَخصيصٌ لعُمومِها، فالعَقدُ على الأعيانِ -كالبَيعِ- لا يَبطُلُ بالمَوتِ، بخِلافِ العَقدِ على المَنافِعِ؛ فإنَّه يَبطُلُ بالمَوتِ كما يَنُصُّ عليه لفظُ القاعِدةِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
استُدِلَّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا ماتَ الإنسانُ انقَطَعَ عنه عَمَلُه إلَّا مِن ثَلاثةٍ: إلَّا مِن صَدَقةٍ جاريةٍ، أو عِلمٍ يُنتَفَعُ به، أو ولَدٍ صالحٍ يَدعو لهـ)) [5520] أخرجه مسلم (1631). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ظاهرَ الحَديثِ يَقتَضي أنَّ عُقودَه كُلَّها تَبطُلُ بمَوتِه إلَّا ما دَلَّ عليه دَليلٌ [5521] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3602). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الإجارةُ تَبطُلُ بمَوتِ أحَدِ المُتَعاقِدينِ عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لأنَّ العَقدَ على المَنفعةِ يَبطُلُ بمَوتِ مَن عقدَ له، فتَبطُلُ إذا عَقدَها لنَفسِه، فإن عَقدَها لغَيرِه فلا تَبطُلُ كالوكيلِ [5522] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3596)، ((المبسوط)) للسرخسي (15/153)، ((ملتقى الأبحر)) للحلبي (ص: 559). .
2- الوَكالةُ تَبطُلُ بمَوتِ أحَدِ المُتَعاقِدينِ، ولا تُورَثُ، فتَبطُلُ بمَوتِ الموكِّلِ؛ لبُطلانِ أمرِه، وتَبطُلُ بمَوتِ الوكيلِ؛ لتَعَذُّرِ تَصَرُّفِه [5523] يُنظر: ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (5/338)، ((المحلى)) لابن حزم (7/94)، ((روضة القضاة)) لابن السمناني (2/661)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/75). .
3- إذا ماتَ المُعيرُ والمُستَعيرُ انقَطَعَتِ العاريَّةُ. أمَّا إذا ماتَ المُعيرُ فلأنَّ العَينَ انتَقَلَت إلى وارِثِه، والمَنفَعةُ بَعدَ هذا تَحدُثُ على مِلكِه، وإنَّما جَعَلَ المُعيرُ للمُستَعيرِ مِلكَ نَفسِه لا مِلكَ غَيرِه، وأمَّا إذا ماتَ المُستَعيرُ فلأنَّ المَنفعةَ لا تُورَثُ؛ لأنَّ الوِراثةَ خِلافةٌ، وذلك فيما كان للمَيِّتِ فيَخلُفُه فيه وارِثُه، وإذا كانتِ المَنافِعُ لا تبقى وقتَينِ لا يُتَصَوَّرُ فيها هذه الخِلافةُ، ولأنَّ الدَّلالةَ قامَت على أنَّ العَقدَ على المَنفَعةِ بعِوَضٍ يَبطُلُ بمَوتِ أحَدِ المُتَعاقِدَينِ، وهو الإجارةُ، فما كان مِنها بغَيرِ عِوَضٍ أَولى [5524] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/143). ويُنظر أيضًا: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/352). .

انظر أيضا: