موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: يُبطِلُ العَقدَ ما يَمنَعُه ابتِداءً


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "يُبطِلُ العَقدَ ما يَمنَعُه ابتِداءً" [5553] يُنظر: ((تكملة المطيعي على المجموع)) (14/176). ، وصيغةِ: "ما يَمنَعُ منِ ابتِداءِ العَقدِ يَمنَعُ منِ استَدامَتِه" [5554] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (9/157)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/683)، ((الفوائد المنتخبات)) لابن جامع (3/356)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/157). ، وصيغةِ: "ما يُبطِلُ العَقدَ يَستَوي فيه ابتِداؤُه وانتِهاؤُه" [5555] يُنظر: ((عيون المسائل)) للقاضي عبد الوهاب (ص: 314). ، وصيغةِ: "ما يَمنَعُ ابتِداءَ العَقدِ يَمنَعُ بَقاءَه" [5556] يُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/156). ، وصيغةِ: "كُلُّ عَقدٍ فسَدَ بمَعنًى يَستَوي فيه الابتِداءُ والبَقاءُ" [5557] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (10/5320). ، وصيغةِ: "الفسادُ الطَّارِئُ بَعدَ العَقدِ كالفسادِ المُقارِنِ للعَقدِ" [5558] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (5/147). ويُنظر أيضًا: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/408). ، وصيغةِ: "الفسادُ الطَّارِئُ على بَعضِ الصَّفقةِ كالفسادِ المُقارِنِ للصَّفقةِ" [5559] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/400). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّه إذا طَرَأ على العَقدِ ما يُبطِلُه يُجعَلُ المانِعُ كالمَوجودِ عِندَ ابتِداءِ العَقدِ، فما يَمنَعُ العَقدَ في الابتِداءِ يُبطِلُه بَعدَ ابتِدائِه، فكُلُّ عَقدٍ فسَدَ بعِلَّةٍ يَستَوي فيه الابتِداءُ والبَقاءُ، فإذا اعتَرَضَ بَعدَ العَقدِ قَبلَ حُصولِ المَقصودِ ما لوِ اقتَرَنَ بالعَقدِ كان مانِعًا مِنَ العَقدِ، فكَذلك إذا اعتَرَضَ يَكونُ مُبطِلًا للعَقدِ [5560] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (10/5320)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/408)، ((المبسوط)) للسرخسي (11/163)، ((تكملة المطيعي على المجموع)) (14/176). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدة: (الطَّارِئُ بَعدَ العَقدِ قَبلَ حُصولِ المَقصودِ به كالمُقارِنِ للعَقدِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- تَنفسِخُ الوديعةُ بما تَنفسِخُ به الوَكالةُ مِنَ العَزلِ والجُنونِ والإغماءِ والمَوتِ، فإذا أرادَ المودِعُ رَدَّ الوديعةِ انفسَخَ عَقدُها؛ لأنَّه مُتَبَرِّعٌ بالقَبولِ. وإذا أرادَ صاحِبُها استِردادَها وفَسْخَ عَقدِها كان له ذلك لأنَّه مالكُها، كما تَنفسِخُ بجُنونِ أحَدِهما أو مَوتِه أو إغمائِه؛ لأنَّ استِمرارَ العَقدِ يَنبَغي أن تَتَوفَّرَ فيه شُروطُ العَقدِ ابتِداءً، ويُبطِلُ العَقدَ ما يَمنَعُه ابتِداءً [5561] يُنظر: ((تكملة المطيعي على المجموع)) (14/176). .
2- إذا أسلَمَ الزَّوجانِ، وكانتِ الزَّوجةُ مِمَّن يَحرُمُ ابتِداءُ نِكاحِها وقتَ الإسلامِ؛ كَذاتِ مَحرَمٍ من نَسَبٍ أو رَضاعٍ، أو في عِدَّةٍ من غَيرِه، أو كانت حُبلى: فُرِّقَ بَينَهما؛ لأنَّه حالٌ يَمنَعُ منِ ابتِداءِ العَقدِ، فمُنِعَ منِ استَدامَتِه؛ كَنِكاحِ ذَواتِ المَحارِمِ [5562] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (9/157)، ((الفوائد المنتخبات)) لابن جامع (3/356). .
3- الرَّضاعُ يَمنَعُ مِنِ ابتِداءِ عَقدِ النِّكاحِ كما يَمنَعُ مِنَ الدَّوامِ عليه إذا طَرَأ عليه، ولا فرقَ في التَّحريمِ بَينَ الرَّضاعِ الطَّارِئ والمُتَقدِّمِ، كَأن يَعقِدَ على صَغيرةٍ أجنَبيَّةٍ، ثُمَّ بَعدَ العَقدِ الصَّحيحِ عليها أرضَعَتها أُمُّه، فيُمنَعُ الدَّوامُ على العَقدِ الذي كان صَحيحًا؛ لأنَّ هذا تَحريمٌ مُؤَبَّدٌ، فيَستَوي فيه الابتِداءُ والبَقاءُ [5563] يُنظر: ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (4/206)، ((نثر الورود)) لمحمد الأمين الشنقيطي (1/30). .
4- تَحريمُ الجَمعِ بَينَ الأُختَينِ يَستَوي فيه الابتِداءُ والبَقاءُ، بدَلالةِ أنَّه لا يَحِلُّ أن يَبتَدِئَ العَقدَ عليها، فلَو عَقدَ على صَغيرَتَينِ أجنَبيَّتَينِ، فجاءَتِ امرَأةٌ وأرضَعَتهما مَعًا أو واحِدةً بَعدَ الأُخرى، صارَتا أُختَينِ مِنَ الرَّضاعةِ، وحَرُمَتا عليه، وبَطَلَ نِكاحُهما؛ لأنَّ الجَمعَ بَينَ الأُختَينِ يَستَوي فيه الابتِداءُ والبَقاءُ، ويَجِبُ على الزَّوجِ لكُلِّ واحِدةٍ مِنَ الصَّغيرَتَينِ نِصفُ المَهرِ؛ لأنَّ الفُرقةَ وقَعَت قَبلَ الدُّخولِ بهما مِن غَيرِ فِعلِهما [5564] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (9/4518)، ((تحفة الفقهاء)) لعلاء الدين السمرقندي (2/240). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها:
1- الطَّلاقُ؛ فإنَّه مانِعٌ مِنَ الدَّوامِ على الاستِمتاعِ بالعَقدِ الأوَّلِ، ولا يَمنَعُ مِنِ ابتِداءِ الاستِمتاعِ بعَقدٍ جَديدٍ [5565] يُنظر: ((نثر الورود)) لمحمد الأمين الشنقيطي (1/30). .
2- العِدَّةُ إنَّما تَمنَعُ ابتِداءَ العَقدِ، ولا تَمنَعُ بَقاءَ العَقدِ المُتَقدِّمِ، فالمَرأةُ إذا وُطِئَت بشُبهةٍ وهيَ تَحتَ زَوجٍ، وجَبَت عليها العِدَّةُ، ولا يَمنَعُ ذلك بَقاءَ العَقدِ المُتَقدِّمِ [5566] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (4/348)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/188). .

انظر أيضا: