المَطلَبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ: يُبطِلُ العَقدَ ما يَمنَعُه ابتِداءً: العَقدُ يَبطُلُ بهَلاكِ المَعقودِ عليه
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "العَقدُ يَبطُلُ بهَلاكِ المَعقودِ عليه"
[5567] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (7/208)، ((البناية)) للعيني (10/447). ، وصيغةِ: "المَعقودُ عليه يوجِبُ بُطلانَ العَقدِ"
[5568] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/509). ، وصيغةِ: "بهَلاكِ المَعقودِ عليه يَبطُلُ العَقدُ"
[5569] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/10)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/190). ، وصيغةِ: "هَلاكُ المَعقودِ عليه قَبلَ القَبضِ يُبطِلُ العَقدَ"
[5570] يُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (7/157)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (4/142)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/269). ، وصيغةِ: "هَلاكُ المَعقودِ عليه بَعدَ العَقدِ قَبلَ القَبضِ يُبطِلُ العَقدَ ويُجعَلُ كالمُقتَرِنِ بالعَقدِ"
[5571] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/169). ، وصيغةِ: "هَلاكُ المَعقودِ عليه يُخِلُّ ببَقاءِ العَقدِ"
[5572] يُنظر: ((طريقة الخلاف)) للأسمندي (ص: 178). ، وصيغةِ: "هَلاكُ العاقِدِ لا يُخِلُّ ببَقاءِ العَقدِ، ولَكِنْ هَلاكُ المَعقودِ عليه يُخِلُّ به"
[5573] يُنظر: ((طريقة الخلاف)) للأسمندي (ص: 177). ، وصيغةِ: "فواتُ القَبضِ إذا طَرَأ بهَلاكِ المَعقودِ عليه قَبلَ التَّسليمِ كان مُبطِلًا للعَقدِ"
[5574] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/131). ، وصيغةِ: "العَقدُ لا يَبقى بَعدَ فواتِ المَعقودِ عليه"
[5575] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/6). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ العَقدَ يَبطُلُ بهَلاكِ المَعقودِ عليه؛ لأنَّه رُكنُ العَقدِ، والعَقدُ يَبطُلُ بفواتِ رُكنِه؛ ولهذا شُرِط قيامُ المِلكِ في المَبيعِ عِندَ العَقدِ، فإن كان المَبيعُ هالكًا بطَلَ العَقدُ، فهَلاكُ المَعقودِ عليه بَعدَ العَقدِ قَبلَ القَبضِ يَكونُ سَبَبًا في إبطالِ العَقدِ، ويُجعَلُ هَلاكُ المَعقودِ عليه كالمُقتَرِنِ بالعَقدِ؛ لأنَّ هَلاكَ المَبيعِ يمنَعُ الوُصولَ إلى المَقصودِ المَطلوبِ مِنَ العَقدِ
[5576] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (7/208) و(12/169)، ((طريقة الخلاف)) للأسمندي (ص: 178)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/509)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (30/268)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (4/142). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (يُبطِلُ العَقدَ ما يَمنَعُه ابتِداءً)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ هَلاكَ المَعقودِ عليه بَعدَ العَقدِ قَبلَ القَبضِ يُبطِلُ العَقدَ، ويُجعَلُ كالمُقتَرِنِ بالعَقدِ عِندَ ابتِدائِه؛ بناءً على أنَّه يُبطِلُ العَقدَ ما يَمنَعُه ابتِداءً.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والإجماعِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((لو بِعتَ مِن أخيك ثَمَرًا فأصابَته جائِحةٌ فلا يَحِلُّ لك أن تَأخُذَ مِنه شَيئًا، بمَ تَأخُذُ مالَ أخيك بغَيرِ حَقٍّ؟ )) [5577] أخرجه مسلم (1554). .
وَجهُ الدَّلالةِ:يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّ تَلَفَ المَبيعِ والمُستَأجَرِ قَبلَ التَّمَكُّنِ مِن قَبضِه يَنفسِخُ به العَقدُ؛ فقد بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحَديثِ الصَّحيحِ أنَّه إذا باعَ ثَمَرًا فأصابَته جائِحةٌ فلا يَحِلُّ له أن يَأخُذَ مِنه شَيئًا. ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ ذلك وعِلَّتَه، فقال:
((بمَ تَأخُذُ مالَ أخيك بغَيرِ حَقٍّ؟)) وهذا دَلالةٌ على ما ذَكَرَه اللهُ في كِتابِه مِن تَحريمِ أكلِ المالِ بالباطِلِ، وأنَّه إذا تَلِف المَبيعُ قَبلَ التَّمَكُّنِ مِن قَبضِه كان أخذُ شَيءٍ مِنَ الثَّمَنِ أخْذَ مالِه بغَيرِ حَقٍّ، بَل بالباطِلِ، وقد حَرَّمَ اللهُ أكلَ المالِ بالباطِلِ؛ لأنَّه مِنَ الظُّلمِ المُخالفِ للقِسطِ الذي تَقومُ به السَّماءُ والأرضُ. وهذا الحَديثُ أصلٌ في هذا البابِ
[5578] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (30/268). .
2- مِنَ الإجماعِ:فقد نَقَلَ ابنُ تيميَّةَ
[5579] قال: (اتَّفقوا على أنَّ تَلَفَ المَبيعِ قَبلَ التَّمَكُّنِ مِنَ القَبضِ يُبطِلُ العَقدَ، ويَحرُمُ أخذُ الثَّمَنِ). ((مجموع الفتاوى)) (30/269). ، وقاضي زاده
[5580] قال: (بُطلانُ العَقدِ بهَلاكِ المَعقودِ عليه أمرٌ مُجمَعٌ عليهـ). ((نتائج الأفكار)) (9/210). الإجماعَ على بُطلانِ العَقدِ بهَلاكِ المَعقودِ عليه.
3- مِنَ القَواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (يُبطِلُ العَقدَ ما يَمنَعُه ابتِداءً).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- يَبطُلُ عَقدُ البَيعِ بهَلاكِ المَعقودِ عليه قَبلَ القَبضِ؛ لأنَّ هَلاكَ المَعقودِ عليه يوجِبُ انفِساخَ البَيعِ وسُقوطَ الثَّمَنِ؛ وذلك لفواتِ القَبضِ المُستَحَقِّ بالعَقدِ، كما أنَّ مَقصودَ البَيعِ يَضيعُ بتَلَفِ المَعقودِ عليه
[5581] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (6/277)، ((المبسوط)) للسرخسي (13/8)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/277). .
2- إذا كان الخيارُ للبائِعِ أو للمُشتَري، فالتَقَيا فتَناقَضا البَيعَ، ثُمَّ هَلَكَ عِندَ المُشتَري قَبلَ أن يَقبضَه البائِعُ، فعلى المُشتَري الثَّمَنُ إن كان له الخيارُ، والقيمةُ إن كان الخيارُ للبائِعِ؛ لأنَّ تَمامَ الفسخِ بالرَّدِّ على البائِعِ كما أنَّ استِحكامَ البَيعِ بالقَبضِ، ثُمَّ هَلاكُ المَعقودِ عليه بَعدَ العَقدِ قَبلَ القَبضِ يُبطِلُ العَقدَ، فكَذلك هَلاكُه بَعدَ الفسخِ قَبلَ الرَّدِّ
[5582] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/49). .
3- تَبطُلُ الإجارةُ بهَلاكِ العَينِ، كَسُقوطِ الدَّارِ المُؤَجَّرةِ، فإن سَقَطَتِ الدَّارُ كُلُّها أوِ انهَدَمَت فلَه أن يَخرُجَ مِنَ الدَّارِ، سَواءٌ كان المُؤاجِرُ حاضِرًا أو غائِبًا، فيَنفسِخُ العَقدُ؛ لأنَّه قد فاتَ جِنسُ الانتِفاعِ المَعهودِ بالدَّارِ، والعَقدُ يَنفسِخُ بهَلاكِ المَعقودِ عليه
[5583] يُنظر: ((تحفة الفقهاء)) لعلاء الدين السمرقندي (2/350). .
4- إذا هَلَكَ مالُ الشَّرِكةِ أو مالُ أحَدِ الشَّريكَينِ قَبلَ القيامِ بشِراءِ شَيءٍ في شَرِكةِ الأموالِ، بَطَلَتِ الشَّرِكةُ؛ لأنَّ المَعقودَ عليه في عَقدِ الشَّرِكةِ هو المالُ، والمالُ في الشَّرِكةِ يَتَعَيَّنُ بالتَّعيينِ، وبهَلاكِ المَعقودِ عليه يَبطُلُ العَقدُ كما في البَيعِ
[5584] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/10)، ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (5/3916). .